أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ كَمَا فِي السُّجُودِ، وَفِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَفِي الْأَخِيرِ (يَبْسُطُ) يَدَهُ (الْيُسْرَى) مَعَ ضَمِّ أَصَابِعِهَا فِي تَشَهُّدِهِ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ بِأَنْ لَا يَفْرِجَ بَيْنَهَا لِتَتَوَجَّهَ كُلُّهَا إلَى الْقِبْلَةِ (وَيَقْبِضُ) أَصَابِعَ يَدِهِ (الْيُمْنَى) كُلَّهَا (إلَّا الْمُسَبِّحَةِ) وَهِيَ بِكَسْرِ الْبَاءِ الَّتِي بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى (فَإِنَّهُ) يُرْسِلُهَا وَ (يُشِيرُ بِهَا) أَيْ يَرْفَعُهَا مَعَ إمَالَتِهَا قَلِيلًا حَالَ كَوْنِهِ (مُتَشَهِّدًا) عِنْدَ قَوْلِهِ: إلَّا اللَّهُ لِلِاتِّبَاعِ. وَيُدِيمُ رَفْعَهَا وَيَقْصِدُ مِنْ ابْتِدَائِهِ بِهَمْزَةِ إلَّا اللَّهُ أَنَّ الْمَعْبُودَ وَاحِدٌ، فَيَجْمَعُ فِي تَوْحِيدِهِ بَيْنَ اعْتِقَادِهِ وَقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ. وَلَا يُحَرِّكُهَا لِلِاتِّبَاعِ فَلَوْ حَرَّكَهَا كُرِهَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَالْأَفْضَلُ قَبْضُ الْإِبْهَامِ بِجَنْبِهَا بِأَنْ يَضَعَهَا تَحْتَهَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَبْسُوطَتَانِ، وَفِي الْأَخِيرَيْنِ بَيَّنَهُمَا الْمَتْنُ بِقَوْلِهِ: يَبْسُطُ الْيُسْرَى وَيَقْبِضُ الْيُمْنَى وَلَا يَضُرُّ إدَامَةُ وَضْعِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ إلَى السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ اتِّفَاقًا خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. أَيْ فَقَالَ إنَّ إدَامَتَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ اهـ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي الرُّكُوعِ مِنْ أَنَّهُ يُفَرِّقُ فَتَنْزِلُ الرَّحْمَةُ عَلَى بَدَنِهِ، فَلِمَ لَمْ يَطْلُبْ التَّفْرِيقَ هُنَا قِيَاسًا عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ قِيلَ بِهِ هُنَا: فَلْيُحَرَّرْ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ نَاشِرًا أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً، وَقَوْلَهُ مَعَ أَصَابِعِهَا أَيْ مَعَ تَفْرِيقٍ يَسِيرٍ بِحَيْثُ تَكُونُ مُتَوَجِّهَةً لِلْقِبْلَةِ، وَلَا يَضُرُّ انْعِطَافُ رُءُوسِهَا عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ سم فِي شَرْحِهِ.
قَوْلُهُ: (فِي تَشَهُّدِهِ) شَمِلَ الْأَوَّلَ وَالْآخِرَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْقَبْضُ يَكُونُ بَعْدَ وَضْعِ الْيَدِ مَنْشُورَةً لَا مَعَهُ وَلَا قَبْلَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ سُلْطَانٌ وَقِيلَ مَعَ الْوَضْعِ. اهـ. ق ل. وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الْمَنْهَجِ وَيَضَعُ يُمْنَاهُ قَابِضًا أَصَابِعَهَا وَالْأَصْلُ فِي الْحَالِ الْمُقَارَنَةُ.
قَوْلُهُ: (إلَّا الْمُسَبِّحَةَ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا إلَى التَّوْحِيدِ، وَتُسَمَّى السَّبَّابَةُ لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا عِنْدَ السَّبِّ ق ل. وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْمُسَبِّحَةُ فَالْعِبْرَةُ بِالْأَصْلِيَّةِ فَلَوْ كَانَتَا أَصْلِيَّتَيْنِ فَالْعِبْرَةُ بِمَا جَاوَرَ الْإِبْهَامَ، فَلَوْ قُطِعَتْ هَلْ تَقُومُ الْأُخْرَى مَقَامَهَا أَوْ لَا؟ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهَا وَلَا يُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ الْيُسْرَى وَإِنْ فُقِدَتْ الْيُمْنَى، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ التَّشَهُّدِ وَقَعَدَ بِقَدْرِهِ سُنَّ فِي حَقِّهِ أَنْ يَرْفَعَ مُسَبِّحَتَهُ كَمَا أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقُنُوتِ سُنَّ فِي حَقِّهِ أَنْ يَقِفَ بِقَدْرِهِ وَأَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ ز ي: وَفِي م ر: وَلَوْ قُطِعَتْ يُمْنَاهُ أَوْ سَبَّابَتُهَا كُرِهَتْ إشَارَتُهُ بِيُسْرَاهُ لِفَوَاتِ سُنَّةِ بَسْطِهَا لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةٍ فِي مَحَلِّهَا لِأَجْلِ سُنَّةٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا كَمَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ يَأْتِي بِهِ فِي الْأَخِيرَةِ اهـ. فَائِدَةٌ: كَانَتْ سَبَّابَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْوَلَ مِنْ الْوُسْطَى نَقَلَهُ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَيُدِيمُ رَفْعَهَا) أَيْ إلَى الْقِيَامِ أَوْ السَّلَامِ. فَإِنْ قُلْت: الْمَعْنَى الَّذِي رُفِعَتْ لِأَجْلِهِ قَدْ انْقَضَى فَكَيْفَ بَقِيَ رَفْعُهَا؟ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ انْقِضَاءَهُ لِأَنَّ الْأَوَاخِرَ وَالْغَايَاتِ هِيَ الَّتِي عَلَيْهَا الْمَدَارُ، فَمِنْ ثَمَّ طُلِبَ مِنْهُ إدَامَةُ اسْتِحْضَارِ ذَلِكَ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ فِيهِ حَتَّى يُقَارِنَ آخِرَ صَلَاتِهِ لِتَكُونَ خَاتِمَتُهَا عَلَى أَتَمِّ الْأَحْوَالِ وَأَكْمَلِهَا. وَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ الْمُسَبِّحَةِ بِذَلِكَ أَنَّ لَهَا اتِّصَالًا بِنِيَاطِ الْقَلْبِ أَيْ عِرْقِهِ، فَكَأَنَّهَا سَبَبٌ لِحُضُورِهِ، وَأَمَّا الْوُسْطَى فَقِيلَ إنَّ لَهَا اتِّصَالًا بِنِيَاطِ الذَّكَرِ فَلِذَا تَأْبَى النُّفُوسُ الزَّكِيَّةُ الْإِشَارَةَ بِهَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُحَرِّكُهَا) فَإِنْ قُلْت: قَدْ وَرَدَ التَّحْرِيكُ أَيْضًا فِي أَحَادِيثَ فَلِمَ قَدَّمَ النَّافِيَ؟ قُلْت: إنَّمَا قَدَّمَ النَّافِيَ هُنَا عَلَى الْمُثْبَتِ عَكْسَ الْقَاعِدَةِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الصَّلَاةِ عَدَمُ الْحَرَكَةِ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ إذَا حَرَّكَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَيُكْرَهُ التَّحْرِيكُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ، وَعِبَارَةُ سم: وَلَا يُحَرِّكُهَا عِنْدَ رَفْعِهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، بَلْ يُكْرَهُ تَحْرِيكُهَا وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ يُحَرَّمُ وَتَبْطُلُ بِهِ، وَقِيلَ: يُسَنُّ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَقَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِتَحْرِيكِهَا فِي خَبَرِهِ رَفْعَهَا لَا تَكْرِيرَ تَحْرِيكِهَا اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، وَأَنَّ عَدَمَ التَّحْرِيكِ أَنْسَبُ بِالصَّلَاةِ الْمَطْلُوبِ فِيهَا سُكُونُ الْأَعْضَاءِ وَالْخُشُوعُ الَّذِي قَدْ يُذْهِبُهُ أَوْ يُضْعِفُهُ التَّحْرِيكُ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ رَفْعِ مُسَبِّحَةِ الْيُمْنَى خَاصًّا بِهَذَا الْمَحَلِّ تَعَبُّدِيٌّ فَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ، فَمَا يَفْعَلُ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْجِنَازَةِ لَا أَصْلَ لَهُ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا عَنْ فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ حَرَّكَهَا) وَلَوْ ثَلَاثًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عُضْوًا وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ خَفِيفٌ وَالْكَلَامُ مَا لَمْ يُحَرِّكْ الْكَفَّ وَإِلَّا بَطَلَتْ بِثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ مُتَوَالِيَةٍ عَامِدًا عَالِمًا كَتَحْرِيكِ الزَّنْدِ الْمَقْطُوعِ الْكَفِّ سم رَحْمَانِيٌّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي تَحْرِيكِهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ قَوْلٌ: بِالْكَرَاهَةِ، وَقَوْلَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا بِالْحُرْمَةِ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَالْآخَرُ بِالنَّدْبِ