للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِجَابَةِ مُسْتَغْرِقَةٌ لِمَا بَيْنَ الْجُلُوسِ وَآخِرِ الصَّلَاةِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ السَّاعَةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ فَإِنَّهَا لَحْظَةٌ لَطِيفَةٌ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عِنْدَ ذِكْرِهِ إيَّاهَا «وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا» وَأَمَّا لَيْلَتُهَا فَلِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بَلَغَنِي أَنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَلِلْقِيَاسِ عَلَى يَوْمِهَا.

وَيُسَنُّ كَثْرَةُ الصَّدَقَةِ وَفِعْلُ الْخَيْرِ فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا، وَيُكْثِرُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا لِخَبَرِ: «إنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» وَخَبَرِ «أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

ابْتِدَاءِ الْخُطْبَةِ، وَلَا يُعَارِضُ خَبَرَ: «الْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» فَقَدْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مُنْتَقِلَةٌ تَكُونُ يَوْمًا فِي وَقْتٍ وَيَوْمًا فِي وَقْتٍ آخَرَ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ وَقْتَ الْخُطْبَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَوْقَاتِ الْبُلْدَانِ بَلْ الْبَلْدَةِ الْوَاحِدَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِي حَقِّ أَهْلِ كُلِّ مَحَلٍّ مِنْ جُلُوسِ الْخَطِيبِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا مُبْهَمَةٌ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَقَدْ يُصَادِفُهَا أَهْلُ مَحَلٍّ دُونَ غَيْرِهِ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ شَرْحُ م ر. وَعِبَارَةُ سم: لَا يَخْفَى أَنَّ وَقْتَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْخُطَبَاءِ لِاخْتِلَافِ وَقْتِ الْخُطْبَةِ بِاخْتِلَافِ الْخُطَبَاءِ، بَلْ يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ الْخَطِيبِ الْوَاحِدِ إذْ قَدْ يَتَقَدَّمُ فِي بَعْضِ الْجُمَعِ وَيَتَأَخَّرُ فِي بَعْضٍ، فَهَلْ تِلْكَ السَّاعَةُ مُتَعَدِّدَةٌ فَهِيَ فِي حَقِّ كُلِّ خَطِيبٍ مَا بَيْنَ جُلُوسِهِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ وَتَخْتَلِفُ فِي حَقِّ الْخَطِيبِ الْوَاحِدِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَظَاهِرُ الْخَبَرِ التَّعَدُّدُ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ. ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا ابْنَ حَجَرٍ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لَمْ يَزَلْ فِي نَفْسِي ذَلِكَ مُنْذُ سِنِينَ حَتَّى رَأَيْتُ النَّاشِرِيَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِي حَقِّ جَمَاعَةٍ غَيْرِهَا فِي حَقِّ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ. وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: سَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِي حَقِّ كُلِّ خَطِيبٍ وَسَامِعِيهِ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ كَمَا صَرَّحَ فِي الْحَدِيثِ، فَلَا دَخْلَ لِلْعَقْلِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ صِحَّةِ النَّقْلِ فِيهِ. وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ تِلْكَ السَّاعَةَ تَنْتَقِلُ، فَقَدْ يُصَادِفُهَا أَهْلُ مَحَلٍّ وَلَا يُصَادِفُهَا أَهْلُ مَحَلٍّ آخَرَ.

قَوْلُهُ: (إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَدْعُو حَالَ التَّلَبُّسِ بِالْخُطْبَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ أَمْرُهُ بِالْإِنْصَاتِ حَالَ الْخُطْبَةِ. وَأَجَابَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الدُّعَاءِ التَّلَفُّظُ بَلْ اسْتِحْضَارُ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ كَافٍ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: إنَّ الدُّعَاءَ يَكُونُ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَتِحَ الْخُطْبَةَ أَوْ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ أَوْ بَيْنَ الْخُطْبَةِ الْأُولَى وَالصَّلَاةِ أَوْ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ؛ وَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ أَظْهَرُ اهـ أج قَوْلُهُ: (بَلَغَنِي) أَيْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهُوَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ

قَوْلُهُ: (وَيُكْثِرُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَأَقَلُّ الْإِكْثَارِ مِنْهَا ثَلَثُمِائَةِ مَرَّةٍ. فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي خُصُوصِيَّةِ الْإِكْثَارِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا؟ أَجَابَ ابْنُ الْقَيِّمِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدُ الْأَنَامِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الْأَيَّامِ فَلِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَزِيَّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ، مَعَ حِكْمَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ كُلَّ خَيْرٍ نَالَتْهُ أُمَّتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَإِنَّمَا نَالَتْهُ عَلَى يَدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَجَمَعَ اللَّهُ لِأُمَّتِهِ بَيْنَ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعْظَمُ كَرَامَةٍ تَحْصُلُ لَهُمْ فَإِنَّهَا تَحْصُلُ لَهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ فِيهِ بَعْثَهُمْ إلَى مَنَازِلِهِمْ وَقُصُورِهِمْ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ يَوْمُ الْمَزِيدِ لَهُمْ إذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ وَهُوَ عِيدٌ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمٌ يُسْعِفُهُمْ اللَّهُ فِيهِ بِطَلَبَاتِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ وَلَا يَرُدُّ سَائِلَهُمْ؛ وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا عَرَفُوهُ وَحَصَلَ لَهُمْ بِسَبَبِهِ وَعَلَى يَدِهِ فَنَاسَبَ أَنْ يُكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَيْلَتِهِ قَوْلُهُ: (فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ كُلَّ وَقْتٍ الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتِهَا أَمَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتِهَا فَيَسْمَعُهَا أَيْ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ اهـ. قُلْتُ: وَكَوْنُهَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ السَّمَاعَ، أَيْ فَيَسْمَعُهَا وَتُعْرَضُ عَلَيْهِ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْضُرُ مَجَالِسَ الذِّكْرِ وَإِنَّ بَعْضَهُمْ اجْتَمَعَ بِهِ، فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُوحُ جَسَدِ الْكَوْنَيْنِ اهـ أج. وَقَالَ السِّمِلَّاوِيُّ فِي شَرْحِ الْفَضَائِلِ: وَقَدْ يَسْمَعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ مِنَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِأُذُنَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي أَقْصَى الْأَرْضِ، وَفِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ يَسْمَعُ صَلَاةَ مَنْ أَخْلَصَ فِي مَحَبَّتِهِ وَتُبَلِّغُهُ الْمَلَائِكَةُ صَلَاةَ غَيْرِهِ؛ قَالَهُ ق ل اهـ.

وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُهُ نَقْلًا عَنْ ابْنِ حَجَرٍ عَلَى الْهَمَزِيَّةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْمَعُ صَلَاةَ الْقَرِيبِ مِنْهُ قُرْبًا عَادِيًا بِأَنْ كَانَ فِي الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>