بِإِمَامَيْنِ بِالتَّعَاقُبِ جَائِزَةٌ كَمَا فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ، وَكَذَا لَوْ خَلَفَهُ غَيْرُ مُقْتَدٍ بِهِ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ إنْ لَمْ يُخَالِفْ إمَامَهُ فِي نَظْمِ صَلَاتِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ فِي الْجُمُعَةِ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى تَمَّتْ جُمُعَةُ الْخَلِيفَةِ وَالْمُقْتَدِينَ وَإِلَّا
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَهَذَا، أَيْ قَوْلُهُ " إلَّا بِالسَّلَامِ " يُحْمَلُ عَلَى مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ، فَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ فِيمَنْ لَهُ عُذْرٌ وَأَمْكَنَ زَوَالُهُ مِنْ أَنَّ الْيَأْسَ يَحْصُلُ بِرَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ؛ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ لِمَنْ مَرَّ ثَمَّ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ إدْرَاكِهَا فَضِيلَةَ تَعْجِيلِ الظُّهْرِ؛ بِخِلَافِ مَنْ هُنَا فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَازِمَةٌ لَهُ فَلَا يَبْتَدِئُ غَيْرَهَا مَعَ قِيَامِ احْتِمَالِ إدْرَاكِهَا شَرْحِ الْمَنْهَجِ.
(قَوْلُهُ جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) خَلَفَهُ عَنْ قُرْبٍ أَوْ لَا، هَذِهِ أَرْبَعَةٌ وَسَوَاءٌ كَانَ مُقْتَدِيًا بِهِ أَوْ لَا، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي الْأَرْبَعَةِ؛ وَسَوَاءٌ كَانَ مُوَافِقًا لِنَظْمِ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَوْ لَا؛ وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي ثَمَانِيَةٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ، وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ الِاسْتِخْلَافِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ جَازَ مُطْلَقًا، يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ الْخَلِيفَةُ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ قَبْلَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ أَمْ لَا خَلَفَهُ عَنْ قُرْبٍ أَمْ لَا، لَكِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ لِتَجْدِيدِ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ فِي هَذِهِ وَفِيمَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ وَخَالَفَ نَظْمُ صَلَاتِهِ نَظْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا وَلَمْ يُخَالِفْ نَظْمُ صَلَاتِهِ صَلَاةَ الْإِمَامِ فَلَا يَحْتَاجُونَ لِتَجْدِيدِ نِيَّةِ اقْتِدَاءٍ؛ أَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِهِ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ وَأَنْ يَكُونَ عَنْ قُرْبٍ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ طَالَ الْفَصْلُ امْتَنَعَ اسْتِخْلَافٌ فِي الْجُمُعَةِ لِاحْتِيَاجِ الْمُقْتَدِينَ فِيهِمَا إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ الْمُؤَدِّي لِإِنْشَاءِ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى أَوْ لِفِعْلِ الظُّهْرِ، أَيْ مِنْ الْخَلِيفَةِ، مَعَ إمْكَانِ الْجُمُعَةِ؛ وَكُلُّ مُمْتَنِعٍ. هَذَا كُلُّهُ بِالنَّظَرِ لِجَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ قُرْبٍ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ انْفَرَدُوا بِرُكْنٍ، فَإِنَّ الِاسْتِخْلَافَ يَمْتَنِعُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ تَجْدِيدِ نِيَّةٍ اقْتِدَاءً مِنْ الْمَأْمُومِينَ وَفِيهَا مُطْلَقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَقَالَ ع ش: قَوْلُهُ: " عَنْ قُرْبٍ " بِأَنْ لَمْ يَنْفَرِدُوا بِرُكْنٍ قَوْلِيٍّ أَوْ فِعْلِيٍّ أَوْ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ وُقُوعُ رُكْنٍ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ بُطْلَانِهَا) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ " مُقْتَدٍ ". قَوْلُهُ: (جَازَ) أَيْ الِاسْتِخْلَافُ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي أُولَى الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ وَسَوَاءٌ اسْتَخْلَفَهُ الْإِمَامُ أَمْ الْقَوْمُ أَمْ بَعْضُهُمْ، وَلَوْ اسْتَخْلَفُوا وَاحِدًا وَالْإِمَامُ آخَرَ فَمُقَدَّمُهُمْ أَوْلَى مَا لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ رَاتِبًا اهـ. وَقَوْلُهُ: " وَكَذَا لَوْ خَلَفَهُ غَيْرُ مُقْتَدٍ بِهِ " أَيْ عَنْ قُرْبٍ.
قَوْلُهُ: فِي «قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ أَيْ حَيْثُ كَانَ يُصَلِّي إمَامًا بِالنَّاسِ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَحَسَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخِفَّةِ يَوْمًا فَدَخَلَ يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ مُحْرِمٌ بِالنَّاسِ، فَتَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ وَقَدَّمَهُ وَاقْتَدَى بِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْإِمَامَةِ» . لَكِنْ فِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بَلْ أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ الْإِمَامَةِ وَتَأَخَّرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقْتَدَى بِهِ، وَالْمُدَّعَى أَنَّ الصَّلَاةَ بَطَلَتْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا جَازَ الِاسْتِخْلَافُ مَعَ عَدَمِ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَمَعَ بُطْلَانِهَا بِالْأَوْلَى ح ل بِاخْتِصَارٍ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِلتَّعْلِيلِ لَا لِلْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ خَلَفَهُ إلَخْ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ مُقْتَدٍ وَقَيَّدَهُ بِقَيْدَيْنِ، الْأَوَّلُ: لِصِحَّةِ الِاسْتِخْلَافِ، وَالثَّانِي: لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ لِنِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يُخَالِفْ إمَامَهُ) أَيْ إمَامَ غَيْرِ الْجُمُعَةِ، أَوْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْخَلِيفَةِ. وَسُمِّيَ إمَامُهُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ مُتِمٌّ مَا فَعَلَهُ فَكَأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ مُقْتَدٍ بِهِ. وَكَتَبَ ق ل عَلَى قَوْلِهِ: " إنْ لَمْ يُخَالِفْ إلَخْ ": أَيْ وَاسْتَخْلَفَهُ عَنْ قُرْبٍ. وَهَذَانِ الْقَيْدَانِ لِصَيْرُورَةِ الْخَلِيفَةِ إمَامًا لَهُمْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ مِنْهُمْ، وَإِلَّا فَلَا يَصِيرُ إمَامًا لَهُمْ إلَّا بِنِيَّتِهِمْ الِاقْتِدَاءَ بِهِ. وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ: إنْ لَمْ يُخَالِفْ إمَامَهُ فِي نَظْمِ صَلَاتِهِ بِأَنْ اسْتَخْلَفَ فِي الْأُولَى أَوْ فِي ثَالِثَةِ الرُّبَاعِيَّةِ، فَإِنْ اسْتَخْلَفَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الْأَخِيرَةِ لَمْ يَجُزْ بِلَا تَجْدِيدِ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ، أَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا لِأَنَّ فِيهِ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى إنْ نَوَى الْخَلِيفَةُ الْجُمُعَةَ أَوْ فَعَلَ الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ، أَيْ إنْ نَوَى الظُّهْرَ؛ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ لُزُومِ الْجُمُعَةِ وَلَا يَرِدُ الْمَسْبُوقُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَا مُنْشِئٌ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَإِذَا اُسْتُخْلِفَ رَاعَى نَظْمَ صَلَاتِهِمْ فَيَتَشَهَّدُ فِي ثَانِيَتِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ أُولَى لَهُ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ " وَإِذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ إمَامٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْجُمُعَةِ " فَهُوَ مُفَرِّعٌ عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ، وَعِبَارَةُ م ر: ثُمَّ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى) بِأَنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ فَوَاتِ الرُّكُوعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute