تُنْبَشْ أَمَّا الْمَنْبُوشَةُ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا بِغَيْرِ حَائِلٍ، وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقَبْرِ فِي الصَّلَاةِ.
فَائِدَةٌ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ إلَّا الشِّيعَةَ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الصُّوفِ، وَفِيهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَإِنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ تَنْزِيهًا. وَقَالَتْ الشِّيعَةُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ. وَيُسَنُّ أَنْ يُصَلِّيَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
كَرَاهَةَ فِي عَطَنِهَا الطَّاهِرِ حَالَ غَيْبَتِهَا عَنْهُ، وَخَرَجَ بِعَطَنِ الْإِبِلِ مَرَابِضُ الْغَنَمِ أَيْ مَرَاقِدُهَا فَلَا تُكْرَهُ فِيهِ لِخَبَرِ «صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ» وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِبِلَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يَشْتَدَّ نِفَارُهَا وَلَا كَذَلِكَ الْغَنَمُ وَالْبَقَرُ كَالْغَنَمِ وَكَذَا الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ، وَالْكَلَامُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ نِفَارٌ بِالْفِعْلِ مُشَوِّشٌ وَإِلَّا فَالْحَاصِلُ الْكَرَاهَةُ اهـ.
وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا خَلَا مَحَلُّ الْحَيَوَانِ عَنْ النَّجَاسَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ مَحَلُّهَا نَجَسًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْإِبِلِ مُعَلَّلَةٌ بِعِلَّتَيْنِ وَهُمَا نِفَارُهَا وَغَلَبَةُ النَّجَاسَةِ وَفِي غَيْرِهَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (وَفِي الْمَقْبَرَةِ) بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَقْبَرَةِ الْقَدِيمَةِ وَالْجَدِيدَةِ بِأَنْ دُفِنَ بِهَا أَوَّلُ مَيِّتٍ بَلْ لَوْ دُفِنَ مَيِّتٌ بِمَسْجِدٍ كَانَ كَذَلِكَ لِخَبَرِ «لَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ» وَعِلَّتُهُ مُحَاذَاتُهُ لِلنَّجَاسَةِ سَوَاءٌ مَا تَحْتَهُ أَوْ أَمَامَهُ أَوْ بِجَانِبِهِ. وَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمُحَاذَاةِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَيْ الْمَقْبَرَةِ لِبُعْدِ الْمَوْتَى عَنْهُ عُرْفًا، وَيُسْتَثْنَى مَقَابِرُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ وَيُلْحَقُ بِهِمْ مَقَابِرُ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ، فَلَيْسَ يَحْصُلُ لِبَدَنِهِمْ صَدِيدٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ أَبَدًا فَالْعِلَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ مُنْتَفِيَةٌ عَنْ الْفَرِيقَيْنِ اهـ أج بِاخْتِصَارٍ. وَاعْتَرَضَ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي مَقْبَرَةِ الْأَنْبِيَاءِ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اتِّخَاذِهَا مَسْجِدًا وَقَدْ نَهَى عَنْهَا بِقَوْلِهِ «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» .
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ قَصْدُ اسْتِقْبَالِهَا لِتَبَرُّكٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَيْهَا اسْتِقْبَالُهَا وَلَا اتِّخَاذُهَا مَسْجِدًا كَمَا فِي شَرْحِ م ر بِزِيَادَةٍ. وَقَوْلُهُ: وَفِي الْمَقْبَرَةِ إلَخْ أَيْ وَفَرْضُ الْكَلَامِ إذَا لَمْ يُصَلِّ فَوْقَ الْقَبْرِ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى فَوْقَ الْقَبْرِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِأَمْرَيْنِ مُحَاذَاةِ النَّجَاسَةِ وَالْوُقُوفِ عَلَى الْقَبْرِ، وَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ عَلَى قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْكَعْبَةِ الَّتِي تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فَوْقَهَا. وَقَوْلُهُ: يُصَلُّونَ الْمُتَبَادَرُ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ كَمَا يُفْعَلُ فِي الدُّنْيَا وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ أُمُورَ الْآخِرَةِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا وَمِثْلُهُمْ الشُّهَدَاءُ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقَبْرِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ.
قَوْلُهُ: (الشِّيعَةُ) طَائِفَةٌ مُسْلِمُونَ خَوَارِجُ بَالَغُوا فِي حُبِّ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ وَقَالُوا إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ مِنْهُمَا وَأَنَّهُمَا تَعَدَّيَا عَلَيْهِ فِي أَخْذِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَبَّحَهُمْ اللَّهُ قَوْلُهُ: (إلَّا عِنْدَ مَالِكٍ) وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ مَشْهُورٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَلَعَلَّ الْإِمَامَ رَجَعَ عَنْهُ أَوْ أَنَّ عُلَمَاءَ الْمَالِكِيَّةِ لَمْ تَنْقُلْهُ لِشِدَّةِ ضَعْفِهِ قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يُصَلِّيَ) أَيْ الشَّخْصُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا وَلَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعِدَّ النَّعْشَ سَاتِرًا إنْ قَرُبَ مِنْهُ فَإِنْ بَعُدَ عَنْهُ اُعْتُبِرَ لِحُرْمَةِ الْمُرُورِ أَمَامَهُ بِسُتْرَةٍ بِالشُّرُوطِ، وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنَّ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَمَرْتَبَةَ النَّعْشِ بَعْدَ الْعَصَا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَلَوْ أُزِيلَتْ سُتْرَتُهُ حَرُمَ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهَا الْمُرُورُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، وَقِيَاسُهُ أَنَّ مَنْ اسْتَتَرَ بِسُتْرَةٍ يَرَاهَا مُقَلِّدُهُ وَلَا يَرَاهَا مُقَلِّدُ الْمَارِّ تَحْرِيمُ الْمُرُورِ. وَلَوْ قِيلَ بِاعْتِبَارِ اعْتِقَادِ الْمُصَلِّي فِي جَوَازِ الدَّفْعِ وَفِي تَحْرِيمِ الْمُرُورِ بِاعْتِقَادِ الْمَارِّ لَمْ يَبْعُدْ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ مَذْهَبَ الْمُصَلِّي، وَلَوْ صَلَّى بِلَا سُتْرَةٍ فَوَضَعَهَا غَيْرُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اعْتَدَّ بِهَا، وَلَوْ كَانَ الْوَاضِعُ غَيْرَ عَاقِلٍ أَوْ نَقَلَهَا الرِّيحُ إلَيْهِ أَوْ نَحْوَ دَابَّةٍ، وَلَوْ اسْتَتَرَ بِسُتْرَةٍ فِي مَكَان مَغْصُوبٍ لَمْ يَحْرُمْ الْمُرُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلَمْ يُكْرَهْ. وَلْيَنْظُرْ السِّتْرَ بِسُتْرَةٍ مَغْصُوبَةٍ فِي الْمَكَانِ الْغَيْرِ الْمَغْصُوبِ وَاَلَّذِي فِي التُّحْفَةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ حُرْمَةِ الْمُرُورِ، لَكِنْ نَقَلَ سم فِي حَوَاشِي الْمَنْهَجِ حُرْمَةَ الْمُرُورِ فِي السُّتْرَةِ الْمَغْصُوبَةِ وَطَلَبِ الْفَرْقِ فَلْيُنْظَرْ. وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْمَكَانَ الْمَغْصُوبَ يُنْهَى عَنْ وَضْعِ السُّتْرَةِ مِنْ أَصْلِهَا فِيهِ بِخِلَافِ وَضْعِهَا فِي مَكَان مَمْلُوكٍ، فَصَارَ لِلسُّتْرَةِ الْمَغْصُوبَةِ جِهَتَانِ وَلِلْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ. وَفِي ع ش عَلَى م ر: أَقُولُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَقَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْمَكَانِ أَقْوَى مِنْ الْحَقِّ الْمُتَعَلِّقِ بِالسُّتْرَةِ، فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ حَتَّى تَكُونَ السُّتْرَةُ مَانِعَةً لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُرُورِ فِيهِ، فَاعْتِبَارُهَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ مِنْ مَكَانِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute