للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِكَلَامِ الْبَشَرِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَبِغَيْرِهَا بِحَرْفَيْنِ فَأَكْثَرَ أَفْهَمَا كَقُمْ، وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَقَوْلِهِ لَا تَقُمْ أَوْ اُقْعُدْ أَوْ لَا كَعَنْ وَمِنْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» وَالْحَرْفَانِ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ، وَتَخْصِيصُهُ بِالْمُفْهِمِ فَقَطْ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ لِلنُّحَاةِ، أَوْ حَرْفٌ مُفْهِمٌ نَحْوَ قِ مِنْ الْوِقَايَةِ، وَعِ مِنْ الْوَعْيِ، وَكَذَا مَدَّةٌ بَعْدَ حَرْفٍ وَإِنْ لَمْ يُفْهِمْ نَحْوُ آو الْمَدُّ أَلِفًا أَوْ وَاوًا أَوْ يَاءً، فَالْمَمْدُودُ فِي الْحَقِيقَةِ حَرْفَانِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إجَابَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ مِمَّنْ نَادَاهُ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

كَمَنْ لَهُ لِسَانَانِ. وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ كَتَعْلِيقِ طَلَاقٍ وَغَيْرِهِ. وَتَنْجِيزٍ وَعِتْقٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا يُسَمَّى نُطْقًا إذَا سَمِعَهُ مُعْتَدِلُ السَّمْعِ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَصْلًا أَوْ سَمِعَهُ حَدِيدُ السَّمْعِ دُونَ مُعْتَدِلِهِ فَلَا ضَرَرَ. وَخَرَجَ بِالنُّطْقِ الصَّوْتُ الْغُلْفُ أَيْ الْخَالِي عَنْ الْحُرُوفِ كَأَنْ نَهَقَ نَهِيقَ الْحِمَارِ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ حَرْفٌ مُفْهِمٌ وَلَا حَرْفَانِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَخَرَجَتْ الْإِشَارَةُ وَلَوْ مِنْ الْأَخْرَسِ لِلتَّفْهِيمِ سم مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ: (بِحَرْفَيْنِ) وَلَوْ مِنْ حَدِيثٍ قُدْسِيٍّ، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ بِحَرْفَيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِنُطْقٍ وَلَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ عَلَّقَ بِهِ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِكَلَامٍ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الثَّانِيَ بَدَلٌ مِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) أَوَّلُ الْحَدِيثِ عَنْ «مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقُلْت لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ: إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ» إلَخْ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ قَوْلُهُ: (مِنْ كَلَامِ النَّاسِ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِهِمْ، فَلَا يُرِدْ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِحَرْفَيْنِ مِنْ الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ أَوْ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ لَكِنْ شَأْنُهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ كَلَامِهِمْ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعْجِزَةٍ لِلْبَشَرِ قَوْلُهُ: (أَوْ حَرْفُ) عَطْفٌ عَلَى حَرْفَيْنِ قَوْلُهُ: (مُفْهِمٌ) خَرَجَ الْحَرْفُ الْغَيْرُ الْمُفْهِمِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُفْهِمِ أَيْ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ قَوْلُهُ: (نَحْوَ ق) هُوَ فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى حَذْفِ الْيَاءِ حُذِفَتْ فَاؤُهُ وَلَامُهُ لِأَنَّهُ مِنْ وَقَى يَقِي فَ " قِ " عَيْنُ الْكَلِمَةِ وَحَذْفُ هَاءِ السَّكْتِ مِنْهُ خَطَأٌ صِنَاعَةً اهـ ق ل قَالَ ابْنُ مَالِكٌ:

وَقِفْ بِهَا السَّكْتِ عَلَى الْفِعْلِ الْمُعَلّ ... بِحَذْفِ آخِرٍ كَأَعْطِ مَنْ سَأَلْ

فَتَسْمِيَتُهُ حَرْفًا بِحَسَبِ الصُّورَةِ قَوْلُهُ: (مِنْ الْوِقَايَةِ) أَيْ بِأَنْ لَاحَظَ أَنَّهَا مِنْ الْوِقَايَةِ أَوْ أَطْلَقَ، وَيُوَجَّهُ الْإِطْلَاقُ بِأَنَّ الْقَافَ الْمُفْرَدَةَ وُضِعَتْ لِلطَّلَبِ، وَالْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ إذَا أُطْلِقَتْ حُمِلَتْ عَلَى مَعَانِيهَا وَلَا تُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ، وَالْقَافُ مِنْ الْقَلَقِ وَنَحْوِهِ جُزْءُ كَلِمَةٍ لَا مَعْنَى لَهَا. فَإِذَا نَوَاهَا عَمِلَ بِنِيَّتِهِ كَمَا قَالَهُ ع ش وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف، وَاعْتَمَدَ الشَّوْبَرِيُّ الضَّرَرَ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ قَوْلُهُ: (وَكَذَا مُدَّةٌ) لَوْ قُدِّمَ هَذَا عَلَى الْحَرْفِ لَكَانَ أَنْسَبَ ق ل لِأَنَّهُ مِنْ الْحَرْفَيْنِ قَوْلُهُ: (وَالْمَدُّ إلَخْ) هَذَا فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ أَيْ لِأَنَّ الْمَدَّ إلَخْ. فَائِدَةٌ: تَحْرِيمُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَيْسَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ صَحِيحُ الْأَخْبَارِ، فَتَحْرِيمُهَا فِيهَا عَارِضٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ «زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨] أَيْ سَاكِتِينَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ» لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ وَقَدْ شَمَّتَ عَاطِسًا فِي الصَّلَاةِ إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا الَّذِي يَصْلُحُ فِيهَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ اهـ مِنْ شَرْحِ الْحِصْنِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ النُّطْقِ بِحَرْفَيْنِ إجَابَةُ النَّبِيِّ أَيْ بِشَرْطِ الْمُوَافَقَةِ إنْ طَلَبَهُ بِالْقَوْلِ أَجَابَهُ بِالْقَوْلِ، وَإِنْ طَلَبَهُ بِالْفِعْلِ أَجَابَهُ بِالْفِعْلِ، فَإِنْ خَالَفَ بَطَلَتْ قَوْلُهُ: (فِي حَيَاتِهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ وَكَذَا النِّدَاءُ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى ظُهُورِ الطَّلَبِ بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ وَإِجَابَةِ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ كَعِيسَى وَمِثْلُهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَاجِبَةٌ لَكِنَّهَا مُبْطِلَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا يَأْتِي، فَلَوْ نَادَاهُ نَبِيُّنَا وَنَبِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>