للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَهُ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -:

مَا حَكَّ جِسْمَك مِثْلُ ظُفْرِك ... فَتَوَلَّ أَنْتَ جَمِيعَ أَمْرِك

وَإِذَا قَصَدْت لِحَاجَةٍ فَاقْصِدْ لِمُعْتَرِفٍ بِقَدْرِك

وَقَدْ أَفْرَدَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَنَسَبِهِ وَأَشْعَارِهِ كُتُبًا مَشْهُورَةً، وَفِيمَا ذَكَرْته تَذْكِرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَلَوْلَا خَوْفُ الْمَلَلِ لَشَحَنْت كِتَابِي هَذَا مِنْهَا بِأَبْوَابٍ وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ،

وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمُخْتَصَرُ (فِي غَايَةِ الِاخْتِصَارِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَطْوَلَ مِنْهُ وَغَايَةُ الشَّيْءِ مَعْنَاهَا تَرَتُّبُ الْأَثَرِ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ كَمَا تَقُولُ: غَايَةُ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ حِلُّ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ، وَغَايَةُ الصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ إجْزَاؤُهَا. (وَ) فِي (نِهَايَةِ الْإِيجَازِ) بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ أَيْ الْقَصْرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَغَايُرُ لَفْظَيْ الِاخْتِصَارِ وَالْإِيجَازِ وَالْغَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَالِاخْتِصَارُ حَذْفُ عَرْضِ الْكَلَامِ وَالْإِيجَازُ حَذْفُ طُولِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي إشَارَاتِهِ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَايَةِ وَالنِّهَايَةِ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (مَا حَكَّ جِسْمَك) مِنْ مَجْزُوءِ الْكَامِلِ الْمُرَفَّلِ الْمُصَرَّعِ، لِأَنَّ التَّرْفِيلَ خَاصٌّ بِالضَّرْبِ فَدَخَلَ الْعَرُوضَ لِأَجْلِ التَّصْرِيعِ أَيْ لِتَلْتَحِقَ بِالضَّرْبِ.

قَوْلُهُ: (لِحَاجَةٍ) اللَّامُ زَائِدَةٌ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (لَشَحَنْت) أَيْ مَلَأْت، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ قَاطِبَةً عَلَى ثِقَتِهِ وَوَرَعِهِ وَزُهْدِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ الَّذِي اسْتَنْبَطَهُ.

تَنْبِيهٌ: كُلٌّ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الصَّوَابِ وَيَجِبُ تَقْلِيدُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَمَنْ قَلَّدَ وَاحِدًا مِنْهُمْ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ، وَعَلَى الْمُقَلِّدِ اعْتِقَادُ أَرْجَحِيَّةِ مَذْهَبِهِ أَوْ مُسَاوَاتُهُ، وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِمْ فِي إفْتَاءٍ أَوْ قَضَاءٍ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالضَّعِيفِ فِي الْمَذْهَبِ وَيَمْتَنِعُ التَّلْفِيقُ فِي مَسْأَلَةٍ كَأَنْ قَلَّدَ مَالِكًا فِي طَهَارَةِ الْكَلْبِ وَالشَّافِعِيَّ فِي مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةٍ بِتَمَامِهَا بِجَمِيعِ مُعْتَبَرَاتِهَا فَيَجُوزُ وَلَوْ بَعْدَ الْعَمَلِ كَأَنْ أَدَّى عِبَادَتَهُ صَحِيحَةً عِنْدَ بَعْضِ الْأَرْبَعَةِ دُونَ غَيْرِهِ فَلَهُ تَقْلِيدُهُ فِيهَا حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ قَضَاؤُهَا، وَيَجُوزُ الِانْتِقَالُ مِنْ مَذْهَبٍ لِغَيْرِهِ وَلَوْ بَعْدَ الْعَمَلِ اهـ دَيْرَبِيٌّ.

فَائِدَةٌ: اتَّفَقَ لِبَعْضِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ: يَا رَبِّ بِأَيِّ الْمَذَاهِبِ أَشْتَغِلُ؟ فَقَالَ لَهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ نَفِيسٌ.

قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ إلَخْ) هُوَ حَلٌّ مَعْنًى، وَإِلَّا فَقَوْلُهُ فِي غَايَةِ إلَخْ. صِفَةٌ لِمُخْتَصَرٍ فَلَوْ قَالَ كَابْنِ قَاسِمٍ كَائِنًا ذَلِكَ الْمُخْتَصَرُ إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى قَوْلُهُ: (فِي غَايَةِ الِاخْتِصَارِ) أَيْ فِي آخِرِ مَرَاتِبِهِ قَوْلُهُ: (أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَطْوَلَ مِنْهُ) حَيْثُ أُرِيدَ بِالْغَايَةِ آخِرُ مَرَاتِبِ الِاخْتِصَارِ أَيْ لَيْسَ فَوْقَهُ أَخْصَرُ مِنْهُ مُبَالَغَةً فَلَا حَاجَةَ لِهَذَا، بَلْ لَا يَصِحُّ كَمَا قَالَهُ ق ل، وَقَوْلُهُ فَوْقَهُ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ غَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (وَغَايَةُ الشَّيْءِ إلَخْ) هَذَا تَفْسِيرٌ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا، إذْ الْمُرَادُ هُنَا تَقْلِيلُ الْأَلْفَاظِ فَلْيُتَأَمَّلْ اج. فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ فِي غَايَةٍ هِيَ الِاخْتِصَارُ، وَقَدْ يُقَالُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْغَايَةِ قُرْبَ دَرْسِهِ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ وَسُهُولَةَ حِفْظِهِ عَلَى الْمُبْتَدِئِ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ يَتَرَتَّبُ عَلَى الِاخْتِصَارِ، أَوْ يُرَادُ بِهِ أَيْ الْأَثَرُ اتِّصَافُ الْكَلَامِ بِكَوْنِهِ فِي أَقَلِّ رُتَبِ الِاخْتِصَارِ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ ق ل. وَعِبَارَتُهُ قَوْلُهُ وَغَايَةُ الشَّيْءِ إلَخْ. هَذَا سَبْقُ قَلَمٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا تَقْلِيلُ اللَّفْظِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُ الْآتِي.

قَوْلُهُ: (تَرَتُّبُ الْأَثَرِ إلَخْ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ لِأَنَّ الْغَايَةَ نَفْسُ الْأَثَرِ لَا التَّرَتُّبُ قَوْلُهُ: (أَيْ الْقِصَرِ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ.

قَوْلُهُ: (تَغَايُرُ لَفْظَيْ إلَخْ) أَيْ مَعْنَى لَفْظَيْ الِاخْتِصَارِ إلَخْ. إذْ تَغَايُرُ اللَّفْظَيْنِ لَا شَكَّ فِيهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (حَذْفُ عَرْضِ الْكَلَامِ) مَثَّلَ بَعْضُهُمْ لِلْحَذْفِ مِنْ الْعَرْضِ بِقَوْلِهِ عِنْدِي ذَهَبٌ بَدَلَ عَسْجَدٍ وَخَمْرٌ بَدَلَ عَقَارٍ فَالْحَذْفُ مِنْ الْعَرْضِ أَنْ يُؤْتَى بِكَلِمَةٍ قَلِيلَةِ الْحُرُوفِ بَدَلَ كَثِيرَتِهَا. قَوْلُهُ: (حَذْفُ طُولِهِ) وَهُوَ الْإِطْنَابُ كَقَوْلِهِ: وَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>