الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ أَنَّهُ يَنْوِي الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ مَثَلًا وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْفَرْضِ، وَرَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ الِاشْتِرَاطَ وَالْفَرْضُ الْأَوْلَى.
وَرُخِّصَ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ بِعُذْرٍ عَامٍّ أَوْ خَاصٍّ كَمَشَقَّةِ مَطَرٍ وَشِدَّةِ رِيحٍ بِلَيْلٍ، وَشِدَّةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
«لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» . وَأَنْ لَا تَكُونَ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ وَحُصُولِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ عِنْدَ التَّحَرُّمِ، فَلَوْ أَحْرَمَ الْمُعِيدُ وَهُوَ مُنْفَرِدٌ عَنْ الصَّفِّ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ وَهُوَ فِي الصَّفِّ ثُمَّ انْفَرَدَ عَنْهُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ، وَأَنْ لَا تَكُونَ إعَادَتُهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، فَإِذَا مَسَحَ الشَّافِعِيُّ بَعْضَ رَأْسِهِ وَصَلَّى أَوْ صَلَّى فِي الْحَمَّامِ أَوْ بَعْدَ سَيَلَانِ الدَّمِ مِنْ بَدَنِهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْأُولَى وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي الثَّانِيَةِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيِّ فِي الثَّالِثَةِ، فَتُسَنُّ الْإِعَادَةُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ وُضُوئِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا، وَهَذِهِ لَيْسَتْ الْإِعَادَةَ الشَّرْعِيَّةَ الْمُرَادَةَ هُنَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَأَنْ لَا تَكُونَ إعَادَتُهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمُعَادَةِ لَا فِي أَصْلِ صِحَّتِهَا، وَإِنَّمَا تُطْلَبُ الْإِعَادَةُ لِمَنْ الْجَمَاعَةُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَارِي فِي غَيْرِ مَحَلِّ نَدْبِهَا فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ شَرْحُ م ر. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ شَرْطٌ آخَرُ وَقَوْلُهُ: لَا وِتْرَانِ اسْمٌ لَا عَلَى لُغَةِ الْقَصْرِ أَيْ لُغَةِ مَنْ يُلْزِمُ الْمَثْنَى الْأَلْفَ دَائِمًا كَقِرَاءَةِ {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: ٦٣] وَانْظُرْ مَا الْمَانِعُ مِنْ عَمَلِهَا عَمَلَ لَيْسَ. قَوْلُهُ: (الْمَكْتُوبَةِ) أَيْ عَلَى الْأَعْيَانِ وَلَوْ مَغْرِبًا حَتَّى عَلَى الْجَدِيدِ أَيْضًا لِأَنَّ وَقْتَهَا عَلَيْهِ يَسَعُ تَكَرُّرَهَا مَرَّتَيْنِ بَلْ أَكْثَرَ، فَخَرَجَ الْمَنْذُورَةُ أَيْ الَّتِي تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا فَلَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا وَلَا تَنْعَقِدُ إذَا أُعِيدَتْ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةَ الْعِيدِ فَتُعَادُ لِسَنِّ الْجَمَاعَةِ فِيهَا قَبْلَ النَّذْرِ. وَخَرَجَ الْجِنَازَةُ فَلَا تُسَنُّ إعَادَتُهَا فَإِنْ أُعِيدَتْ انْعَقَدَتْ نَفْلًا مُطْلَقًا وَقَوْلُهُمْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَا يَتَنَفَّلُ بِهَا أَيْ لَا يُؤْتَى بِهَا عَلَى جِهَةِ التَّنَفُّلِ ح ل. عِبَارَةُ م ر وَخَرَجَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ بِهَا، فَإِنْ أَعَادَهَا وَلَوْ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً صَحَّتْ وَوَقَعَتْ نَفْلًا مُطْلَقًا وَهَذِهِ خَرَجَتْ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا اهـ.
وَدَخَلَ فِي الْمَكْتُوبَةِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَتُسَنُّ إعَادَتُهَا عِنْدَ جَوَازِ تَعَدُّدِهَا أَوْ عِنْدَ انْتِقَالِهِ لِبَلَدٍ أُخْرَى رَآهُمْ يُصَلُّونَهَا خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ، وَهَلْ يُحْسَبُ مِنْ الْأَرْبَعِينَ فِي الثَّانِيَةِ اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ أَوْ لَا لِوُقُوعِهَا لَهُ نَافِلَةً؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَإِطْلَاقُهُمْ يَقْتَضِي الْأَوَّلَ كَمَا قَالَهُ ع ش. وَلَوْ صَلَّى مَعْذُورٌ الظُّهْرَ ثُمَّ وَجَدَ مَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ سُنَّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ مَعَهُمْ اهـ إطْفِيحِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَرُخِّصَ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ بِعُذْرٍ) أَيْ فَتَسْقُطُ الْحُرْمَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَرْضِيَّةِ وَالْكَرَاهَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ، وَيَنْتَفِي الْإِثْمُ عَمَّنْ تَوَقَّفَ حُصُولُ الشِّعَارِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ بَلْ يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ لَكِنْ دُونَ فَضْلٍ مِنْ فِعْلِهَا أَيْ حَيْثُ قَصَدَ فِعْلَهَا لَوْلَا الْعُذْرُ. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ اعْتِمَادَهُ. وَنَقَلَ شَيْخُنَا م ر أَنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ حُصُولِ فَضْلِهَا عَلَى مَنْ تَعَاطَى سَبَبَ الْعُذْرِ كَأَكْلِ الْبَصَلِ وَوَضْعِ الْخُبْزِ فِي التَّنُّورِ، وَالْقَوْلَ بِحُصُولِ فَضْلِهَا عَلَى غَيْرِهِ كَالْمَطَرِ وَالْمَرَضِ قَالَ: وَهُوَ جَمْعٌ لَا بَأْسَ بِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مِنْ رُخِّصَ لَهُ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ حَصَلَتْ لَهُ فَضِيلَتُهَا، وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَنَا مُنْفَرِدٌ يَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ. وَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ دَاوَمَ عَلَى تَرْكِهَا لِعُذْرٍ، وَإِذَا أَمَرَ الْإِمَامُ النَّاسَ بِالْجَمَاعَةِ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ لِقِيَامِ الْعُذْرِ ح ل. وَالرُّخْصَةُ بِسُكُونِ الْخَاءِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا لُغَةً التَّيْسِيرُ وَالتَّسْهِيلُ وَاصْطِلَاحًا الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ الْأَصْلِيِّ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ أَنَّ تَعْرِيفَ الرُّخْصَةِ هُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ صُعُوبَةٍ إلَى سُهُولَةٍ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ سَبَبِ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ، فَعَدَمُ الْإِثْمِ أَوْ اللَّوْمِ هَذَا حُكْمٌ سَهْلٌ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ عَدَمُ ظُهُورِ الشِّعَارِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الْإِثْمُ أَوْ اللَّوْمُ.
قَوْلُهُ: (عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ) الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَشْخَاصِ لَا لِلْأَزْمِنَةِ، فَالْعَامُّ هُوَ الَّذِي لَمْ يَخْتَصَّ بِوَاحِدٍ دُونَ آخَرَ كَالْمَطَرِ، وَالْخَاصُّ بِخِلَافِهِ كَالْجُوعِ إذْ قَدْ يَجُوعُ الشَّخْصُ وَيَشْبَعُ غَيْرُهُ، وَذَكَرَ لِلْعَامِّ أَمْثِلَةً خَمْسَةً وَلِلْخَاصِّ أَحَدَ عَشَرَ قَوْلُهُ: (كَمَشَقَّةِ مَطَرٍ) أَيْ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ كِنًّا يَمْشِي فِيهِ وَتَقَاطُرُ السُّقُوفِ كَالْمَطَرِ وَالْإِضَافَةُ فِيهِ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ لِلسَّبَبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute