كَسَفَرِ حَجٍّ أَوْ مَنْدُوبًا كَزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ مُبَاحًا كَسَفَرِ تِجَارَةٍ، أَوْ مَكْرُوهًا كَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ. أَمَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَلَوْ فِي أَثْنَائِهِ كَآبِقٍ وَنَاشِزَةٍ فَلَا يَقْصُرُ لِأَنَّ السَّفَرَ سَبَبٌ لِلرُّخْصَةِ فَلَا تُنَاطُ بِالْمَعْصِيَةِ كَبَقِيَّةِ رُخَصِ السَّفَرِ نَعَمْ لَهُ بَلْ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُوبِ إعَادَةِ مَا صَلَّاهُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، فَإِنْ تَابَ فَأَوَّلُ سَفَرِهِ مَحَلُّ تَوْبَتِهِ، فَإِنْ كَانَ طَوِيلًا أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ لِلرُّخْصَةِ طُولُهُ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ فِيهِ تَرَخَّصَ وَإِلَّا فَلَا وَأُلْحِقَ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ أَوْ دَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ بِلَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
تَكُنْ شَفْعًا وَخَرَجَتْ عَنْ مَوْضُوعِهَا، وَالْمَغْرِبُ لَا يُمْكِنُ قَصْرُهَا إلَى رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا وِتْرًا، وَلَا إلَى رَكْعَةٍ لِخُرُوجِهَا بِذَلِكَ عَنْ بَاقِي الصَّلَوَاتِ اهـ.
قَوْلُهُ: (كَسَفَرِ تِجَارَةٍ) فِي غَيْرِ أَكْفَانِ الْمَوْتَى وَإِلَّا كُرِهَ قَوْلُهُ: (كَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ) لَا سِيَّمَا بِاللَّيْلِ هَذَا مَا لَمْ يَأْنَسْ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَبَعْضِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَيُكْرَهُ سَفَرُ اثْنَيْنِ فَقَطْ لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِمَا أَخَفُّ، وَإِذَا بَعُدَ عَنْ الرُّفْقَةِ إلَى حَدٍّ لَا يَلْحَقُهُ غَوْثُهُمْ فَقَالَ حَجّ: هُوَ كَالْوَحْدَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَقَالَ م ر وَسم: لَا يَكُونُ كَالْوَحْدَةِ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ) وَلَوْ صُورَةً كَأَنْ هَرَبَ الصَّبِيُّ مِنْ وَلِيِّهِ فَلَا يَقْصُرُ، وَلَوْ خَرَجَ لِجِهَةٍ مُعِينَةٍ تَبَعًا لِشَخْصٍ لَا يَعْلَمُ سَبَبَ سَفَرِهِ أَوْ لِتَنْفِيذِ كِتَابٍ لَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ فَالْمُتَّجَهُ إلْحَاقُهُ بِالْمُبَاحِ، فَالشَّرْطُ أَنْ لَا يَعْلَمَ كَوْنَ السَّفَرِ مَعْصِيَةً. اهـ. م د. وَعِبَارَتُهُ عَلَى التَّحْرِيرِ قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَلَوْ هَرَبَ الصَّبِيُّ مِنْ وَلِيِّهِ فَهَلْ يَتَرَخَّصُ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ فَسَفَرُهُ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ هَذَا السَّفَرَ مِنْ جِنْسِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ الْمُسَافِرُ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ: الْأَوْجَهُ الثَّانِي لِأَنَّ هَذَا السَّفَرَ فِي نَفْسِهِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَقَوْلُهُ أَوْ لَا مُعْتَمَدٌ قَوْلُهُ: (وَلَوْ فِي أَثْنَائِهِ) وَهَذَا يُقَالُ عَاصٍ بِالسَّفَرِ فِي السَّفَرِ بِأَنْ أَنْشَأَهُ مُبَاحًا ثُمَّ قَلَبَهُ مَعْصِيَةً كَأَنْ جَعَلَهُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَأَمَّا الْعَاصِي فِيهِ كَأَنْ زَنَى فِيهِ أَوْ شَرِبَ فِيهِ خَمْرًا فَإِنَّهُ يَقْصُرُ مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (فَلَا تُنَاطُ) أَيْ لَا تُعَلَّقُ.
تَنْبِيهٌ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ الرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي إنَّ فِعْلِ الرُّخْصَةِ مَتَى تَوَقَّفَ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ نُظِرَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَإِنْ كَانَ تَعَاطِيهِ فِي نَفْسِهِ حَرَامًا امْتَنَعَ مَعَهُ فِعْلُ الرُّخْصَةِ وَإِلَّا فَلَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعْصِيَةِ بِالسَّفَرِ وَالْمَعْصِيَةِ فِيهِ فَالْعَبْدُ الْآبِقُ وَالنَّاشِزَةُ وَالْمُسَافِرُ لِلْمَكْسِ، وَنَحْوُهُ عَاصٍ بِالسَّفَرِ فَالسَّفَرُ نَفْسُهُ مَعْصِيَةٌ وَالرُّخْصَةُ مَنُوطَةٌ بِهِ أَيْ مُعَلَّقَةٌ وَمُرَتَّبَةٌ عَلَيْهِ تَرَتُّبَ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، فَلَا يُبَاحُ لَهُ التَّرَخُّصُ وَمَنْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا فَشَرِبَ الْخَمْرَ فِي سَفَرِهِ فَهُوَ عَاصٍ فِيهِ، أَيْ مُرْتَكِبٌ الْمَعْصِيَةَ فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ، فَنَفْسُ السَّفَرِ لَيْسَ مَعْصِيَةً وَلَا آثِمًا بِهِ فَتُبَاحُ فِيهِ الرُّخَصُ لِأَنَّهَا مَنُوطَةٌ بِالسَّفَرِ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ وَلِهَذَا جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الْمَغْصُوبِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ مَنُوطَةٌ بِاللُّبْسِ وَهُوَ لِلْمُحْرِمِ مَعْصِيَةٌ، وَفِي الْمَغْصُوبِ لَيْسَ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ أَيْ لِكَوْنِهِ لُبْسًا بَلْ لِلِاسْتِيلَاءِ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ، وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَ اللُّبْسَ لَمْ تَزُلْ الْمَعْصِيَةُ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ اهـ مِنْ الْأَشْبَاهِ لِلسُّيُوطِيِّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسَافِرَ الْعَاصِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ عَاصٍ بِالسَّفَرِ كَأَنْ سَافَرَ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَعَاصٍ فِي السَّفَرِ كَمَنْ زَنَى وَهُوَ قَاصِدٌ الْحَجَّ مَثَلًا، وَعَاصٍ بِالسَّفَرِ فِي السَّفَرِ كَأَنْ أَنْشَأَهُ طَاعَةً ثُمَّ قَلَبَهُ مَعْصِيَةً فَالثَّانِي لَهُ الْقَصْرُ مُطْلَقًا، وَالْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ لَا يَقْصُرَانِ قَبْلَ التَّوْبَةِ فَإِنْ تَابَا قَصَرَ الثَّالِثُ مُطْلَقًا، وَالْأَوَّلُ إنْ بَقِيَ مِنْ سَفَرِهِ مَرْحَلَتَانِ تَنْزِيلًا لِمَحَلِّ تَوْبَتِهِ مَنْزِلَةَ ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ، وَلَوْ شَرَّكَ بَيْنَ مَعْصِيَةٍ وَغَيْرِهَا كَأَنْ سَافَرَ لِلتِّجَارَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ فَلَا يَقْصُرُ تَغْلِيبًا لِلْمَانِعِ وَهُوَ الْمَعْصِيَةُ اهـ.
قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَهُ بَلْ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ فِي الْفَقْدِ الْحِسِّيِّ بِخِلَافِهِ فِي الشَّرْعِيِّ كَمَرَضٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ قَبْلَ التَّوْبَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ. ع ش. وَقَوْلُهُ (التَّيَمُّمُ) أَيْ لِفَقْدِ الْمَاءِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَابَ فَأَوَّلُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ يَشْمَلُ مَا إذَا أَنْشَأَهُ مُبَاحًا ثُمَّ جَعَلَهُ مَعْصِيَةً وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ فِي أَثْنَائِهِ مَعَ أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ وَإِنْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصِدِهِ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ نَظَرًا لِابْتِدَاءِ سَفَرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْشَأَهُ مَعْصِيَةً ثُمَّ جَعَلَهُ مُبَاحًا أَيْ بِأَنْ تَابَ اهـ ز ي. أَيْ فَكَلَامُ الشَّارِحِ مُسَلَّمٌ بِالنِّسْبَةِ لِهَذِهِ دُونَ مَا قَبْلَهَا، وَإِنَّمَا قَالَ ظَاهِرُهُ إلَخْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فَإِنْ تَابَ رَاجِعًا لِمَا قَبْلَ الْغَايَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (فَأَوَّلُ سَفَرِهِ مَحَلُّ تَوْبَتِهِ) نَعَمْ مَنْ سَافِر يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَصَى، فَإِنْ تَابَ لَمْ يَتَرَخَّصْ مِنْ حِينِ تَوْبَتِهِ بَلْ حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ وَمِنْ وَقْتِ فَوَاتِهَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ كَمَا نَقَلَهُ م ر عَنْ الْمَجْمُوعِ قَوْلُهُ: (كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ إلَخْ) وَإِنَّمَا يُجْعَلُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ مِنْ