للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحْتِسَابًا أَيْ إخْلَاصًا، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْغُفْرَانَ مُخْتَصٌّ بِالصَّغَائِرِ، وَتُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا؛ لِأَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ: الرِّجَالَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَالنِّسَاءَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَسُمِّيَتْ كُلُّ أَرْبَعٍ مِنْهَا تَرْوِيحَةً؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَرَوَّحُونَ عَقِبَهَا أَيْ يَسْتَرِيحُونَ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَالسِّرُّ فِي كَوْنِهَا عِشْرِينَ؛ لِأَنَّ الرَّوَاتِبَ أَيْ: الْمُؤَكَّدَاتِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ عَشَرُ رَكَعَاتٍ فَضُوعِفَتْ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ جِدٍّ وَتَشْمِيرٍ اهـ.

وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ فِعْلُهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ خَمْسُ تَرْوِيحَاتٍ، فَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، فَجَعَلَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ بَدَلَ كُلِّ أُسْبُوعٍ تَرْوِيحَةً لِيُسَاوُوهُمْ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ كَمَا قَالَهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْقُدْسِ وَهُوَ مِنْ النُّورِ وَفِيهِ مَلَائِكَةٌ لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى يَعْبُدُونَ اللَّهَ تَعَالَى عِبَادَةً لَا يَفْتَرُونَ سَاعَةً، فَإِذَا كَانَ لَيَالِيَ رَمَضَان اسْتَأْذَنُوا رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَنْزِلُوا إلَى الْأَرْضِ وَيَحْضُرُوا مَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ، فَكُلُّ مَنْ مَسَّهُمْ أَوْ مَسُّوهُ سَعِدَ سَعَادَةً لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا، فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا قَالَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِهَذَا الْفَضْلِ وَالْأَجْرِ، فَجَمَعَ النَّاسَ عَلَى صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَقُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ حِينِ شُرِعَتْ إلَّا مَرَّةً وَشُرِعَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ لِمُضِيِّ إحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، «فَخَرَجَ النَّبِيُّ وَصَلَّى بِهِمْ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ. ثُمَّ خَرَجَ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَصَلَّى بِهِمْ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجَ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَصَلَّى بِهِمْ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ إلَى قُرْبِ الْفَجْرِ، ثُمَّ انْتَظَرُوا لَيْلَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ فَلَمْ يَخْرُجْ لَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ صَبِيحَتُهَا: خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجَزُوا» ، وَإِنَّمَا لَمْ يَخْرُجْ لَهُمْ مُتَوَالِيًا شَفَقَةً عَلَيْهِمْ.

فَإِنْ قُلْت: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّرَاوِيحَ عِشْرُونَ رَكْعَةً وَالْوَارِدُ مِنْ فِعْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانِ رَكَعَاتٍ. قُلْت: أُجِيبُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُتَمَّمُونَ الْعِشْرِينَ فِي بُيُوتِهِمْ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّحَابَةَ إذَا انْطَلَقُوا إلَى مَنَازِلِهِمْ يُسْمَعُ لَهُمْ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الدَّبَابِيرِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الثَّمَانِ فِي صَلَاتِهِ بِهِمْ وَلَمْ يُصَلِّ بِهِمْ الْعِشْرِينَ تَخْفِيفًا عَلَيْهِمْ اهـ اج.

قَوْلُهُ: (الرِّجَالَ) بَدَلٌ مِنْ النَّاسِ قَوْلُهُ: (ابْنِ أَبِي حَثْمَهْ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ سَاكِنَةٍ وَمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَهَاءٍ سَاكِنَةٍ كَذَا ضَبَطَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فَهُوَ مِثْلُ مَنْدَهْ وَمَاجَهْ وَسِيدَهْ وَبَرْدَزَيْهْ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرُوهُ. قَوْلُهُ: (أَيْ يَسْتَرِيحُونَ) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ كَمَا يَأْتِي.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الرَّوَاتِبَ إلَخْ) أَيْ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا كَالرَّوَاتِبِ مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُهَا أَيْ التَّرَاوِيحُ، وَقَوْلُهُ: عَلَى فِعْلِ الْعِشَاءِ وَالرَّوَاتِبُ الْبَعْدِيَّةِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى فِعْلِ الْفَرْضِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: صَوَابُهُ حَذْفُ اللَّامِ مِنْ لِأَنَّ كَمَا فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (فَضُوعِفَتْ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ التَّضْعِيفَ أَنْ يُزَادَ عَلَى الشَّيْءِ مِثْلُهُ فَيَقْتَضِي أَنَّ التَّرَاوِيحَ عَشَرُ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا زِيدَ عَلَى الْعَشْرِ رَكَعَاتٍ الْمُؤَكَّدَاتِ مِثْلُهَا صَارَتْ عِشْرِينَ عَشَرَةً مِنْهَا هِيَ الْمُؤَكَّدَةُ مِنْ الرَّوَاتِبِ، وَالْعَشَرَةُ الْأُخْرَى هِيَ التَّرَاوِيحُ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّضْعِيفِ هُنَا أَنْ يُزَادَ عَلَى الشَّيْءِ مِثْلَاهُ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. فَقَوْلُهُ: فَضُوعِفَتْ أَيْ زِيدَ عَلَيْهَا مِثْلَاهَا اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ) أَيْ بِاجْتِهَادٍ مِمَّنْ كَانَ فِيهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ كِبَارِهَا وَعُلَمَائِهَا وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ صَلَّوْهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ فِي آخِرِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ لَا فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ كَمَا قَالَهُ حَجّ اهـ.

قَوْلُهُ: (فِعْلُهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ) وَمَعَ ذَلِكَ، فَالْأَفْضَلُ الِاقْتِصَارُ عَلَى عِشْرِينَ وَفِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَإِذَا فَعَلُوهَا كَذَلِكَ فَهَلْ يُثَابُونَ عَلَيْهَا ثَوَابَ الْعِشْرِينَ كَغَيْرِهِمْ أَوْ يُثَابُونَ عَلَى الْعِشْرِينَ ثَوَابَ التَّرَاوِيحِ، وَعَلَى السِّتَّةَ عَشْرَ ثَوَابَ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُمْ يُثَابُونَ عَلَى الْعِشْرِينَ ثَوَابَ التَّرَاوِيحِ، وَعَلَى السِّتَّةِ عَشَرَ أَكْثَرَ مِنْ ثَوَابِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهَا أَرْقَى مِنْهُ اهـ. قَوْلُهُ (يَطُوفُونَ) وَإِنَّمَا لَمْ تَطُفْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِالْقَبْرِ الشَّرِيفِ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ.

قَوْلُهُ: (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) الْأُولَى أَنْ يَقُولَ سَبْعًا؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الطَّوَافِ شَوْطًا، وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مَنْ بِهَا حِينَ فِعْلِ التَّرَاوِيحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَطِّنًا وَلَا مُقِيمًا وَمَنْ فَعَلَهَا خَارِجَهَا بِحَيْثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>