مَوْلَى عَائِشَةَ كَانَ يَؤُمُّهَا، لَكِنَّ الْحُرَّ وَلَوْ كَانَ أَعْمَى أَوْلَى مِنْهُ (وَالْبَالِغُ بِالْمُرَاهِقِ) لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. لَكِنَّ الْبَالِغَ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ، وَالْحُرَّ الْبَالِغَ الْعَدْلَ أَوْلَى مِنْ الرَّقِيقِ، وَالْعَبْدَ الْبَالِغَ أَوْلَى مِنْ الْحُرِّ الصَّبِيِّ، وَفِي الْعَبْدِ الْفَقِيهِ وَالْحُرِّ غَيْرِ الْفَقِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَالْمُبَعَّضُ أَوْلَى مِنْ كَامِلِ الرِّقِّ.
وَالْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ فِي الْإِمَامَةِ سَوَاءٌ.
وَيُقَدَّمُ الْوَالِي بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى عَلَى غَيْرِهِ فَإِمَامٌ رَاتِبٌ. نَعَمْ إنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَالِي، وَيُقَدَّمُ السَّاكِنُ فِي مَكَان بِحَقٍّ وَلَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِرَجُلٍ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا وَهُمْ يَكْرَهُونَهُ. وَالْإِسْنَوِيُّ ظَنَّ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدَةٌ. فَقَالَ هُنَا: وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَنَقَلَهُ فِي الْحَاوِي عَنْ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ لَفْظَهُ الْمُتَقَدِّمَ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (كَالْفَاسِقِ) لَمَّا كَانَ لَهُ تَأْوِيلٌ لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا فَلِذَا شَبَّهَهُ بِهِ
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ كَانَ يَؤُمُّهَا) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ: وَإِنَّ عَائِشَةَ كَانَ يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ وَهُوَ أَنْسَبُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي اقْتِدَاءِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ لَا فِي إمَامَةِ الْعَبْدِ لِلْحُرِّ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ دَقِيقٌ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (أَوْلَى مِنْهُ) لِأَنَّ الْإِمَامَةَ مَنْصِبٌ جَلِيلٌ، فَالْحُرُّ أَوْلَى بِهِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (وَالْبَالِغُ بِالْمُرَاهِقِ) وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: لَا يَصِحُّ. قَالَ فِي الْكَنْزِ وَشَرْحِهِ: وَفَسَدَ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِصَبِيٍّ لِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ فَلَمْ يَجُزْ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِهِ اهـ. وَفِي الْمِيزَانِ لِلشَّعْرَانِيِّ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ بِعَدَمِ صِحَّةِ إمَامَةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيَّزِ فِي الْجُمُعَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِيهَا كَغَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ الْبَالِغُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْ الصَّبِيِّ بِلَا خِلَافٍ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْصِبَ الْإِمَامَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ مَنْصِبِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا. وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ إخْلَالِهِ بِوَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَآدَابِهَا، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الَّذِي يُمَيِّزُ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ، وَيَتَحَرَّزُ عَنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَالِغِ فَأَشْبَهَ الْإِمَامَ الْعَادِلَ الْمَحْفُوظَ مِنْ الذُّنُوبِ اهـ قَوْلُهُ: (بِالْمُرَاهِقِ) أَيْ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَأَصْلُهُ مَنْ قَارَبَ سِنَّ الِاحْتِلَامِ ق ل قَوْلُهُ: (لَكِنَّ الْبَالِغَ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ أَقْرَأَ أَوْ أَفْقَهَ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ، وَلِهَذَا نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ اهـ قَوْلُهُ: (وَالْحُرُّ) وَإِنْ كَانَ أَعْمَى أَوْلَى مِنْ الرَّقِيقِ، أَيْ وَإِنْ قَلَّ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ إلَّا إنْ تَمَيَّزَ بِنَحْوِ فِقْهٍ أَيْ فَيُقَدَّمُ الْعَبْدُ الْفَقِيهُ عَلَى الْحُرِّ الْخَالِي مِنْ الْفِقْهِ، أَمَّا حُرٌّ فَقِيهٌ وَعَبْدٌ أَفْقَهُ فَهُمَا سَوَاءٌ كَمَا حَمَلَ السُّبْكِيُّ عِبَارَةَ الْمَجْمُوعِ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، أَمَّا فِيهَا فَالْحُرُّ أَوْلَى مُطْلَقًا لِأَنَّ دُعَاءَهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ اهـ م ر. قَوْلُهُ: (وَفِي الْعَبْدِ الْفَقِيهِ) أَيْ الْأَفْقَهِ وَالْحُرِّ غَيْرِ الْفَقِيهِ، أَيْ غَيْرِ الْأَفْقَهِ بِأَنْ كَانَ فَقِيهًا فَالْحُرِّيَّةُ تُعَادِلُ زِيَادَةَ الْفِقْهِ هَكَذَا يُفْهَمُ لِأَنَّ غَيْرَ الْفَقِيهِ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ. اهـ. م د. وَتُكْرَهُ إمَامَةُ الْأَقْلَفِ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ فِي الْإِمَامَةِ سَوَاءٌ) أَيْ لِتَعَارُضِ فَضِيلَتِهِمَا لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَنْظُرُ مَا يَشْغَلُهُ فَهُوَ أَخْشَعُ، وَالْبَصِيرُ يَنْظُرُ الْخُبْثَ فَهُوَ أَحْفَظُ عَنْ النَّجَاسَةِ وَالْكَلَامِ إذَا اسْتَوَيَا فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ، وَإِلَّا فَمَنْ تَرَجَّحَ بِصِفَةٍ قُدِّمَ بِهَا كَأَعْمَى فَقِيهٍ وَبَصِيرٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، فَالْأَعْمَى حِينَئِذٍ يُقَدَّمُ فَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْحُرُّ الْأَعْمَى أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ الْبَصِيرِ، وَمِثْلُ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ فِي الِاسْتِوَاءِ السَّمِيعُ مَعَ الْأَصَمِّ، وَالْفَحْلُ مَعَ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ، وَالْأَبُ مَعَ ابْنِهِ، وَالْقَرَوِيُّ مَعَ الْبَلَدِيِّ اهـ أج. وَلَوْ كَانَ الْبَصِيرُ لَا يَتَحَاشَى عَنْ النَّجَاسَةِ قُدِّمَ الْأَعْمَى عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ الْأَعْمَى غَيْرَ خَاشِعٍ قُدِّمَ الْبَصِيرُ عَلَيْهِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ إمَامَةَ الْأَعْمَى مَكْرُوهَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ. وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا كَانَ لَا يُوَازِيهِ غَيْرُهُ فِي الْفَضِيلَةِ فِي مَسْجِدِهِ فَهُوَ أَوْلَى كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ) أَيْ إنْ اتَّفَقَا فِي بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ الْآتِيَةِ وَسَوَاءٌ خَبَرُ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى مُسْتَوِيَانِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: رَجُلٌ يَجُوزُ كَوْنُهُ إمَامًا لَا مَأْمُومًا وَهُوَ الْأَعْمَى الْأَصَمُّ يَكُونُ إمَامًا لِاسْتِقْلَالِهِ بِأَفْعَالِهِ لَا مَأْمُومًا إذْ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى الْعِلْمِ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ إلَّا إنْ كَانَ بِجَنْبِهِ ثِقَةٌ يُعَرِّفُهُ بِهَا اهـ.
قَوْلُهُ: (الْوَالِي) هُوَ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ يُقَدَّمُ وَلَوْ عَلَى الْمَالِكِ. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى) كَالْبَاشَا فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقَاضِي كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِهِ) وَلَوْ عَلَى الْأَفْقَهِ وَالْمَالِكِ وَالْإِمَامِ الرَّاتِبِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute