للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَافْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالصَّلَاةِ، وَلَفْظُ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ مُتَعَيَّنٌ لِلِاتِّبَاعِ، فَلَا يُجْزِئُ الشُّكْرُ وَالثَّنَاءُ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ يُجْزِئُ أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ أَوْ لِلَّهِ الْحَمْدُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْجَلَالَةِ فَلَا يُجْزِئُ الْحَمْدُ لِلرَّحْمَنِ أَوْ نَحْوُهُ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ بَلْ يُجْزِئُ نُصَلِّي أَوْ أُصَلِّي أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ مُحَمَّدٍ بَلْ يَكْفِي أَحْمَدُ أَوْ النَّبِيُّ أَوْ الْمَاحِي أَوْ الْحَاشِرُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا يَكْفِي رَحِمَ اللَّهُ مُحَمَّدًا أَوْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَثَالِثُهَا: الْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى لِأَنَّ الْغَرَضَ الْوَعْظُ وَالْحَثُّ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَكْفِي أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَاقِبُوهُ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَرْكَانٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ وَرَابِعُهَا: قِرَاءَةُ آيَةٍ فِي إحْدَاهُمَا لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْخُطْبَةِ دُونَ تَعْيِينٍ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَخُطْبَةٌ أَرْكَانُهَا قَدْ تُعْلَمُ ... خَمْسَةٌ تُعَدُّ يَا أَخِي وَتُفْهَمُ

حَمْدُ الْإِلَهِ وَالصَّلَاةُ الثَّانِي ... عَلَى نَبِيٍّ جَاءَ بِالْقُرْآنِ

وَصِيَّةٌ ثُمَّ الدُّعَاء لِلْمُؤْمِنِينْ ... وَآيَةٌ مِنْ الْكِتَابِ الْمُسْتَبِينْ

قَوْلُهُ: (افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ ذِكْرِهِ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّ الذِّكْرَ أَعَمُّ تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَلَفْظُ الْحَمْدِ) أَيْ مَادَّتُهُ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْحَمْدِ أَيْ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ) كَالْبَشِيرِ أَوْ النَّذِيرِ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعَيُّنِ لَفْظِ الْجَلَالَةِ فِي الْحَمْدِ لِلَّهِ بِأَنَّ لَهَا مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهَا مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ لِأَنَّهَا قُطْبُهَا لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِهَا سَائِرُ صِفَاتِ الْكَمَالِ. اهـ. سم. وَعِبَارَةُ أج: فَإِنْ قُلْتَ لِمَ تَعَيَّنَ لَفْظُ الْجَلَالَةِ فِي الْحَمْدِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الصَّلَاةِ. قُلْتُ: قَالَ سم. إنَّ لِلَفْظِ الْجَلَالَةِ بِالنِّسْبَةِ لِبَقِيَّةِ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ مَزِيَّةً تَامَّةً، فَإِنَّ لَهُ الِاخْتِصَاصَ التَّامَّ بِهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ بِهِ سِوَاهُ وَيُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ سَائِرُ صِفَاتِ الْكَمَالِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، وَلَا كَذَلِكَ لَفْظُ مُحَمَّدٍ مِنْ أَسْمَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. أَيْ أَنَّ لَفْظَ مُحَمَّدٍ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ سَائِرُ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَلِهَذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَفْظُهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يَكْفِي الْإِتْيَانُ بِالضَّمِيرِ وَإِنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (الْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى) وَهِيَ امْتِثَالُ أَوَامِرِ اللَّهِ وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْغَرَضَ الْوَعْظُ) قَدْ يُقَالُ وَالْغَرَضُ مِنْ الْحَمْدِ الثَّنَاءُ وَمِنْ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِغَيْرِ لَفْظِهِمَا فَمَا الْفَرْقُ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَمْدَ وَالصَّلَاةَ تُعُبِّدَ بِلَفْظِهِمَا فَتَعَيَّنَتَا وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَالْحَثُّ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ) أَيْ أَوْ الزَّجْرُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ فَيَكْفِي أَحَدُ هَذَيْنِ لِاسْتِلْزَامِ كُلٍّ الْآخَرَ. وَقَوْلُ م ر: بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْحَثِّ عَلَى الطَّاعَةِ أَيْ مُطَابَقَةً أَوْ اسْتِلْزَامًا اهـ أج. مُلَخَّصًا. وَلَا يَكْفِي اقْتِصَارُهُ فِيهَا عَلَى التَّحْذِيرِ مِنْ غُرُورِ الدُّنْيَا وَزَخْرَفَتِهَا، فَقَدْ يَتَوَاصَى بِهِ مُنْكِرُو الْمَعَادِ أَيْ يَكُونُ وَصِيَّةً لَهُ بِتَرْكِ غُرُورِ الدُّنْيَا وَزَخْرَفَتِهَا اهـ شَرْحُ م ر. «وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوَاظِبُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى فِي خُطْبَتِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَفِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ، وَيَقُولُ بُعِثْت أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ» كَمَا فِي شَرْحِ الدَّمِيرِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَرَاقِبُوهُ) أَيْ أَوْ رَاقِبُوهُ؛ فَالْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ " فَيَكْفِي أَحَدُهُمَا.

قَوْلُهُ: (قِرَاءَةُ آيَةٍ) أَيْ مُفْهِمَةٍ وَعْدًا أَوْ وَعِيدًا أَوْ وَعْظًا أَوْ غَيْرِهَا، وَمِثْلُهَا بَعْضُ آيَةٍ طَوِيلَةٍ. وَخَالَفَهُ فِي التُّحْفَةِ فَقَالَ: لَا يُكْتَفَى بِبَعْضِ آيَةٍ وَإِنْ طَالَ اهـ. فَخَرَجَ نَحْوُ {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: ٢١] إلَخْ لِعَدَمِ الْإِفْهَامِ. وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِآيَةٍ نُسِخَ حُكْمُهَا وَبَقِيَتْ تِلَاوَتُهَا وَعَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِآيَةٍ نُسِخَتْ تِلَاوَتُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا، فَالْأُولَى قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: ٢٤٠] وَالثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى. " الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ " أَيْ الْمُحْصَنُ وَالْمُحْصَنَةُ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>