وَالْبَدَنِيُّ إمَّا بِالْمَاءِ أَوْ بِالتُّرَابِ أَوْ بِهِمَا كَمَا فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا كَالْحِرِّيفِ فِي الدِّبَاغِ أَوْ بِنَفْسِهِ كَانْقِلَابِ الْخَمْرِ خَلًّا،
وَقَوْلُهُ: (الْمِيَاهُ) جَمْعُ مَاءٍ، وَالْمَاءُ مَمْدُودٌ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَأَصْلُهُ مَوَهٌ تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً. وَمِنْ عَجِيبِ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَمْ يُحْوِجْ فِيهِ إلَى كَثِيرِ مُعَالَجَةٍ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (الَّتِي يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهَا) أَيْ بِكُلٍّ مِنْهَا عَنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ. وَالْحَدَثُ فِي اللُّغَةِ الشَّيْءُ الْحَادِثُ وَفِي الشَّرْعِ يُطْلَقُ عَلَى أَمْرٍ اعْتِبَارِيٍّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ وَعَلَى الْأَسْبَابِ الَّتِي يَنْتَهِي بِهَا الطُّهْرُ وَعَلَى الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ بِخِلَافِ الْمَنْعِ لِأَنَّهُ صِفَةُ الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ فَهُوَ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْمَنْعَ هُوَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
التَّعَارِيفُ أَيْ مَعْرِفَةُ تَعَارِيفِهَا لِتُجْتَنَبَ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَأَسْبَابِهَا) كَطَلَبِ الْجَاهِ وَالْمَالِ بِالطَّبْعِ وَطَلَبُهَا تَرْكُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَعِلَاجِهَا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ.
قَوْلُهُ: (الْمِيَاهُ) وَأَصْلُهُ مِوَاهٌ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرِ الْمِيمِ قَبْلَهَا كَالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ. وَلِهَذَا لَمْ تُقْلَبْ الْوَاوُ فِي أَمْوَاهٍ وَمُوَيْهٍ أَيْ لِعَدَمِ كَسْرِ مَا قَبْلَ الْوَاوِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلطَّهَارَةِ مَقَاصِدُ أَرْبَعٌ: الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ، وَوَسَائِلُ أَرْبَعٌ: الْمِيَاهُ وَالتُّرَابُ وَالتَّخَلُّلُ وَالدَّابِغُ، وَبَعْضُهُمْ أَبْدَلَ التَّخَلُّلَ بِحَجَرِ الِاسْتِنْجَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْأَوَانِي. قَالَ شَيْخُنَا: وَالْوَجْهُ أَنَّ الِاجْتِهَادَ وَالْأَوَانِيَ وَسِيلَةٌ لِلْوَسِيلَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَمَّا كَانَ أَظْهَرَ وَسَائِلِهَا الْمِيَاهُ قَدَّمَهَا الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَفْصَحِ) وَمُقَابِلُهُ قَصْرُهُ مَعَ التَّنْوِينِ وَتَرْكُهُ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً) أَيْ فَتَوَالَى عَلَى الْكَلِمَةِ إعْلَالَانِ أَيْ تَغْيِيرَانِ. وَقَدْ أُلْغِزَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَافِرِ الْمَجْزُوءِ:
أَبِنْ لِي لَفْظَةً جَاءَتْ ... بِإِعْلَالَيْنِ قَدْ حَصَلَا
فَأَجَابَ:
نَعَمْ مَاءٌ يَلِيقُ بِأَنْ ... يُجَابَ بِهِ الَّذِي سَأَلَا
قَوْلُهُ: (مِنْ عَجِيبِ لُطْفِ اللَّهِ) أَيْ كَثْرَةِ رِفْقِهِ بِعَبِيدِهِ ق ل قَوْلُهُ: (التَّطْهِيرُ) هُوَ مَصْدَرٌ. وَالْمُرَادُ الْحَاصِلُ بِهِ فَإِنَّهُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ سم، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَلَوْ عَلَّلَ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ الطَّهَارَةُ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ لَا الْفِعْلِ لَكَانَ أَوْلَى م د.
وَقَوْلُهُ: وَفِيهِ أَيْ التَّعْلِيلِ نَظَرٌ، وَفِي هَذَا النَّظَرِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إلَخْ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ سم، فَإِنَّهُ الَّذِي إلَخْ فَتَأَمَّلْ.
وَقَوْلُهُ: بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ حُصُولُ الطَّهَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ فِعْلٍ كَحُصُولِهَا بِالْمَطَرِ. قَوْلُهُ: (أَيْ بِكُلٍّ مِنْهَا) دَفَعَ بِهِ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهَا، وَلَوْ قَالَ بِمَجْمُوعِهَا الصَّادِقِ بِالْفَرْدِ مِنْهَا وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْهَا لَكَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَالْحَدَثُ إلَخْ) ذَكَرَ هَذَا هُنَا تَعْجِيلًا لِلْفَائِدَةِ، وَإِلَّا فَمَحَلُّ ذِكْرِهِ نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ.
قَوْلُهُ: (أَمْرٍ اعْتِبَارِيٍّ) أَيْ غَيْرِ مَحْسُوسٍ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ أَهْلَ الْبَصَائِرِ تُشَاهِدُهُ ظُلْمَةً عَلَى الْأَعْضَاءِ، وَمَعْنَى قِيَامِهِ بِالْأَعْضَاءِ وَصْفُهَا بِهِ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ مَعَ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَيْثِيَّةِ لِإِدْخَالِ الصِّحَّةِ مَعَ وُجُودِ الْحَدَثِ لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ ق ل.
قَوْلُهُ: (يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ) أَيْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَطْ فِي الْأَصْغَرِ وَجَمِيعِ الْبَدَنِ فِي الْأَكْبَرِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْأَسْبَابِ) أَيْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ إلَخْ) أَمَّا تَرَتُّبُ الْمَنْعِ عَلَى الْأَسْبَابِ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا عَلَى الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمَا مُتَقَارِنَانِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالتَّرَتُّبِ تَوَقُّفُهُ عَلَيْهِ. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (عَلَى ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْأَمْرُ الِاعْتِبَارِيُّ وَالْأَسْبَابُ، لَكِنَّ تَرَتُّبَهُ عَلَى الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَتَرَتُّبُهُ عَلَى الْأَسْبَابِ بِوَاسِطَةِ الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْأَمْرُ الِاعْتِبَارِيُّ، وَخَرَجَ بِهُنَا مَا فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَسْبَابُ. وَفِي جَعْلِ الْمَنْعِ صِفَةً لَهُ تَجَوُّزٌ ق ل.
وَقَوْلُهُ: (تَجُوزُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادُ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقِيقَةً هُوَ الشَّارِعُ، وَالْحَدَثُ إنَّمَا هُوَ سَبَبٌ. وَاعْتُرِضَ قَوْلُهُ: يَمْنَعُ إلَخْ. بِأَنَّهُ حُكْمٌ لِلْحَدَثِ وَإِدْخَالُهُ فِي التَّعْرِيفِ يُوجِبُ الدَّوْرَ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ الْحَدَثِ حِينَئِذٍ عَلَى الْحُكْمِ لِأَخْذِهِ فِي تَعْرِيفِهِ، وَتَوَقُّفِ