للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحْتَاجُ إلَى تَقْسِيمِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ الْآتِيَةِ كَمَا فِي الْمِيَاهِ وَغَيْرِهَا مِمَّا سَتَعْرِفُهُ، (وَ) مِنْ (حَصْرِ) أَيْ ضَبْطِ (الْخِصَالِ) الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ (فَأَجَبْته) أَيْ السَّائِلَ (إلَى ذَلِكَ) أَيْ إلَى تَصْنِيفِ مُخْتَصَرٍ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَطْلُوبَةِ، وَقَوْلُهُ: (طَالِبًا) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ أَيْ مُرِيدًا (لِلثَّوَابِ) أَيْ الْجَزَاءِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَصْنِيفِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» وَقَوْلُهُ: (رَاغِبًا) حَالٌ أَيْضًا مِمَّا ذَكَرَ أَيْ مُلْتَجِئًا (إلَى اللَّهِ) سُبْحَانَهُ وَ (تَعَالَى فِي) الْإِعَانَةِ

مِنْ فَضْلِهِ عَلَى حُصُولِ (التَّوْفِيقِ) الَّذِي هُوَ خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ (

ــ

[حاشية البجيرمي]

قِسْمًا. قَوْلُهُ: (لِمَا يَحْتَاجُ إلَخْ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ لِمُتَعَلِّقٍ أَوْ لِمَحَلِّ مَا يَحْتَاجُ، فَإِنَّ التَّقْسِيمَ لَيْسَ لِلْحُكْمِ بَلْ لِمَحَلِّهِ كَالْمَاءِ مَثَلًا ع ش. أَيْ فَإِنَّ الْمَاءَ مَوْرِدُ التَّقْسِيمِ، وَهُوَ مَحَلٌّ لِلْأَحْكَامِ بِالنَّظَرِ لِثُبُوتِ نَحْوِ الْكَرَاهَةِ لِاسْتِعْمَالِهِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّقْسِيمُ وَارِدًا عَلَى مَحَلِّ الْحُكْمِ اللَّازِمِ لَهُ تَقْسِيمُ الْحُكْمِ أُطْلِقَ التَّقْسِيمُ عَلَيْهِ مَجَازًا إطْلَاقًا لِوَصْفِ الْمَحَلِّ عَلَى وَصْفِ الْحَالِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَيْ ضَبْطِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا بِالْحَصْرِ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيَّ مِنْ حَصْرِ جَمِيعِ أَفْرَادِ الشَّيْءِ غَيْرِ مُخِلٍّ مِنْهَا بِشَيْءٍ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَا هُوَ دَالٌّ عَلَى الْحَصْرِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي الْوَاقِعِ مَحْصُورًا فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَمْ لَا. وَهُوَ الْكَثِيرُ مِنْ حَالِ الْمُصَنِّفِ.

قَوْلُهُ: (أَيْ السَّائِلَ) كَانَ الْمُتَبَادِرُ أَنْ يَقُولَ أَيْ بَعْضَ الْأَصْدِقَاءِ إلَّا أَنَّهُ أَقَامَ الصِّفَةَ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ وَالْمَوْصُوفُ بَعْضُ الْأَصْدِقَاءِ.

قَوْلُهُ: (أَيْ إلَى تَصْنِيفِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ أَجَابَهُمْ بِالشُّرُوعِ لَا بِمُجَرَّدِ الْوَعْدِ وَالْعَزْمِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إلَى الْعَمَلِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْ أَعْمَلَ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْعَمَلُ مَعْنَاهُ التَّصْنِيفُ صَنَعَ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَطْلُوبَةِ) وَهِيَ كَوْنُهُ مَوْصُوفًا بِالصِّفَاتِ الْخَمْسَةِ الَّتِي طَلَبُوهَا كَوْنُهُ فِي الْفِقْهِ، وَكَوْنُهُ فِي غَايَةِ الِاخْتِصَارِ، وَكَوْنُهُ يَقْرُبُ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ دَرْسُهُ، وَكَوْنُهُ يَسْهُلُ عَلَى الْمُبْتَدِئِ حِفْظُهُ، وَكَوْنُ الْمُصَنِّفِ يُكْثِرُ فِيهِ مِنْ التَّقْسِيمَاتِ وَحَصْرِ الْخِصَالِ اهـ. قَرَّرَهُ ح ف.

قَوْلُهُ: (حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ) أَيْ وَهُوَ التَّاءُ مِنْ أَجَبْته.

قَوْلُهُ: (أَيْ مُرِيدًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ رَاجِيًا كَمَا قَالَهُ سم.

قَوْلُهُ: (عَلَى تَصْنِيفِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِالْجَزَاءِ قَالَ سم: بَلْ وَعَلَى الْإِجَابَةِ إلَيْهِ فَإِنَّهَا خَيْرٌ أَيْضًا لَا لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ مِنْ ثَنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ لِلثَّوَابِ الثَّوَابُ الدَّائِمُ، فَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ لِدَوَامِ الثَّوَابِ لِأَجْلِ أَنْ يَتَطَابَقَ الدَّلِيلُ وَالْمَدْلُولُ. قَوْلُهُ: (أَيْ مُلْتَجِئًا) الْأَوْلَى سَائِلًا مُبْتَهِلًا. إذْ الرَّغْبَةُ مُفَسَّرَةٌ بِذَلِكَ وَلَعَلَّهُ فَسَّرَهُ بِمَا قَالَهُ لِتَعْدِيَتِهِ بِإِلَى.

قَوْلُهُ: (فِي الْإِعَانَةِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ ضَمَّهَا فِي الطَّلَبِ ع ش.

قَوْلُهُ: (مِنْ فَضْلِهِ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ حَيْثُ قَالُوا بِوُجُوبِ فِعْلِ الصَّلَاحِ وَالْأَصْلَحُ تَنَزُّهُ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ: وَقَوْلُهُمْ

إنَّ الصَّلَاحَ وَاجِبٌ ... عَلَيْهِ زَوْرُ مَا عَلَيْهِ وَاجِبٌ

قَالَ سم: وَالْحَقُّ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى أَنَّ لَهُ تَعَالَى إثَابَةَ الْعَاصِي وَتَنْعِيمَهُ أَبَدًا، لَكِنَّهُ لَا يَقَعُ وَلَهُ تَعْذِيبُ الْمُطِيعِ أَبَدًا وَلَوْ مَلَكًا أَوْ رَسُولًا بِلَا قُبْحٍ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَيْضًا لَا يَقَعُ فَسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِالْإِعَانَةِ.

قَوْلُهُ: (خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ) وَالْمُرَادُ بِالْقُدْرَةِ الْعَرْضُ لِلْقَارِنِ لِلْفِعْلِ فَلَا حَاجَةَ لِزِيَادَةِ وَتَسْهِيلِ سَبِيلِ الْخَيْرِ إلَيْهِ لِإِخْرَاجِ الْكَافِرِ، وَلِذَا قَالَ سم: خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ الْمُقَارَنَةُ لَهَا، وَأَمَّا إذَا أَرَدْنَا بِالْقُدْرَةِ سَلَامَةَ الْآلَاتِ فَيَحْتَاجُ إلَيْهِ اهـ. ثُمَّ إنَّ الطَّاعَةَ هِيَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْقُرْبَةِ، أَعْنِي مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ وَمِنْ الْعِبَادَةِ أَعْنِي مَا تَعَبَّدَ بِهِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْمَعْبُودِ، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

وَطَاعَةٌ بِالِامْتِثَالِ كَالنَّظَرِ ... وَقُرْبَةٌ مِنْ عَارِفِ رَبِّ الْبَشَرِ

عِبَادَةٌ لِنِيَّةٍ مُفْتَقِرَهْ ... حَقَائِقُ الثَّلَاثِ جَاءَتْ شُهْرَهْ

وَقَوْلُهُ: كَالنَّظَرِ أَيْ كَالْأَمْرِ بِالنَّظَرِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِ الْبَارِي.

فَائِدَةٌ: التَّوْفِيقُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْمُتَعَلِّمِ شَرْطُهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَرْبَعَةٌ: شِدَّةُ الْعِنَايَةِ، وَمُعَلِّمٌ ذُو نَصِيحَةٍ، وَذَكَاءُ الْقَرِيحَةِ، وَاسْتِوَاءُ الطَّبِيعَةِ أَيْ خُلُوُّهَا عَنْ الْمَيْلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ سِتَّةٌ مَنْظُومَةٌ فِي بَيْتَيْنِ وَهُمَا:

<<  <  ج: ص:  >  >>