(وَ) التَّاسِعَةُ (قَوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) أَيْ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ حَمْدَهُ، وَلَوْ قَالَ: مَنْ حَمِدَ اللَّهَ سَمِعَ لَهُ كَفَى (وَ) قَوْلُ (رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ) أَوْ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَبِوَاوٍ فِيهِمَا قَبْلَ مِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَيْ بَعْدَهُمَا كَالْكُرْسِيِّ {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: ٢٥٥] وَأَنْ يَزِيدَ مُنْفَرِدٌ وَإِمَامُ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ: أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ: لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِي لِمَا مَنَعْت وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ أَيْ الْغِنَى، مِنْك
ــ
[حاشية البجيرمي]
يُجَاوِزُ سَبْعَ أَلِفَاتٍ حَجّ. وَقَوْلُهُ: وَالْقِيَامُ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ قَوْلُهُ: (وَالْقِيَامِ) أَيْ لِلْقِرَاءَةِ وَالْمُرَادُ الْقِيَامُ مِنْ التَّشَهُّدِ أَوْ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ فَإِنَّهُ يَمُدُّهُ فِيهَا إلَى الْقِيَامِ إنْ لَمْ يُصَلِّ التَّسَابِيحَ وَإِلَّا فَإِلَى انْتِهَاءِ الْجُلُوسِ ثُمَّ يُسَبِّحُ وَإِذَا قَامَ سَاكِتًا وَفِي حَاشِيَةِ أج مَا نَصُّهُ. قَالَ الشِّهَابُ حَجّ: وَيَمُدُّهُ إلَى السُّجُودِ أَوْ الْقِيَامِ أَيْ أَوْ الرُّكُوعِ فَيَمُدُّهُ إلَى اسْتِقْرَارِ أَعْضَائِهِ، وَذَلِكَ لِئَلَّا يَخْلُوَ جُزْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ عَنْ ذِكْرٍ حَتَّى فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فَيَمُدُّهُ عَلَى الْأَلِفِ الَّتِي بَيْنَ الْأَلِفِ وَالْهَاءِ لَكِنْ بِحَيْثُ لَا يُجَاوِزُ سَبْعَ أَلِفَاتٍ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) أَيْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَكَذَا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ عِنْدَ انْتِصَابِهِ. وَالسَّبَبُ فِي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ «أَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ، فَجَاءَ يَوْمًا وَقْتَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَظَنَّ أَنَّهَا فَاتَتْهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاغْتَمَّ بِذَلِكَ وَهَرْوَلَ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَوَجَدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُكَبِّرًا فِي الرُّكُوعِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَبَّرَ خَلْفَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرُّكُوعِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُلْ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ «اجْعَلُوهَا فِي صَلَاتِكُمْ» . فَقَالَهَا عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَرْكَعُ بِالتَّكْبِيرِ وَيَرْفَعُ بِهِ فَصَارَتْ سُنَّةً مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِبَرَكَةِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلُهُ: (أَيْ تَقَبَّلْ اللَّهُ مِنْهُ حَمْدَهُ) فَالْمُرَادُ سَمِعَهُ سَمَاعَ قَبُولٍ لَا سَمَاعَ رَدٍّ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ كَأَنَّهُ قِيلَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ حَمْدَنَا فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ سَمَاعَ اللَّهِ مَقْطُوعٌ بِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف قَوْلُهُ: (كَفَى) أَيْ فِي أَصْلِ السُّنَّةِ، وَيَكْفِي أَيْضًا مِنْ حَمِدَ اللَّهُ سَمِعَهُ قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ) أَيْ بَعْدَ الِانْتِصَابِ وَهِيَ أَفْضَلُ الصِّيَغِ س ل قَوْلُهُ: (وَبِوَاوٍ فِيهِمَا) فَالصِّيَغُ أَرْبَعٌ وَيُزَادُ ثِنْتَانِ لَك الْحَمْدُ رَبَّنَا وَالْحَمْدُ لِرَبِّنَا، وَأَفْضَلُهَا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
وَعَلَى ثُبُوتِ الْوَاوِ فَهِيَ عَاطِفَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ أَطَعْنَاك وَلَك الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. ز ي. وَيُنْدَبُ أَنْ يَزِيدَ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ تَسَابَقَ إلَيْهَا ثَلَاثُونَ مَلَكًا يَكْتُبُونَ ثَوَابَهَا لِقَائِلِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. فَائِدَةٌ: أَفْضَلُ الذِّكْرِ الْمُطْلَقِ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، وَحُمِلَ حَدِيثُ «أَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» عَلَى الدُّخُولِ بِهَا فِي الْإِسْلَامِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مِلْءُ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِلْحَمْدِ، وَبِالنَّصْبِ حَالٌ أَيْ مَالِئًا بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ جِسْمًا. وَأَحَقُّ مُبْتَدَأٌ، وَلَا مَانِعَ إلَخْ خَبَرُهُ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ شَرْحُ الْمَنْهَجِ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ أَحَقُّ قَوْلِ الْعَبْدِ أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ أَيْ أَحَقُّ قَوْلٍ قَالَهُ الْعَبْدُ أَوْ مَوْصُولَةٌ، وَعَائِدُهَا مَحْذُوفٌ أَيْ أَحَقُّ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ الْعَبْدُ إلَخْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا هُنَا فَقَطْ فَلَا يَرُدُّ أَحَقِّيَّةَ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ وَنَحْوِهَا، أَوْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْأَحَقِّيَّةِ الْأَفْضَلِيَّةُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَمْدَ أَفْضَلُ اهـ رَحْمَانِيٌّ قَوْلُهُ (وَمِلْءُ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ) وَيَقُولُ الْقُنُوتُ بَعْدَ هَذَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَلِمَنْ قَالَ إنَّهُ يَأْتِي بِذَلِكَ الذِّكْرِ كُلِّهِ اهـ س ل بِالْمَعْنَى قَوْلُهُ (بَعْدُ) أَيْ غَيْرَهُمَا، وَبَعْدُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لِقَطْعِهِ عَنْ الْإِضَافَةِ وَنِيَّةِ مَعْنَى الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ صِفَةٌ لِشَيْءٍ، وَيَكُونُ الْقُنُوتُ بَعْدَ هَذَا مُطْلَقًا أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنْك الْجَدُّ إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامَ مَحْصُورِينَ قَوْلُهُ {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: ٢٥٥] بَيَانٌ لِعِظَمِ الْكُرْسِيِّ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا أَيْ السَّمَوَاتِ بِالنِّسْبَةِ لِلْكُرْسِيِّ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ، وَكَذَا كُلُّ سَمَاءٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُخْرَى ق ل قَوْلُهُ: (وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ) قَالَ السُّبْكِيُّ: لَمْ يَقُلْ عَبِيدٌ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ أَجْمَعُونَ بِمَنْزِلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute