للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالسَّاحَاتُ وَالْمَسَاجِدُ، وَلَوْ انْهَدَمَتْ الْأَبْنِيَةُ وَأَقَامُوا عَلَى عِمَارَتِهَا لَمْ يَضُرَّ انْهِدَامُهَا فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي مَظَالَّ لِأَنَّهَا وَطَنُهُمْ. لَا تَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ بِنَاءٍ إلَّا فِي هَذِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَزَلُوا مَكَانًا وَأَقَامُوا فِيهِ لِيَعْمُرُوهُ قَرْيَةً لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ قَبْلَ الْبِنَاءِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي الْحَالَيْنِ.

وَكَذَا لَوْ صَلَّتْ طَائِفَةٌ خَارِجَ الْأَبْنِيَةِ خَلْفَ جُمُعَةٍ مُنْعَقِدَةٍ لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ لِعَدَمِ وُقُوعِهَا فِي الْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ فِيهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.

وَتَجُوزُ فِي الْفَضَاءِ الْمَعْدُودِ مِنْ خُطَّةِ الْبَلَدِ (مِصْرًا كَانَتْ أَوْ قَرْيَةً) بِحَيْثُ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَمَا فِي السَّكَنِ الْخَارِجِ عَنْهَا الْمَعْدُودِ مِنْهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْدُودِ مِنْهَا، فَمَنْ أَطْلَقَ الْمَنْعَ فِي السَّكَنِ الْخَارِجِ عَنْهَا أَرَادَ هَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْقُرَى يُؤَخِّرُونَ الْمَسْجِدَ عَنْ جِدَارِ الْقَرْيَةِ قَلِيلًا صِيَانَةً لَهُ عَنْ نَجَاسَةِ الْبَهَائِمِ، وَعَدَمُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِيهِ بَعِيدٌ وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ بَنَى أَهْلُ الْبَلَدِ مَسْجِدَهُمْ خَارِجَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ الْبِنَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى انْفِصَالٍ لَا يُعَدُّ بِهِ مِنْ الْقَرْيَةِ اهـ.

وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الْبَزْرِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَيْ الْبَلَدُ كَبِيرًا أَوْ خَرِبَ مَا حَوَالَيْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَزُلْ حُكْمُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمُشَدَّدَةِ أَيْ الْمُصَلِّينَ الْجُمُعَةَ.

قَوْلُهُ: (وَأَقَامُوا) أَيْ أَهْلُهَا أَوْ ذُرِّيَّتُهُمْ عَلَى قَصْدِ عِمَارَتِهَا أَوْ مُطْلَقًا، أَوْ عَلَى قَصْدِ الرَّحِيلِ حَتَّى يَرْحَلُوا عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ ق ل. وَقَوْلُهُ: أَوْ ذُرِّيَّتُهُمْ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْأَهْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا وَقْتَ مَوْتِ آبَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ اهـ.

قَوْلُهُ: (عَلَى عِمَارَتِهَا) أَيْ لِأَجْلِ عِمَارَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْرَعُوا فِيهَا، فَالشَّرْطُ أَنْ يَقْصِدُوا الْعِمَارَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقُوا أَوْ قَصَدُوا عَدَمَ الْعِمَارَةِ فَتَكُونُ عَلَى فِي عِبَارَتِهِمْ بِمَعْنَى اللَّامِ، أَوْ أَنَّهُ ضَمَّنَ أَقَامُوا مَعْنَى عَزَمُوا فَعَدَّاهُ بِعَلَى وَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ فِي الصُّورَةِ الْإِطْلَاقُ. قَوْلُهُ (لِيَعْمُرُوهُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الْمِيمِ قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة: ١٨] قَوْلُهُ: (اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُودُ الْأَبْنِيَةِ فِي الْأُولَى وَعَدَمُهَا فِي الثَّانِيَةِ.

قَوْلُهُ: (خَارِجَ الْأَبْنِيَةِ) أَيْ أَوْ خَارِجَ السُّورِ، فَالْمُرَادُ أَنَّ مَا يَجُوزُ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِيهِ لِلْمُسَافِرِ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهِ وَلَوْ تَبَعًا لِأَهْلِهِ، وَكَذَا لَا تَصِحُّ الْخُطْبَةُ فِيهِ وَلَا سَمَاعُهَا مِمَّنْ هُوَ فِيهِ ق ل. قَالَ الشَّيْخُ م ر: وَلَوْ أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ فِي مَحَلٍّ تَصِحُّ فِيهِ فَامْتَدَّتْ الصُّفُوفُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَوَرَاءً مَعَ الِاتِّصَالِ الْمُعْتَبَرِ حَتَّى خَرَجَتْ إلَى خَارِجِ الْقَرْيَةِ مَثَلًا صَحَّتْ جُمُعَةُ الْخَارِجِينَ إنْ كَانُوا بِمَكَانٍ لَا يَقْصُرُ فِيهِ مَنْ سَافَرَ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، فَعَلَى هَذَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ عَلَى الْمَرَاكِبِ الرَّاسِيَةِ بِسَاحِلِ بُولَاقَ تَبَعًا لِمَنْ فِي الْمَدْرَسَةِ السِّنَانِيَّةِ النَّاشِئَةِ بِالسَّاحِلِ لِأَنَّ الْمَرَاكِبَ لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِيهَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سَيْرِهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي بَابِ الْقَصْرِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ إلَخْ) لَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى قَوْلِ شَيْخِنَا م ر بِصِحَّتِهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ لِمَنْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْقَصْرُ نَحْوِ مَنْ فِي الْمَرَاكِبِ فِي سَاحِلِ بُولَاقَ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، فَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِكَوْنِ الْمَحَلِّ مَحَلَّ قَصْرٍ وَإِنْ امْتَنَعَ فِيهِ الْقَصْرُ لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ فَتَأَمَّلْ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَتَجُوزُ فِي الْفَضَاءِ الْمَعْدُودِ) بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا أَيْ بَيْنَ خِطَّةِ الْبَلَدِ.

قَوْلُهُ: (مِصْرًا كَانَتْ أَوْ قَرْيَةً) جَعَلَهُ مُرْتَبِطًا بِلَفْظِ بَلَدِ النِّدَاءِ الَّتِي فِي الشَّارِحِ، فَلَوْ قَدَّمَهُ بِجَنْبِ الْمَتْنِ كَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا، وَالْمِصْرُ مَا فِيهِ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ وَحَاكِمٌ شُرَطِيٌّ وَأَسْوَاقٌ لِلْمُعَامَلَةِ وَالْبَلَدُ مَا فِيهِ بَعْضُ ذَلِكَ وَالْقَرْيَةُ مَا خَلَتْ عَنْ الْجَمِيعِ. وَخَصَّ أَبُو حَنِيفَةَ الصِّحَّةَ بِالْمِصْرِ اهـ ق ل وَقَوْلُهُ أَوْ قَرْيَةً. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَسْكُنْ الْكُفُورَ فَإِنَّ سَاكِنَ الْكُفُورِ كَسَاكِنِ الْقُبُورِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ثَوْبَانَ. وَالْمُرَادُ بِالْكُفُورِ الْقُرَى الْبَعِيدَةِ عَنْ الْمُدُنِ الَّتِي هِيَ مَجْمَعُ الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ كَمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ) أَيْ بِمَكَانٍ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ قَوْلُهُ: (فِي السَّكَنِ) كَزَرِيبَةٍ خَارِجَةٍ عَنْهَا أَيْ غَيْرِ مُتَّصِلَةٍ بِأَبْنِيَتِهَا لَكِنَّهَا دَاخِلَةُ السُّورِ.

قَوْلُهُ: (الْبَزْرِيِّ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ: وَغَرَضُ ابْنِ الْبَزْرِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي اتِّصَالُ الْمَسْجِدِ إمَّا بِالْفِعْلِ أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْبَارِزِيُّ مَرْحُومِيٌّ. قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>