وَالْفِقْهُ لُغَةً الْفَهْمُ مُطْلَقًا كَمَا صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَاصْطِلَاحًا كَمَا فِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ نَصًّا وَاسْتِنْبَاطًا (عَلَى مَذْهَبِ) أَيْ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ (الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ) مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الْمَسَائِلِ مَجَازًا عَنْ مَكَانِ الذَّهَابِ؛ وَإِذْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (الْفَهْمُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعْرِفَةَ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ أَوْ لَا. بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِمَا دَقَّ وَمَا لَمْ يَدِقَّ، وَقِيلَ فَهْمُ مَا دَقَّ فَقَطْ عَلَيْهِ فَلَا يُقَالُ فَقِهْت أَنَّ السَّمَاءَ فَوْقَنَا مَثَلًا. قَوْلُهُ: (كَمَا صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ) أَيْ نَقَلَ تَصْوِيبَهُ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ إذْ مُقَابِلُهُ يَقْصُرُهُ عَلَى فَهْمِ الْأُمُورِ الدَّقِيقَةِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا لِبَعْضِهِمْ مِنْ الِاعْتِرَاضِ هُنَا مِنْ أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَهُمْ لَا تَصْوِيبَ لَهُمْ فِي الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: يُقَالُ فَقُهَ يَفْقُهُ بِالضَّمِّ فِيهِمَا إذَا صَارَ فَقِيهًا أَيْ عَالِمًا، وَأَمَّا فَقِهَ بِالْكَسْرِ فَمُضَارِعُهُ يَفْقَهُ بِالْفَتْحِ وَهُوَ مَقِيسٌ تَقُولُ فَقِهْت الْمَسْأَلَةَ أَيْ فَهِمْتهَا اهـ أُجْهُورِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ إلَخْ) خَرَجَ بِالْأَحْكَامِ مَعْرِفَةُ الذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ كَتَصَوُّرِ الْإِنْسَانِ وَالْبَيَاضِ، وَخَرَجَ بِإِضَافَتِهَا لِلْحَوَادِثِ الْعُلُومُ الْعَقْلِيَّةُ الْمُسْتَقِرَّةُ فِي نَفْسِهَا كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ وَالْحِسِّيَّةُ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ النَّارَ مُحْرِقَةٌ وَالِاعْتِقَادِيَّة كَالْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ نَصًّا إلَخْ. عِلْمُ جِبْرِيلَ وَالنَّبِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَهِدُ، أَوْ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ لَكِنْ يَنْقَلِبُ ضَرُورِيًّا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْحَوَادِثِ الْأَفْعَالُ وَنَصَبَ نَصًّا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَعَلَى تَفْسِيرِ الْفِقْهِ بِمَعْرِفَةِ إلَخْ. يَكُونُ قَوْلُ الشَّارِحِ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ مِنْ الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ إنْ أُرِيدَ بِالْعِلْمِ الْإِدْرَاكُ، فَإِنْ أُرِيدَ الْمَسَائِلُ فَالْمَعْنَى فِي مَسَائِلِ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ إلَخْ وَهُوَ صَحِيحٌ اهـ.
قَوْلُهُ: (نَصًّا) أَيْ بِالنَّصِّ أَوْ مِنْ النَّصِّ وَالِاسْتِنْبَاطِ أَيْ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الْفِقْهَ دَلِيلُهُ النَّصُّ وَالْقِيَاسُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْرِيفِهِ الْمَشْهُورِ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مَذْهَبِ) حَالٌ مِنْ الْفِقْهِ أَيْ حَالَ كَوْنِ الْفِقْهِ جَارِيًا عَلَى مَذْهَبٍ أَيْ طَرِيقَةٍ، وَرَأْيِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ إلَخْ. أَوْ حَالٌ مِنْ مُخْتَصَرٍ أَيْ حَالَ كَوْنِ الْمُخْتَصَرِ كَائِنًا عَلَى مَذْهَبِ إلَخْ. أَوْ عَلَى بِمَعْنَى فِي أَيْ فِي مَذْهَبٍ وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ الْفِقْهِ. قَالَ سم فَإِنْ قُلْت: كَانَ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ مُخْتَصَرًا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَلِمَ زَادَ قَوْلَهُ فِي الْفِقْهِ؟ قُلْت: إشَارَةٌ لِمَدْحِ مُخْتَصَرِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ عُمُومِ كَوْنِهِ فِي الْفِقْهِ، وَخُصُوصِ كَوْنِهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَلِمَدْحِ عُمُومِ الْفِقْهِ وَخُصُوصِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ قَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِ الْفِقْهِ كَأُصُولِ الْفِقْهِ اهـ.
وَالْمَذْهَبُ لُغَةً مَكَانُ الذَّهَابِ وَهُوَ الطَّرِيقُ وَاصْطِلَاحًا الْأَحْكَامُ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا الْمَسَائِلُ شُبِّهَتْ بِمَكَانِ الذَّهَابِ بِجَامِعِ أَنَّ الطَّرِيقَ يُوَصِّلُ إلَى الْمَعَاشِ وَتِلْكَ الْأَحْكَامُ تُوَصِّلُ إلَى الْمَعَادِ أَوْ بِجَامِعِ أَنَّ الْأَجْسَادَ تَتَرَدَّدُ فِي الطَّرِيقِ وَالْأَفْكَارَ تَتَرَدَّدُ فِي تِلْكَ الْأَحْكَامِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَيْهَا الْمَذْهَبُ فَهِيَ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ وَهَلْ هِيَ أَصْلِيَّةٌ أَوْ تَبَعِيَّةٌ قَوْلَانِ الْأَرْجَحُ مِنْهُمَا الثَّانِي وَعَلَيْهِ فَيُقَالُ شَبَّهَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ الْأَحْكَامِ بِالذَّهَابِ فِي الطَّرِيقِ وَاسْتَعَارَ الذَّهَابَ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَاشْتُقَّ مِنْهُ مَذْهَبُ هَذَا إنْ لَمْ يُهْجَرْ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ وَإِلَّا فَهُمْ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ، وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ فَإِنَّ الْإِمَامَ فِيهِ مَجْرُورٌ وَفِي حَلِّ الشَّارِحِ مَرْفُوعٌ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ حَلُّ مَعْنًى لَا حَلُّ إعْرَابٍ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّقْرِيبِ قَوْلًا بِجَوَازِ التَّغْيِيرِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُؤَلَّفُ كَمَا هُنَا.
قَوْلُهُ: (الشَّافِعِيِّ) النِّسْبَةُ إلَى الشَّافِعِيِّ شَافِعِيٌّ لَا شَفْعَوِيٌّ كَمَا قِيلَ بِهِ، لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمَنْسُوبَ لِلْمَنْسُوبِ يُؤْتَى بِهِ عَلَى صُورَةِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ، لَكِنْ بَعْدَ حَذْفِ الْيَاءِ مِنْ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ وَإِثْبَاتِ بَدَلِهَا فِي الْمَنْسُوبِ اهـ ع ش عَلَى م ر. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:
وَمِثْلُهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ
وَقَوْلُهُ: (الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلِقِ وَهُوَ كَامِلُ الْأَدِلَّةِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ وَخَرَجَ مُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمُقَلِّدُ لِإِمَامٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ؛ الْعَارِفِ بِقَوَاعِدِ إمَامِهِ، فَإِذَا وَقَعَتْ حَادِثَةٌ لَمْ يُعْرَفْ لِإِمَامِهِ فِيهَا نَصٌّ اجْتَهَدَ فِيهَا عَلَى مَذْهَبِهِ وَخَرَّجَهَا عَلَى أُصُولِهِ
وَخَرَجَ أَيْضًا مُجْتَهِدُ الْفَتْوَى وَهُوَ الْمُتَبَحِّرُ فِي مَذْهَبِهِ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ تَرْجِيحِ أَحَدِ قَوْلَيْهِ عَلَى الْآخَرِ إذَا أَطْلَقَهُمَا اهـ م د.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الْمَسَائِلِ) مِنْ ظَرْفِيَّةُ الْبَعْضِ فِي الْكُلِّ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ