للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَ الْكَلَامِ حَيْثُ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ صَعِدَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ مَا لَمْ يَبْتَدِئْ الْخُطْبَةَ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ حَيْثُ تَحْرُمُ حِينَئِذٍ أَنَّ قَطْعَ الْكَلَامِ هَيِّنٌ مَتَى ابْتَدَأَ الْخَطِيبُ الْخُطْبَةَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ قَدْ يَفُوتُهُ بِهَا سَمَاعُ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ، وَإِذَا حُرِّمَتْ لَمْ تَنْعَقِدْ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ لَهَا تَتِمَّةٌ: مَنْ أَدْرَكَ مَعَ إمَامِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً وَلَوْ مُلَفَّقَةً لَمْ تَفُتْهُ الْجُمُعَةُ فَيُصَلِّي بَعْدَ زَوَالِ قُدْوَتِهِ بِمُفَارَقَتِهِ أَوْ سَلَامِهِ رَكْعَةً وَيُسَنُّ أَنْ يَجْهَرَ فِيهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» وَإِنْ أَدْرَكَ دُونَ الرَّكْعَةِ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ فَيُتِمُّ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ ظُهْرًا، وَيَنْوِي وُجُوبًا فِي اقْتِدَائِهِ جُمُعَةً مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ، وَلِأَنَّ الْيَأْسَ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا إلَّا بِالسَّلَامِ.

وَإِذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ إمَامِ جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَخَلَفَهُ عَنْ قُرْبٍ مُقْتَدٍ بِهِ قَبْلَ بُطْلَانِهَا جَازَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْأَرْبَعَةِ قَوْلُهُ: (لَمْ تَنْعَقِدْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ أَنَّ النَّهْيَ هُنَا لِذَاتِ الصَّلَاةِ وَهُنَاكَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ شَغْلُ مِلْكِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ) أَيْ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَمَا لَا تُدْرَكُ بِهِ وَجَوَازُ الِاسْتِخْلَافِ وَعَدَمِهِ وَمَا يَجُوزُ لِلْمَزْحُومِ وَمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (مَعَ إمَامِ الْجُمُعَةِ) مُرَادُهُ بِهِ الْجِنْسُ لِيَشْمَلَ الْإِمَامَ الْأَصْلِيَّ وَخَلِيفَتَهُ. وَخَرَجَ بِإِمَامِ الْجُمُعَةِ غَيْرُهُ، كَأَنْ اقْتَدَى بِإِمَامِ الْجُمُعَةِ مَسْبُوقٌ ثُمَّ لَمَّا سَلَّمَ إمَامُ الْجُمُعَةِ وَقَامَ الْمَسْبُوقُ لِيَأْتِيَ بِالرَّكْعَةِ الَّتِي عَلَيْهِ اقْتَدَى بِهِ آخَرُ وَنَوَى الْجُمُعَةَ وَأَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً فَلَا يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ بِذَلِكَ بَلْ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْجُمُعَةِ حِينَئِذٍ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إنْشَاءِ جُمُعَةٍ فَأَكْثَرَ بَعْدَ أُخْرَى كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: قَوْلُهُ " مَعَ إمَامِ الْجُمُعَةِ " احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ أَدْرَكَهَا مَعَ مَسْبُوقٍ فَلَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا، وَخَالَفَهُ حَجّ فَأَفْتَى بِإِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مَعَ مَسْبُوقٍ قَامَ يُتِمُّ صَلَاتَهُ قَوْلُهُ: (رَكْعَةً) بِأَنْ يُدْرِكَ مَعَ الْإِمَامِ رُكُوعَهَا وَسَجْدَتَيْهَا شَرْحُ م ر. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعٍ مَحْسُوبٍ لَهُ لَا كَمُحْدِثٍ وَأَتَمَّ مَعَهُ الرَّكْعَةَ اهـ قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُلَفَّقَةً) أَيْ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ كَمَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الزَّحْمَةِ وَالْغَايَةِ لِلرَّدِّ قَوْلُهُ: (لَمْ تَفُتْهُ الْجُمُعَةُ) أَيْ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْجَمَاعَةِ وَالْعَدَدِ إلَى تَمَامِ الرَّكْعَةِ، فَلَوْ فَارَقَهُ الْقَوْمُ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ شَخْصٌ وَصَلَّى رَكْعَةً لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الْجُمُعَةُ لِفَقْدِ شَرْطِ وُجُودِ الْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمَهُ فِي الشُّرُوطِ ع ش عَلَى م ر قَوْلِهِ: (بِمُفَارَقَتِهِ) أَيْ الْمَأْمُومِ إمَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ إمَّا بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَالْمُرَادُ بِالْمُفَارَقَةِ الْأَعَمُّ، وَقَوْلُهُ (" أَوْ بِسَلَامِهِ ") أَيْ الْإِمَامِ. وَكَانَ الْأَوْلَى الْإِظْهَارُ بِأَنْ تَقُولَ: " أَوْ بِسَلَامِ الْإِمَامِ " لِأَنَّ فِي كَلَامِهِ تَشْتِيتَ الضَّمَائِرِ.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يَجْهَرَ فِيهَا) وَيُلْغِزَ بِهَا وَيُقَالُ: لَنَا مُنْفَرِدٌ يُصَلِّي بَعْدَ الزَّوَالِ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ يَجْهَرُ فِيهَا قَوْلُهُ: (فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ) أَيْ الْجُمُعَةَ أَيْ أَدْرَكَهَا حُكْمًا لَا ثَوَابًا كَامِلًا شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَدْرَكَ دُونَ الرَّكْعَةِ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ فَيُتِمُّ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ ظُهْرًا) إنَّمَا لَمْ يَقُلْ أَوْ مُفَارَقَتِهِ مَعَ مُنَاسَبَتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمُفَارَقَةُ إذَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْإِمَامَ يَتَذَكَّرُ تَرْكَ رُكْنٍ فَيَأْتِي بِهِ فَيُدْرِكُ مَعَهُ رَكْعَةً اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُتَابِعُهُ فِي الزَّائِدِ. وَيُعَارِضُهُ قَوْلُهُمْ: لَا يُتَابِعُ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ فِي الزَّائِدِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ سَهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَأْمُومَ عَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ تَرَكَ رُكْنًا بِأَنْ أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِذَلِكَ أَوْ كَتَبَ لَهُ الْإِمَامُ بِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ ح ل وز ي.

قَوْلُهُ: (وَيَنْوِي وُجُوبًا) أَيْ إنْ كَانَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، فَيَنْوِي ذَلِكَ اسْتِحْبَابًا.

وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الرَّوْضِ وَالْأَنْوَارِ حَيْثُ عَبَّرَ الْأَوَّلُ بِالِاسْتِحْبَابِ وَالثَّانِي بِالْوُجُوبِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَلَمْ يَنْوِ الْجُمُعَةَ كَأَنْ نَوَى الظُّهْرَ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْجُمُعَةِ حِينَئِذٍ عَلَى مَنْ ذُكِرَ ح ل، أَيْ لِأَنَّهُ لَا مُوَافَقَةَ هُنَا؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَنْوِي الْجُمُعَةَ مُطْلَقًا أَيْ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ الثَّانِي ح ف.

قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْيَأْسَ) لَا يُقَالُ السَّلَامُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْيَأْسُ بِمُجَرَّدِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَذَكَّرَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ تَرْكَ رُكْنٍ فَيَعُودُ إلَيْهِ فَيَضُمُّ إلَى مَا قَبْلَ السَّلَامِ مَا بَعْدَهُ عِنْدَ قُرْبِ الْفَصْلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِالسَّلَامِ زَالَتْ الْقُدْوَةُ وَالْأَصْلُ التَّمَامُ. وَإِنَّمَا نَظَرَ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ مَعَ قِيَامِ الصَّلَاةِ لِتَقَوِّيهِ بِقِيَامِهَا وَقَدْ ضَعُفَ بِالسَّلَامِ، وَلَوْ نَظَرَ لِذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْ بِقُرْبِ الْفَصْلِ لِاحْتِمَالِ التَّذَكُّرِ مَعَ الطُّولِ فَيَسْتَأْنِفُ فَلْيُتَأَمَّلْ، شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (إلَّا بِالسَّلَامِ) إذْ قَدْ يَتَدَارَكُ إمَامُهُ تَرْكَ رُكْنٍ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ فَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>