سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ". وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ فِي السُّجُودِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» أَيْ فِي سُجُودِكُمْ. وَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ الْعَظِيمِ بِالرُّكُوعِ وَالْأَعْلَى بِالسُّجُودِ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ: أَنَّ الْأَعْلَى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ، وَالسُّجُودُ فِي غَايَةِ التَّوَاضُعِ لِمَا فِيهِ مِنْ وَضْعِ الْجَبْهَةِ الَّتِي هِيَ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ عَلَى مَوَاطِئِ الْأَقْدَامِ، وَلِهَذَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الرُّكُوعِ فَجَعَلَ الْأَبْلَغَ مَعَ الْأَبْلَغِ انْتَهَى.
(وَ) الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ (وَضْعُ) رُءُوسِ أَصَابِعِ (الْيَدَيْنِ عَلَى) طَرَفِ (الْفَخِذَيْنِ فِي الْجُلُوسِ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، نَاشِرًا
ــ
[حاشية البجيرمي]
طَالِقٌ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً زِنْجِيَّةً إذْ لَا شَيْءَ أَحْسَنُ مِنْ الْإِنْسَانِ.
قَوْلُهُ: (وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ) أَيْ مَنْفَذَهُمَا إذْ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ مِنْ الْمَعَانِي لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا شَقٌّ، وَهُمَا صِفَتَانِ حَادِثَتَانِ يَتَعَلَّقَانِ بِالْمَوْجُودِ، فَالْأَوَّلُ خَاصٌّ بِالْمَسْمُوعِ وَالثَّانِي بِالْمُبْصِرِ. وَأَمَّا فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَهُمَا صِفَتَانِ أَزَلِيَّتَانِ يَتَعَلَّقَانِ أَيْ يُحِيطَانِ بِكُلِّ مَوْجُودٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ تَبَارَكَ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ ثُمَّ يَقُولُ تَبَارَكَ اللَّهُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (تَبَارَكَ اللَّهُ) أَيْ تَعَالَى اللَّهُ، وَالتَّبَرُّكُ الْعُلُوُّ وَالنَّمَاءُ تَبَارَكَ تَفَاعَلَ مِنْ الْبَرَكَةِ وَهِيَ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَزِيَادَتُهُ، وَمَعْنَى تَبَارَكَ اللَّهُ تَزَايَدَ خَيْرُهُ وَتَكَاثَرَ، أَيْ تَزَايَدَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَتَعَالَى فِي صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ. وَهِيَ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْعَظَمَةِ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا لِلَّهِ وَحْدَهُ، فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُكَفَّرُ بِهِ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ إلَّا الْمَاضِي فَلَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ الْمُضَارِعُ وَلَا الْأَمْرُ اهـ خ ض.
قَوْلُهُ: (أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) أَيْ الْمُصَوِّرِينَ وَإِلَّا فَالْخَلْقُ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ، فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ لِأَنَّ الْمُصَوِّرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ حُسْنٌ مِنْ حَيْثُ تَصْوِيرُهُمْ لِأَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَيْهِ أَفَادَهُ شَيْخُنَا. وَيُسْتَحَبُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَا ذَكَرَ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، وَقَوْلُهُ سُبُّوحٌ أَيْ كَثِيرُ التَّنْزِيهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَمَعْنَى قُدُّوسٌ أَيْ الْبَالِغُ فِي الطَّهَارَةِ، وَالْمُرَادُ بِالرُّوحِ جِبْرِيلُ، وَقِيلَ مَلَكٌ لَهُ أَلْفُ رَأْسٍ، فِي كُلِّ رَأْسٍ مِائَةُ أَلْفِ وَجْهٍ، فِي كُلِّ وَجْهٍ مِائَةُ أَلْفِ فَمٍ، فِي كُلِّ فَمٍ مِائَةُ أَلْفِ لِسَانٍ يُسَبِّحُ اللَّهُ تَعَالَى بِلُغَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَقِيلَ خَلْقٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ وَلَا تَرَاهُمْ فَهُمْ لِلْمَلَائِكَةِ كَالْمَلَائِكَةِ لِبَنِي آدَمَ. اهـ. دَمِيرِيٌّ أج
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ فِي السُّجُودِ) أَيْ يَتَأَكَّدُ سَنَّهُ فِيهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُسَنُّ أَيْضًا فِي الرُّكُوعِ اج مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (أَقْرَبُ) مُبْتَدَأٌ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ أَقْرَبُ كَوْنِ الْعَبْدِ أَيْ أَكْوَانِهِ وَأَحْوَالِهِ حَاصِلٌ إذَا كَانَ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَقَوْلُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ الْعَظِيمِ بِالرُّكُوعِ وَالْأَعْلَى بِالسُّجُودِ إلَخْ) هَذَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ فَقَدْ وَرَدَ عَنْ يُحْبِيَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: ٩٦] قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ وَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: ١] قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» . قَوْلُهُ: (فَجَعَلَ الْأَبْلَغَ) أَيْ وَهُوَ الْأَعْلَى مَعَ الْأَبْلَغِ وَهُوَ السُّجُودُ، وَمِنْ الْحِكْمَةِ لِلتَّخْصِيصِ أَنَّهُ لَمَّا وَرَدَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ قُرْبَ مَسَافَةٍ، فَسُنَّ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى أَيْ عَنْ قُرْبِ الْمَسَافَةِ
قَوْلُهُ: (رُءُوسِ أَصَابِعِ إلَخْ) لَا حَاجَةَ لِإِخْرَاجِ الْمَتْنِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَإِنَّ الْمَتْنَ يُفِيدُ وَضْعَ الْيَدَيْنِ نَفْسِهِمَا، وَالشَّارِحُ حَمَلَهُ عَلَى وَضْعِ أَطْرَافِهِمَا عَلَى أَعْلَى أَطْرَافِ الْفَخِذَيْنِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ بَاقِيَهُمَا عَلَى الْفَخِذَيْنِ لَكِنْ لَوْ أَبْقَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَيَّدَهُ بِحَيْثُ تُحَاذِي رُءُوسُ الْأَصَابِعِ طَرَفَ الْفَخِذِ لَكَانَ أَوْلَى، وَمُرَادُهُ بِالْيَدَيْنِ الْكَفَّانِ وَقَوْلُهُ: عَلَى الْفَخِذَيْنِ أَيْ الْيُمْنَى عَلَى الْأَيْمَنِ وَالْيُسْرَى عَلَى الْأَيْسَرِ. وَقَوْلُهُ: بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَكَذَا جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ سم. وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ رُءُوسِ إلَخْ صَوَابُهُ إسْقَاطُ لَفْظِ رُءُوسِ وَطَرَفِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْفَخِذَيْنِ بِحَيْثُ يُسَامِتُ رُءُوسُهُمَا أَطْرَافَ الرُّكْبَتَيْنِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) وَمِثْلُهُ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ وَالْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدَيْنِ، لَكِنَّ كَيْفِيَّةَ الْوَضْعِ مُخْتَلِفَةٌ فَفِي الْأَوَّلَيْنِ الْيَدَانِ