للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْلِيٍّ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ بِهَا فِي الدُّنْيَا لِعَدَمِ صِحَّتهَا مِنْهُ، لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبَ عِقَابٍ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهَا بِالْإِسْلَامِ.

(وَ) الثَّانِي: (الْبُلُوغُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى صَغِيرٍ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ.

(وَ) الثَّالِثُ: (الْعَقْلُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ لِمَا ذُكِرَ.

وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الرَّابِعِ وَهُوَ: النَّقَاءُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، فَلَا تَجِبُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْإِسْلَامُ) وَلَوْ فِيمَا مَضَى فَيَدْخُلُ الْمُرْتَدُّ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ وَهَذَا لَا يَظْهَرُ إلَّا لَوْ عَبَّرَ بِمُسْلِمٍ كَمَا عَبَّرَ الْمَنْهَجُ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ اسْمُ فَاعِلٍ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَلَبِّسِ بِالْإِسْلَامِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ، بِخِلَافِ لَفْظِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْجَمِيعَ أَيْ الْإِسْلَامَ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَيُوجَدُ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَتْنِ عَقِبَ قَوْلِهِ وَالْعَقْلُ وَهُوَ حَدُّ التَّكْلِيفِ. قَالَ سم: وَهُوَ أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ مَجْمُوعِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ الْأَخِيرَانِ مِنْهَا. وَلَا يُرَدُّ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ الصَّحِيحَ مُخَاطَبَةُ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّكْلِيفُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَوْ الَّذِي يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الدُّنْيَا بِثُبُوتِ الْمُطَالَبَةِ فِيهَا مِنَّا. وَقَوْلُهُ: (حَدُّ التَّكْلِيفِ) أَيْ ضَابِطُهُ وَمَدَارُهُ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ لِمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّهَارَةِ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ.

فَإِنْ قُلْت: لِمَ جُعِلَ الْإِسْلَامُ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ وَلَمْ يُجْعَلْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ مَعَ أَنَّ الصِّحَّةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَيْهِ أَيْضًا؟ أُجِيبُ بِأَنَّ الصِّحَّةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا فَرْعٌ عَنْهُ، فَلَمَّا كَانَ الْوُجُوبُ مُتَقَدِّمًا جُعِلَ الْإِسْلَامُ شَرْطًا لَهُ. فَرْعٌ: لَنَا شَخْصٌ مُسْلِمٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ قَادِرٌ لَا يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا تَرَكَهَا. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَشْتَبِهَ صَغِيرَانِ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ ثُمَّ يَبْلُغَا وَيَسْتَمِرَّ الِاشْتِبَاهُ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ مِنْهُمَا بَالِغٌ عَاقِلٌ قَادِرٌ لَا يُؤْمَرُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ عَيْنُهُ. اهـ. م ر سم. أَيْ: إذَا اخْتَلَطَ ابْنُ الْمُسْلِمِ بِابْنِ الْكَافِرِ بَعْدَ مَوْتِ أَبَوَيْهِمَا فَلَا يُؤْمَرَانِ وُجُوبًا وَلَا يُنْهَيَانِ وَلَوْ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَيُسْتَحَبُّ أَمْرُهُمَا وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا، فَلَوْ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِمَا فَاتَهُ مِنْ الْبُلُوغِ إلَى الْإِسْلَامِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ إسْلَامِهِ قَبْلُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّ لَهُمَا الْقَضَاءُ وَلَوْ مَاتَا صَلَّى عَلَيْهِمَا بِتَعْلِيقِ النِّيَّةِ سَوَاءٌ مَاتَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا أَيْ، فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ تُعْلَمْ عَيْنُهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ صِغَارِ الْمَمَالِيكِ حَيْثُ قُلْنَا بِعَدَمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السَّابِي لَهُمْ كَافِرًا بِتَحَقُّقِ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا، وَذَلِكَ يُوجِبُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَشْبَهَ مَا لَوْ اخْتَلَطَ مُسْلِمٌ مَيِّتٌ بِكَافِرٍ مَيِّتٍ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ) مِنْ إضَافَةِ السَّبَبِ لِلْمُسَبِّبِ أَيْ وُجُوبًا يَنْشَأُ عَنْهُ الْمُطَالَبَةُ أَيْ مِنَّا إذْ لَوْ طَالَبْنَاهُ لَزِمَ نَقْضُ عَهْدِهِ إنْ كَانَ مُؤْمِنًا وَإِبْطَالُ الْجِزْيَةِ إنْ كَانَ مُلْتَزِمًا لَهَا. وَإِنَّمَا الطَّلَبُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ إذْ لَوْ لَمْ يُطَالَبْ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِلْعِقَابِ عَلَيْهَا اهـ ع ش.

قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ) يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّيَانِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُمَا مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِمَا كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ، لَكِنَّ الْحَرْبِيَّ مُطَالَبٌ بِالْإِسْلَامِ وَيَلْزَمُهُ كَوْنُهُ مُطَالَبًا بِفُرُوعِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مُخَاطَبٌ بِهَا خِطَابَ مُطَالَبَةٍ بِاعْتِبَارِ اللُّزُومِ الْمَذْكُورِ وَغَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ عَلَى كُفْرِهِ لَا يُطَالَبُ إلَّا بِالْإِسْلَامِ. اهـ. حَجّ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ كَالذِّمِّيِّ يُطَالَبُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِالْجِزْيَةِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَقَالَ أَيْضًا قَوْلُهُ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ أَيْ مَعَ تَلَبُّسِهِ بِمَانِعٍ لَا يُطَالَبُ مِنْهُ رَفْعُهُ، بِخُصُوصِهِ، وَمَعَ عَدَمِ قَصْدِ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ لَا يُطَالَبُ بِرَفْعِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْكُفْرُ بِخُصُوصِهِ، وَإِنَّمَا يُطَالَبُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَلَوْ كَانَ حَرْبِيًّا فَلَا يَرِدُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْمُرْتَدُّ وَالْمُحْدِثُ؛ لِأَنَّهُمَا يُطَالَبَانِ بِرَفْعِ الْمَانِعِ بِخُصُوصِهِ، فَيُطَالَبُ الْأَوَّلُ بِالْإِسْلَامِ بِخُصُوصِهِ، وَالثَّانِي بِالطَّهَارَةِ، وَكَذَا لَا يَرِدُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْمَجْنُونُ الْمُتَعَدِّي وَالسَّكْرَانُ لِقَصْدِ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا أَسْلَمَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يَقْصِدُ حِينَئِذٍ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ وَلَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُهُ: (لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَتَجِبُ بِالْوَاوِ إذْ لَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ بَعْدَ قَوْلِهِ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ (لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبَ عِقَابٍ) أَيْ وُجُوبًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِقَابُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ الْأَدَاءُ لِلصَّلَاةِ وَالْمُطَالَبَةُ مِنَّا وَالْعِقَابُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>