صَلَاتِهِمْ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُحْدِثَ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا بِخِلَافِهَا خَارِجَ الْوَقْتِ.
وَالرَّابِعُ مِنْ الشُّرُوطِ وُجُودُ الْعَدَدِ كَامِلًا مِنْ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ الْأُولَى إلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ لَتَخْرُجَ مَسْأَلَةُ الِانْفِضَاضِ الْمُتَقَدِّمَةُ.
وَالْخَامِسُ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَسْبِقَهَا وَلَا يُقَارِنَهَا جُمُعَةٌ فِي مَحَلِّهَا وَلَوْ عَظُمَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدِينَ لَمْ يُقِيمُوا سِوَى جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ إظْهَارِ شِعَارِ الِاجْتِمَاعِ وَاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ فِعْلُهَا فِي مَسْجِدَيْنِ لَجَازَ فِي مَسَاجِدِ الْعَشَائِرِ، وَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا إلَّا إذَا كَبُرَ الْمَحَلُّ وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَان بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ الْجُمُعَةِ مَوْضِعٌ يَسَعُهُمْ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَا غَيْرَ مَسْجِدٍ فَيَجُوزُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعُ مِنْ الشُّرُوطِ) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرُ الشُّرُوطِ الزَّائِدَةِ بَعْدَ فَرَاغِ كَلَامِ الْمَتْنِ أَوْ كَانَ يَذْكُرُ هَذَا الرَّابِعَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَأَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ إلَخْ، بِأَنْ يَزِيدَ وَيَقُولَ مِنْ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (لِتَخْرُجَ مَسْأَلَةُ الِانْفِضَاضِ) أَيْ فَإِنَّ فِيهَا تَفْصِيلًا، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَحْرَمَ أَرْبَعُونَ قَبْلَ انْفِضَاضِ الْأَوَّلِينَ تَمَّتْ لَهُمْ الْجُمُعَةُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنْ أَحْرَمُوا عَقِبَ انْفِضَاضِ الْأَوَّلِينَ تَمَّتْ لَهُمْ الْجُمُعَةُ أَيْضًا بِشَرْطِ أَنْ يَسْمَعُوا الْخُطْبَةَ وَأَنْ يَكُونَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَأَنْ يُدْرِكُوا الْفَاتِحَةَ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ رَفْعِهِ عَنْ أَقِلِّ الرُّكُوعِ وَإِلَّا فَلَا. وَخُرُوجُ مَسْأَلَةِ الِانْفِضَاضِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَحْرَمُوا قَبْلَ انْفِضَاضِ الْأَوَّلِينَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا الْخُطْبَةَ حِينَئِذٍ، وَإِنْ انْفَضُّوا فِي الْخُطْبَةِ وَحَضَرَ آخَرُونَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْأَرْكَانِ حَالَ الْغَيْبَةِ لَمْ يَكْفِ، إذْ شَرْطُ الصِّحَّةِ سَمَاعُ الْأَرْكَانِ. فَإِنْ عَادَ الْمُنْفَضُّونَ عَنْ قُرْبٍ وَلَمْ يَفُتْهُمْ رُكْنٌ جَازَ بِنَاءً عَلَى مَا مَضَى وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ لِتَرْكِ الْمُوَالَاةِ اهـ أج. فَخُرُوجُهَا بِالنِّسْبَةِ لِطُولِ الْفَصْلِ تَأَمَّلْ وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِمَسْأَلَةِ الِانْفِضَاضِ نَقْصُهُمْ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي الْخُطْبَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَظُمَ إلَخْ) وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ إذَا عَظُمَ الْبَلَدُ وَعَسُرَ الِاجْتِمَاعُ تَعَدُّدُ الْجُمُعَةُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدَةٍ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ هَذَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مِنْ وُجُوبِ تَعَدُّدِ مَحَالِّهَا لِأَجْلِ ظُهُورِ الشِّعَارِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: اعْتَنَوْا بِالْجُمُعَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ فِي الْأُسْبُوعِ مَرَّةً فَلَمْ يَنْظُرُوا لِلْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ ح ل.
قَوْلُهُ: (مِنْ إظْهَارِ شِعَارِ الِاجْتِمَاعِ) إضَافَتُهُ لِمَا بَعْدَهُ بَيَانِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (فِي مَسَاجِدِ الْعَشَائِرِ) وَهِيَ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا أَهْلُ الْحَارَةِ لِلصَّلَاةِ وَقِيلَ مَسَاجِدُ الْعَشَائِرِ هِيَ مَسَاجِدُ الْقَبَائِلِ لِكُلِّ قَبِيلَةٍ مَسْجِدٌ وَقَالَ م د قِيلَ مَسَاجِدُ الْعَشَائِرِ مَسَاجِدُ فِي الْمَدِينَةِ خَارِجَهَا كَانُوا يَتْرُكُونَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَأْتُونَ مَسْجِدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا) هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي فَكَأَنَّهُ قَالَ مَحَلُّ الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ مَا إذَا لَمْ يَعْسُرْ الِاجْتِمَاعُ وَإِلَّا جَازَ.
قَوْلُهُ: (كَبُرَ الْمَحَلُّ) بِكَسْرِ الْبَاءِ فِي الْمَحْسُوسَاتِ كَمَا هُنَا وَبِضَمِّهَا فِي الْمَعَانِي نَحْوِ {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ} [الصف: ٣] هَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَوَاشِي وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ كَسْرَ الْبَاءِ وَاجِبٌ فِي السِّنِّ وَيَجِبُ ضَمُّهَا فِي الْجِسْمِ كَمَا هُنَا وَالْمَعْنَى وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ
كَبِرْت بِكَسْرِ الْبَاءِ فِي السِّنِّ وَاجِبٌ ... مُضَارِعُهُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ يَا صَاحِ
وَفِي الْجِسْمِ وَالْمَعْنَى كَبُرْت بِضَمِّهَا ... مُضَارِعُهُ بِالضَّمِّ جَاءَ بِإِيضَاحِ
ع ش