وَهُوَ لُغَةً نِسْيَانُ الشَّيْءِ وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ وَاصْطِلَاحًا الْغَفْلَةُ عَنْ شَيْءٍ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يُسَنُّ عِنْدَ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَلَوْ بِالشَّكِّ كَمَا سَيَأْتِي. وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَالْمَتْرُوكُ مِنْ الصَّلَاةِ) فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا (ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ) وَهِيَ (فَرْضٌ وَسُنَّةٌ) أَيْ بَعْضٌ (وَهَيْئَةٌ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا (فَالْفَرْضُ) الْمَتْرُوكُ سَهْوًا (لَا يَنُوبُ) أَيْ لَا يَقُومُ (عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ) وَلَا غَيْرُهُ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ (بَلْ) حُكْمُهُ أَنَّهُ (إنْ ذَكَرَهُ) قَبْلَ سَلَامِهِ أَتَى بِهِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الصَّلَاةِ لَا تَتِمُّ بِدُونِهِ، وَقَدْ يُشْرَعُ مَعَ الْإِتْيَانِ بِهِ السُّجُودُ كَأَنْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ سَهْوًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَإِنَّهُ يَقُومُ وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّ مَا بَعْدَ الْمَتْرُوكِ لَغْوٌ، وَقَدْ لَا يُشْرَعُ السُّجُودُ لِتَدَارُكِهِ بِأَنْ لَا تَحْصُلَ زِيَادَةٌ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ السَّلَامَ فَتَذَكَّرَهُ عَنْ قُرْبٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بَعْضِ مُعَيَّنٍ هَلْ فَعَلَهُ أَمْ لَا؟ خَامِسُهَا: إيقَاعُ الْفِعْلِ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي زِيَادَتِهِ. وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَمْ يُعْلَمْ فِي أَيِّ وَقْتٍ شُرِعَ، وَشُرِعَ سُجُودُ السَّهْوِ لِجَبْرِ الْخَلَلِ تَارَةً كَأَنْ سَهَا بِتَرْكِ بَعْضٍ مِنْ الْأَبْعَاضِ وَإِرْغَامًا لِلشَّيْطَانِ أُخْرَى كَأَنْ تَرَكَ بَعْضًا مِنْ الْأَبْعَاضِ عَمْدًا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ أَيْ جَبْرُ الْخَلَلِ وَاطَلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ لِلثَّانِي أَيْ إرْغَامِ الشَّيْطَانِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ م ر قَوْلُهُ: (وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ) عَطْفٌ مُرَادِفٌ وَقَالَ الشَّيْخُ الْمَدَابِغِيُّ: عَطْفٌ عَامٌّ لِأَنَّ الْغَفْلَةَ تَشْمَلُ النِّسْيَانَ وَالسَّهْوَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ السَّهْوَ وَالنِّسْيَانَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي اللُّغَةِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْغَفْلَةُ غَيْبَةُ الشَّيْءِ عَنْ بَالِ الْإِنْسَانِ وَعَدَمِ تَذَكُّرِهِ لَهُ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيمَنْ تَرَكَهُ إهْمَالًا وَإِعْرَاضًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: ١] قَوْلُهُ وَاصْطِلَاحًا الْغَفْلَةُ عَنْ شَيْءٍ عِبَارَةٌ الْمَدَابِغِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ وَشَرْعًا نِسْيَانُ شَيْءٍ مَخْصُوصٍ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِ النِّسْيَانِ الْمَذْكُورِ فَسَقَطَ بِقَوْلِنَا أَوْ مَا هُوَ إلَخْ الِاعْتِرَاضُ عَلَى التَّعْرِيفِ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ إذْ لَا يَشْمَلُ سَهْوَ مَا يَبْطُلُ عَمْدُهُ فَقَطْ كَتَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ وَكَقَلِيلِ كَلَامٍ وَأَكْلٍ وَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ سَهْوًا وَإِنَّمَا أُضِيفَ السُّجُودُ إلَى السَّهْوِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ الْخَلَلُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْعَاقِلِ إلَّا عَنْ سَهْوٍ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ قَدْ يَسْجُدُ لِلْعَمْدِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. .
قَوْلُهُ: (فِي الصَّلَاة) أَيْ مَا عَدَا صَلَاةَ الْجِنَازَةِ، فَلَا يُشْرَعُ فِيهَا سُجُودُ سَهْوٍ بِخِلَافِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ فِيهِمَا لِلسَّهْوِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي. وَلَا مَانِعَ مِنْ جَبْرِ الشَّيْءِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ. اهـ. ح ل. وَفِي الرَّحْمَانِيِّ مَا نَصُّهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لَا يَدْخُلُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لِبِنَائِهَا عَلَى التَّخْفِيفِ بِخِلَافِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ يَدْخُلُهُمَا سُجُودُ السَّهْوِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِأَنْ تَرَكَ الطُّمَأْنِينَةَ فِي السُّجُودِ فَإِنَّهُ يُعِيدُهُ إنْ كَانَ رَفَعَ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ فِي مَحَلِّهِ. فَإِنْ قُلْت: يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّيْءَ يُجْبَرُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ. قُلْت: لَا يَضُرُّ فَإِنَّهُ عَهْدٌ فِي تَرْكِ نَحْوِ كَلِمَةٍ مِنْ الْقُنُوتِ وَإِفْسَادِ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ فَإِنَّهُ صَوْمُ سِتِّينَ يَوْمًا لِعَاجِزٍ عَنْ الْعِتْقِ. وَعَلَى هَذَا يُلْغَزُ: فَيُقَالُ لَنَا جَابِرٌ أَكْثَرُ مِنْ أَصْلِهِ فَإِنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ أَوْ الشُّكْرِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَسُجُودَ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ قَوْلُهُ: (مِنْ الصَّلَاةِ) أَيْ مِنْ الْأَبْعَاضِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مِنْ الصَّلَاةِ عَنْ نَحْوِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهُ فِيهَا لَا مِنْهَا ق ل وَكَذَا قُنُوتُ النَّازِلَةِ فَلَا سُجُودَ لِتَرْكِهِمَا قَوْلُهُ: (أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ) لَعَلَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ نَقْلَ الْمَطْلُوبِ الْقَوْلِيِّ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَرَاجِعْهُ ق ل قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِالشَّكِّ) رَاجِعٌ لِلْأَمْرَيْنِ لَكِنَّ رُجُوعَهُ لِلثَّانِي يُقَيَّدُ بِمَا إذَا احْتَمَلَ الْفِعْلُ الزِّيَادَةَ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَإِذَا شَكَّ فِي عَدَدٍ إلَخْ وَيَخْرُجُ بِهِ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ تَكَلَّمَ قَلِيلًا نَاسِيًا أَوْ لَا فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ، وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالشَّكِّ يَرْجِعُ لِلْأَمْرَيْنِ التَّرْكِ وَالْفِعْلِ فَالْأَوَّلُ كَشَكِّهِ هَلْ أَتَى بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مَثَلًا أَمْ لَا؟ وَالثَّانِي بِأَنْ فَعَلَ فِعْلًا يُحْتَمَلُ زِيَادَتُهُ كَأَنْ رَأَى الْإِمَامَ رَاكِعًا فَاقْتَدَى بِهِ وَرَكَعَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَيُتِمُّ بِهِ صَلَاتَهُ أَوْ لَا فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ نَدْبًا وَهَذِهِ الرَّكْعَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلزِّيَادَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا هَكَذَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحُهُ لَا لِلشَّكِّ فِي فِعْلٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَإِنْ أَبْطَلَ عَمْدَهُ كَكَلَامٍ قَلِيلٍ نَاسِيًا فَلَا يَسْجُدُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ اهـ قَوْلُهُ: (وَلَا غَيْرُهُ) فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اكْتِفَاءٌ قَالَ ق ل: وَفِيهِ نَظَرٌ لِقِيَامِ جُلُوسِ الِاسْتِرَاحَةِ مَقَامَ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَرَاجِعْهُ، وَاسْتِثْنَاءُ بَعْضِهِمْ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ إلَخْ) وَمِثْلُهُ تَرْكُ الْفَاتِحَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ كَأَنْ طَالَ وُقُوفُهُ أَوْ قُعُودُهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute