للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ زَالَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ شَرْعِيًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا وَلَمْ يُزِلْ نَجِسًا وَكَذَا يُقَالُ فِي غَسْلِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ أَزَالَ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُزَلْ بِهِ حَدَثٌ وَلَا نَجَسٌ بَلْ هُوَ تَكْرِمَةٌ لِلْمَيِّتِ وَقِيلَ هِيَ فِعْلُ مَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ.

وَتَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبٍ كَالطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ، وَمُسْتَحَبٍّ كَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ، ثُمَّ الْوَاجِبُ يَنْقَسِمُ إلَى بَدَنِيٍّ وَقَلْبِيٍّ، فَالْقَلْبِيُّ كَالْحَسَدِ وَالْعُجْبِ وَالرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: مَعْرِفَةُ حُدُودِهَا وَأَسْبَابِهَا وَطِبِّهَا وَعِلَاجِهَا فَرْضُ عَيْنٍ يَجِبُ تَعَلُّمُهُ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

مُسْتَعْمَلًا لِعَدَمِ تَوَقُّفِ حَالِ التَّمَتُّعِ عَلَيْهِ م د. وَقَوْلُهُ: فَالصَّوَابُ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَالْأَوْلَى لِأَنَّ بَعْضَهُمْ أَهْمَلَ أَنْ حَمْلًا عَلَى مَا قَالَ الشَّاعِرُ:

أَنْ تَقْرَآَنِ عَلَى أَسْمَاءَ وَيْحَكُمَا ... مِنِّي السَّلَامَ وَأَنْ لَا تُشْعِرَا أَحَدَا

قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ:

وَبَعْضُهُمْ أَهْمَلَ أَنْ حَمْلًا عَلَى ... مَا أُخْتُهَا حَيْثُ اسْتَحَقَّتْ عَمَلَا

قَوْلُهُ: (وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ غُسْلٌ شَرْعِيٌّ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ الْمُرَتَّبِ عَلَى حُدُوثِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا يُقَالُ) رَاجِعٌ لِلْمُعْتَمَدِ أَوْ لِمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (بَلْ هُوَ تَكْرِمَةٌ لِلْمَيِّتِ) قَدْ يُقَالُ هُوَ مَعَ كَوْنِهِ تَكْرِمَةً أَزَالَ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ الْمُرَتَّبَ عَلَى الْمَوْتِ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِ الْحَدَثِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْمُرَادَ ارْتِفَاعُ الْمَنْعِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْحَدَثِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ م د. قَوْلُهُ: (فِعْلُ مَا) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ لِأَنَّ مَا تُسْتَبَاحُ بِهِ فِعْلٌ، أَوْ الْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الْمُضَافِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ التَّطَهُّرُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَشْمَلُ الطَّهَارَةَ الْمَنْدُوبَةَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ أَوْ مَا فِيهِ ثَوَابٌ مُجَرَّدٌ كَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ أَوْ الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ.

قَوْلُهُ: (وَتَنْقَسِمُ) لَوْ أَظْهَرَ الْفَاعِلَ وَقَالَ: وَتَنْقَسِمُ الطَّهَارَةُ كَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُنْقَسِمَ لِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ الطَّهَارَةِ الْمُعَرَّفَةِ بِمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْوَاجِبُ إلَخْ) أَرَادَ بِهِ مَا تَأَكَّدَ طَلَبُهُ فَيَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ بِدَلِيلِ مَا قَرَّرَهُ فِي الْبَدَنِيِّ. أَوْ يُقَالُ غَلَّبَ الْوَاجِبَ لِشَرَفِهِ.

قَوْلُهُ: كَالْحَسَدِ أَيْ كَالتَّنَزُّهِ عَنْ الْحَسَدِ بِفَتْحِ السِّينِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ حَسَدْته عَلَى النِّعْمَةِ وَحَسَدْته النِّعْمَةَ حَسَدًا بِفَتْحِ السِّينِ أَكْثَرُ مِنْ سُكُونِهَا يَتَعَدَّى إلَى الثَّانِي بِنَفْسِهِ وَبِالْحَرْفِ إذَا كَرِهْتهَا عِنْدَهُ وَتَمَنَّيْت زَوَالَهَا عَنْهُ وَالْفَاعِلُ حَاسِدٌ وَالْجَمْعُ حُسَّادٌ وَحَسَدَةٌ اهـ. وَيُفَارِقُ الْغِبْطَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ الْغَيْرِ وَهِيَ تَمَنِّي حُصُولِ مِثْلِ مَا لِلْغَيْرِ، وَرُبَّمَا عُبِّرَ عَنْهَا بِالْحَسَدِ مَجَازًا مِثْلُ: «لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ» وَسَبَبُ الْحَسَدِ: إمَّا الْكِبْرُ وَإِمَّا الْعَدَاوَةُ وَإِمَّا خُبْثُ النَّفْسِ إذْ يَبْخَلُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ لَهُ فِيهِ، وَمِنْ الْحِكْمَةِ: إنَّ الْحَسُودَ لَا يَسُودُ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَتْ النِّعْمَةُ لِكَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى الْمَعَاصِي اهـ م د. وَالْمُرَادُ بِنِعْمَةِ الْكَافِرِ الشَّيْءُ الْمُعْطَى لَهُ لِأَنَّ النِّعْمَةَ مُلَائِمٌ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ، وَمِنْ ثَمَّ لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى كَافِرٍ. قَوْلُهُ: (وَالْعُجْبِ) كَأَنْ يُعْجَبَ الْعَابِدُ بِعِبَادَتِهِ وَالْعَالِمُ بِعِلْمِهِ وَالْمُطِيعُ بِطَاعَتِهِ. مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَالرِّيَاءِ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ. فَعَلَهُ رِيَاءً وَسُمْعَةً أَيْ لِيَرَاهُ غَيْرُهُ وَيَسْمَعَهُ وَهُوَ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلًا فِيهِ مِقْدَارُ ذَرَّةٍ مِنْ الرِّيَاءِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْمُرَائِيَ يُنَادَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءٍ: يَا مُرَائِي يَا غَاوِي يَا فَاجِرُ يَا خَاسِرُ اذْهَبْ فَخُذْ أَجْرَك مِمَّنْ عَمِلْت لَهُ فَلَا أَجْرَ لَك عِنْدَنَا» . وَقَالَ قَتَادَةَ: إذَا رَاءَى الْعَبْدُ يَقُولُ اللَّهُ: اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي يَسْتَهْزِئُ بِي.

قَوْلُهُ: وَالْكِبْرِ بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ فَوْقَ غَيْرِهِ فِي صِفَاتِ الْكَمَالِ فَيَحْصُلُ فِيهِ نَفْخَةٌ وَهَزَّةٌ مِنْ هَذِهِ الرَّذِيلَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعُوذُ بِك مِنْ الْكِبْرِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الْعَظَمَةُ إزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي فَمَنْ نَازَعَنِي فِيهِمَا قَصَمْتُهُ وَلَا أُبَالِي» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ» وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ أَوْ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ مَعَ السَّابِقِينَ. وَالْكِبْرُ نَاشِئٌ عَنْ الْعُجْبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعُجْبِ وَالْكِبْرِ أَنَّ الْعُجْبَ يَتَحَقَّقُ فِي نَفْسِ الْمُعْجَبِ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ شَخْصٌ سِوَاهُ، بِخِلَافِ الْكِبْرِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْغَيْرِ.

قَوْلُهُ: (مَعْرِفَةُ حُدُودِهَا) أَيْ أَسْمَائِهَا بِتَنْزِيلِ مَعَانِيهَا عَلَيْهَا م د. وَالظَّاهِرُ إبْقَاءُ الْحُدُودِ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>