للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْنُ الْقَمَرِ كَمَدًا فِي وَجْهِ الشَّمْسِ فَيُظَنُّ ذَهَابُ ضَوْئِهَا، وَأَمَّا خُسُوفُ الْقَمَرِ فَحَقِيقَةٌ بِذَهَابِ ضَوْئِهِ لِأَنَّ ضَوْءَهُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَكُسُوفَهُ بِحَيْلُولَةِ ظِلِّ الْأَرْضِ بَيْنَ الشَّمْسِ وَبَيْنَهُ فَلَا يَبْقَى فِيهِ ضَوْءٌ أَلْبَتَّةَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ الشَّمْسَ أَضْعَافُ الْقَمَرِ فَكَيْفَ يَحْجُبُ الْأَصْغَرُ الْأَكْبَرَ إذَا قَابَلَهُ؟ قَسْطَلَّانِيٌّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. وَسُئِلَ م ر: هَلْ الْقَمَرُ فِي كُلِّ شَهْرٍ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي آخَرَ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ قَمَرًا جَدِيدًا. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ قُرْصِ الشَّمْسِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَقُرْصِ الْقَمَرِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّمْسَ يُؤْذَنُ لَهَا أَنْ تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ لِلَّهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَالْقَمَرَ لَا يُؤْذَنُ لَهُ إلَّا لَيْلَةَ الرَّابِعَ عَشْرَ مِنْ الشَّهْرِ، فَإِذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ يَزِيدُ كُلَّ لَيْلَةٍ فَرَحًا أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي السُّجُودِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْقُصُ وَيَدُقُّ غَمًّا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَالْكُسُوفُ لُغَةً: التَّغَيُّرُ إلَى السَّوَادِ، يُقَالُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ إذَا اسْوَدَّتْ وَذَهَبَ شُعَاعُهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ كَاسِفُ الْحَالِ أَيْ مُتَغَيِّرُهُ، وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْخُسُوفُ الْمَحْوُ وَالْكُسُوفُ الِاسْتِتَارُ.

قَوْلُهُ: (بِظُلْمَتِهِ) أَيْ بِجِرْمِهِ الْمُظْلِمِ ق ل.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ضُوءَهُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ) أَيْ مُسْتَفَادٌ.

قَوْلُهُ: (بِحَيْلُولَةِ ظِلِّ الْأَرْضِ) أَيْ جِرْمِهَا كَمَا هُوَ الصَّوَابُ. اهـ. ق ل. وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الشَّمْسُ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَهُوَ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ صَالِحَةٌ، فَإِذَا حَالَ جِرْمُ الْأَرْضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا انْمَحَى النُّورُ عَنْ جِرْمِهِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ الْخُسُوفُ إلَّا فِي أَنْصَافِ الْأَشْهُرِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ وَمَا وَقَعَ فِي غَيْرِهَا فَمِنْ خَرْقِ الْعَادَاتِ وَاَللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الشَّمْسَ قَدْرَ الْأَرْضِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً وَجَعَلَ سَيْرَهَا فِي الْبُرُوجِ مِنْ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ لِأَنَّ الْبُرُوجَ اثْنَا عَشْرَ وَهِيَ تَسِيرُ فِي كُلِّ شَهْرٍ فِي بُرْجٍ مِنْهَا فَتَرْجِعُ فِي السَّنَةِ إلَى الْمَنْزِلِ الَّذِي ابْتَدَأَتْ مِنْهُ السَّيْرَ، وَتَكُونُ فِي الشِّتَاءِ فِي أَسْفَلِ الْبُرُوجِ وَفِي الصَّيْفِ فِي أَعْلَى الْبُرُوجِ وَلَا تَجْتَمِعُ مَعَ الْقَمَرِ فِي سُلْطَانِهِ لِئَلَّا يُبْطِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَاصِّيَّةَ صَاحِبِهِ، إذْ فِي الشَّمْسِ خَصَائِصُ لَا تُوجَدُ فِي الْقَمَرِ وَبِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الشَّمْسَ طَبَّاخَةً لِلثِّمَارِ وَالْفَاكِهَةِ وَلَوْلَاهَا مَا نَبَتَ زَرْعٌ وَلَا خَرَجَتْ فَاكِهَةٌ، وَلَهَا خَصَائِصُ أُخَرُ مَذْكُورَةٌ فِي مَحَلِّهَا، وَجَعَلَ اللَّهُ الْقَمَرَ صَبَّاغًا لِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْفَاكِهَةِ وَفِيهِ خَوَاصُّ أُخَرُ. قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ: الْحِكْمَةُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَخُسُوفِ الْقَمَرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَجْرَى فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّ الْكَوَاكِبَ تُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ وَخُصُوصًا النَّيِّرِينَ فَقَضَى عَلَيْهِمَا بِالْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ وَصَيَّرَ ذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُمَا مَعَ إشْرَاقِ نُورِهِمَا وَمَا يَظْهَرُ مَعَ حُسْنِ آثَارِهِمَا مَأْمُورَانِ فِي مَصَالِحِ الْعِبَادِ مُسَيَّرَانِ وَفِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُكَوَّرَانِ فَسُبْحَانَ الْحَكِيمِ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: سَبَبُ كُسُوفِ الشَّمْسِ تَخْوِيفُ الْعِبَادِ بِحَبْسِ ضَوْئِهَا لِيَرْجِعُوا إلَى الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ النِّعْمَةَ إذَا حُبِسَتْ لَمْ يَنْبُتْ زَرْعٌ وَلَمْ يَجِفَّ ثَمَرٌ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ نُضْجٌ. وَقِيلَ: سَبَبُهُ تَجَلِّي اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ مَا تَجَلَّى لِشَيْءٍ إلَّا خَضَعَ، فَقَدْ تَجَلَّى لِلْجَبَلِ فَجَعَلَهُ دَكًّا. وَقِيلَ: سَبَبُهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَجُرُّهَا وَفِي السَّمَاءِ بَحْرٌ فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ حَالَ سَيْرِهَا اسْتَتَرَ ضَوْءُهَا. وَسَبَبُ مَغِيبِ الشَّمْسِ أَنَّهَا تَغِيبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: ٨٦] أَيْ ذَاتُ حَمَأٍ أَيْ طِينٍ. وَقِيلَ: سَبَبُ غُرُوبِهَا أَنَّهَا عِنْدَ وُصُولِهَا لِآخِرِ السَّمَاءِ تَطْلُعُ مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَقُولُ: يَا رَبِّ إنَّ قَوْمًا يَعْصُونَك، فَيَقُولُ: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ شِئْت فَتَنْزِلُ مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ حَتَّى تَطْلُعَ مِنْ الْمَشْرِقِ. وَمِنْ خَوَاصِّ الشَّمْسِ أَنَّهَا تُرَطِّبُ بَدَنَ الْإِنْسَانِ إذَا نَامَ فِيهَا وَتُسَخِّنُ الْمَاءَ الْبَارِدَ وَتُبَرِّدُ الْبِطِّيخَ الْحَارَّ. وَمِنْ خَوَاصِّ الْقَمَرِ أَنَّهُ إذَا نَامَ فِيهِ الْإِنْسَانُ يَصْفَرُّ لَوْنُهُ وَيَثْقُلُ رَأْسُهُ وَيُسَوِّسُ الْعِظَامَ وَيُبْلِي ثِيَابَ الْكَتَّانِ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ عَلِيٍّ عَنْ السَّوَادِ الَّذِي فِيهِ، فَقَالَ: إنَّهُ أَثَرُ مَسْحِ جَنَاحِ جِبْرِيلَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ نُورَ الْقَمَرِ سَبْعِينَ جُزْءًا وَمِثْلُهُ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَ جِبْرِيلَ فَمَسَحَهُ بِجَنَاحِهِ فَمَحَا مِنْ الْقَمَرِ تِسْعَةً وَسِتِّينَ جُزْءًا فَحَوَّلَهَا إلَى الشَّمْسِ فَأَذْهَبَ عَنْهُ الضَّوْءَ وَأَبْقَى فِيهِ النُّورَ، فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: ١٢] . وَإِذَا نَظَرْت إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>