للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَشَرْعًا قَوْلٌ مَخْصُوصٌ يُعْلَمُ بِهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: ٥٨] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ»

وَالثَّانِي الْإِقَامَةُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ أَقَامَ وَسُمِّيَ الذِّكْرُ الْمَخْصُوصُ بِهِ لِأَنَّهُ يُقِيمُ إلَى الصَّلَاةِ وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الثَّانِيَةُ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ، الثَّالِثَةُ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، الرَّابِعَةُ التَّسْمِيَةُ عَلَى الْأَكْلِ، الْخَامِسَةُ مَا يُطْلَبُ لِلْمَيِّتِ إذَا دُعِيَ إلَيْهِ لِلْمَشْيِ، السَّادِسَةُ الْأُضْحِيَّةُ عَلَى الْكِفَايَةِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَيْتِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَؤُمُّ وَلَمْ يُؤَذِّنْ. قِيلَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَشْغُولًا بِمَا هُوَ أَهَمُّ، وَأَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ لَوَجَبَ الْحُضُورُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ حَتَّى الَّذِي يَخْبِزُ فِي التَّنُّورِ وَإِنْ أَدَّى الْحُضُورُ إلَى تَلَفِ الْخُبْزِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ أَفْضَلَ مِنْ الْإِمَامَةِ لِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ أَمِينٌ وَالْإِمَامَ ضَمِينٌ لِأَنَّهُ يَتَحَمَّلُ الْخَلَلَ الَّذِي يَقَعُ فِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِ، وَيَتَحَمَّلُ الْفَاتِحَةَ عَنْ الْمَسْبُوقِ، وَالْأَمِينُ أَشْرَفُ مِنْ الضَّمِينِ وَلِذَا قَالَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْلَا الْخَلِيفِيُّ مَا تَرَكْت الْأَذَانَ. وَالْخَلِيفِيُّ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ بِمَعْنَى الْخِلَافَةِ.

وَالسَّبَبُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيَضْرِبَ بِهِ النَّاسُ لِجَمْعِ الصَّلَوَاتِ فَطَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْت: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْت: نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّك عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَك مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْت: بَلَى. قَالَ: تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الْأَذَانِ ثُمَّ تَأَخَّرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: وَتَقُولُ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الْإِقَامَةِ. فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْته بِمَا رَأَيْتُهُ فَقَالَ: إنَّهَا رُؤْيَا حَقٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، قُمْ إلَى بِلَالٍ فَأَعِدْ عَلَيْهِ مَا رَأَيْت فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك» أَيْ أَرْفَعُ وَأَعْلَى، وَقِيلَ أَحْسَنُ وَأَعْذَبُ، وَقِيلَ أَبْعَدُ. «فَقُمْت مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْت أُلَقِّنُهُ إلَيْهِ يُؤَذِّنُ بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الصُّبْحِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» فَإِنْ قِيلَ رُؤْيَةُ الْمَنَامِ لَا يَثْبُتُ بِهَا حُكْمٌ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَنِدًا لِأَذَانِ الرُّؤْيَا فَقَطْ بَلْ وَافَقَهَا نُزُولُ الْوَحْيِ فَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرِيَ الْأَذَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَسَمِعَهُ مُشَاهَدَةً فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، ثُمَّ قَدَّمَهُ جِبْرِيلُ قَامَ أَهْلُ السَّمَاءِ وَفِيهِمْ آدَم وَنُوحٌ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَكَمُلَ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» . وَكَانَ رُؤْيَا الْأَذَانِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ أَذَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ مَرَّةً فِي سَفَرِهِ قَالَ: فِي أَذَانِهِ «أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ» وَقِيلَ قَالَ: «أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» ، قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي مُخْتَصَرِ أَذْكَارِ النَّوَوِيِّ: إنَّ مَنْ تَكَلَّمَ حَالَ الْأَذَانِ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُقْتَضِيَةَ لِسُوءِ الْخَاتِمَةِ أَرْبَعَةٌ: التَّهَاوُنُ بِالصَّلَاةِ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَأَذَى الْمُسْلِمِينَ.

قَوْلُهُ: (يُعْلَمُ بِهِ إلَخْ) هَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ الْقَائِلِ إنَّ الْأَذَانَ حَقٌّ لِلْوَقْتِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْفَرِيضَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُؤَذَّنُ لِلْفَائِتَةِ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ: قَوْلٌ مَخْصُوصٌ مَطْلُوبٌ لِفَرِيضَةِ الصَّلَاةِ اهـ اج. فَإِنْ قُلْت: مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْفَرْضِ يُنْتَقَضُ بِمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ تَوَالَى فَوَائِتُ أَوْ مَجْمُوعَتَانِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لِغَيْرِ الْأُولَى. قُلْت: لَا يُنَاقِضُهُ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَهُ لِأَنَّ وُقُوعَ الثَّانِيَةِ تَابِعَةٌ حَقِيقَةً فِي الْجَمْعِ أَوْ صُورَةً فِي غَيْرِهِ صَيَّرَهَا كَجُزْءٍ مِنْ الْأُولَى، فَاكْتَفَى بِالْأَذَانِ لَهَا. اهـ. سُلْطَانٌ.

قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي الْإِقَامَةُ) حَتَّى لِلْمَرْأَةِ لَهَا وَلِلنِّسَاءِ وَحَتَّى لِلْخُنْثَى لِنَفْسِهِ وَلِلنِّسَاءِ فِيمَا يَظْهَرُ، لِأَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَكِلَاهُمَا تَصِحُّ إقَامَتُهُ لِلنِّسْوَةِ، وَلَا تَصِحُّ إقَامَةُ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ وَلِلْخَنَاثَى، وَلَا إقَامَةُ الْخُنْثَى لَهُمَا اهـ سم قَوْلُهُ: (مَصْدَرُ أَقَامَ) أَيْ حَصَلَ الْقِيَامُ م د قَوْلُهُ: (بِهِ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِهَا قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يُقِيمُ إلَى الصَّلَاةِ) أَيْ يَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>