(وَ) الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (تَرْتِيبُهَا) أَيْ الْأَرْكَانِ (كَمَا ذَكَرْنَاهُ) فِي عَدَدِهَا الْمُشْتَمِلِ عَلَى قَرْنِ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ وَجَعْلِهِمَا مَعَ الْقِرَاءَةِ فِي الْقِيَامِ، وَجَعْلِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُعُودِ. فَالتَّرْتِيبُ عِنْدَ مَنْ أَطْلَقَهُ مُرَادٌ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَمِنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ كَمَا مَرَّ، فَهِيَ مُرَتَّبَةٌ وَغَيْرُ مُرَتَّبَةٍ بِاعْتِبَارَيْنِ. وَدَلِيلُ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ الِاتِّبَاعُ كَمَا فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَعَدُّهُ مِنْ الْأَرْكَانِ بِمَعْنَى الْفُرُوضِ صَحِيحٌ، وَبِمَعْنَى الْأَجْزَاءِ فِيهِ تَغْلِيبٌ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِعَدِّ الْوَلَاءِ مِنْ الْأَرْكَانِ، وَصَوَّرَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ بِعَدَمِ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ، وَابْنُ الصَّلَاحِ بِعَدَمِ طُولِ الْفَصْلِ بَعْدَ سَلَامِهِ نَاسِيًا، وَلَمْ يَعُدَّهُ الْأَكْثَرُونَ رُكْنًا لِكَوْنِهِ كَالْجُزْءِ مِنْ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ، أَوْ لِكَوْنِهِ أَشْبَهَ بِالتُّرُوكِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَنْقِيحِهِ: الْوَلَاءُ وَالتَّرْتِيبُ شَرْطَانِ، وَهُوَ أَظْهَرُ مَنْ عَدَّهُمَا رُكْنَيْنِ اهـ.
وَالْمَشْهُورُ عَدُّ التَّرْتِيبِ رُكْنًا وَالْوَلَاءِ شَرْطًا، وَأَمَّا السُّنَنُ فَتَرْتِيبُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضِ كَالِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ، وَتَرْتِيبُهَا عَلَى الْفَرَائِضِ كَالْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةُ شَرْطٌ فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا سُنَّةً لَا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَ الْأَرْكَانِ عَمْدًا بِتَقْدِيمِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى مَعَ كَوْنِ النِّيَّةِ السَّابِقَةِ مُنْسَحِبَةً عَلَيْهَا تَنَافٍ لِأَنَّ نِيَّةَ الْخُرُوجِ تَقْتَضِي عَدَمَ انْسِحَابِ النِّيَّةِ السَّابِقَةِ عَلَى التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى مَعَ أَنَّهَا مُنْسَحِبَةٌ عَلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، فَانْدَفَعَ تَوَقُّفُ ق ل بِقَوْلِهِ: اُنْظُرْ مَعْنَى هَذِهِ الْعِلَّةَ قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ تُسَنُّ إلَخْ) يَرُدُّ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ. نَعَمْ تَجِبُ قَطْعًا فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ إذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ مَا نَوَاهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر
قَوْلُهُ: (فَالتَّرْتِيبُ عِنْدَ مَنْ أَطْلَقَهُ مُرَادٌ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ) قَالَ م ر بَعْدَ مَا ذَكَرَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْجُلُوسِ وَالتَّشَهُّدِ تَرْتِيبٌ، لَكِنْ بِاعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا بِاعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْقِيَامِ عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَالْجُلُوسِ عَلَى التَّشَهُّدِ، وَاسْتِحْضَارِ النِّيَّةِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ اج قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ) أَيْ مِمَّا عَدَا ذَلِكَ قَوْلُهُ: (بِاعْتِبَارَيْنِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ حَالِهَا فِي التَّشَهُّدِ وَحَالِهَا مَعَ الْقُعُودِ ق ل. فَهِيَ مُرَتَّبَةٌ أَيْ بِاعْتِبَارِ وُقُوعِهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَغَيْرُ مُرَتَّبَةٍ بِاعْتِبَارِ مُقَارَنَتِهَا لِجُلُوسِهَا قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى الْفُرُوضِ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِلْخِلَافِ الْوَاقِعِ فِي التَّرْتِيبِ مِنْ أَنَّهُ رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ، فَعَلَى الرُّكْنِيَّةِ لَا إشْكَالَ، وَعَلَى الْفَرْضِيَّةِ فَالْمُرَادُ بِهَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَشْمَلُ الشَّرْطَ اهـ إطْفِيحِيٌّ قَوْلُهُ: (صَحِيحٌ) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَالتَّرْتِيبُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ وَإِلَّا فَمُطْلَقُ الصِّحَّةِ ثَابِتٌ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا أَيْ الْأَرْكَانِ بِمَعْنَى الْأَجْزَاءِ ع ش.
إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ بَلْ فِيهِ تَغْلِيبٌ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْحَقِيقِيَّ إنَّمَا هُوَ الْقَوْلُ أَوْ الْفِعْلُ الظَّاهِرُ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِعْلًا أَيْ جُعِلَ هَذَا بَعْدَ هَذَا لَكِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَفِيهِ أَنَّ النِّيَّةَ كَذَلِكَ أَيْ فِعْلٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ مَحَلَّهَا الْقَلْبُ وَالنُّطْقُ سُنَّةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجُزْءَ الْحَقِيقِيَّ الْفِعْلُ الظَّاهِرُ بَلْ الْأَعَمُّ، فَيَشْمَلُ الْقَلْبِيَّ كَالنِّيَّةِ حَلَبِيٌّ. قَالَ سم: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ إنَّ صُورَةَ الْمُرَكَّبِ وَهِيَ الْهَيْئَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْأَرْكَانِ جُزْءٌ مِنْهُ، فَمَا الْمَانِعُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّرْتِيبِ التَّرْتِيبُ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ إشَارَةً إلَى صُورَةِ الصَّلَاةِ وَأَنَّهَا جُزْءٌ لَهَا حَقِيقَةً فَلَا تَغْلِيبَ اهـ. وَقَالَ ق ل: لَا يَخْفَى أَنَّ التَّرْتِيبَ هُوَ جَعْلُ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَرْتَبَتِهِ، وَهُوَ مِنْ الْأَفْعَالِ قَطْعًا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّغْلِيبِ، وَجَعْلُهُ بِمَعْنَى التَّرْتِيبِ الَّذِي هُوَ وُقُوعُ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَرْتَبَتِهِ الْمُحْوِجِ إلَى مَا ذَكَرَهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَنَاقَشَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ صَحِيحٌ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ إنَّمَا يُقَابِلُهُ الْفَاسِدُ، وَالشَّارِحُ جَعَلَ مُقَابِلَهُ التَّغْلِيبَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّغْلِيبَ صَحِيحٌ أَيْضًا لَا فَاسِدٌ فَلَا تَحْسُنُ هَذِهِ الْمُقَابَلَةُ بَلْ الَّذِي يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ عَدُّ التَّرْتِيبَ مِنْ الْأَرْكَانِ بِمَعْنَى الْفُرُوضِ حَقِيقَةً وَبِمَعْنَى الْأَجْزَاءِ فِيهِ تَغْلِيبٌ قَوْلُهُ: (فِيهِ تَغْلِيبٌ) أَيْ غَلَّبَ مَا هُوَ جُزْءٌ عَلَى مَا لَيْسَ بِجُزْءٍ، وَأَطْلَقَ عَلَى الْكُلِّ أَجْزَاءً تَغْلِيبًا انْتَهَى ز ي.
قَوْلُهُ: (وَصَوَّرَهُ الرَّافِعِيُّ) أَيْ فَسَّرَهُ قَوْلُهُ: (وَالْوَلَاءِ شَرْطًا) وَجْهُهُ أَنَّ الْأَرْكَانَ وُجُودِيَّةٌ وَمَفْهُومَ الْوَلَاءِ عَدَمِيٌّ قَوْلُهُ: (عَلَى الْفَرَائِضِ) أَيْ مَعَ الْفَرَائِضِ بِأَنْ يُؤَخِّرَ السُّورَةَ عَنْ الْفَاتِحَةِ قَوْلُهُ: (شَرْطٌ فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا سُنَّةً) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ مُؤَخَّرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute