للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْله تَعَالَى {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: ٣٧] أَيْ عِنْدَ كُسُوفِهِمَا، وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» (وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ) الشَّامِلِ لِلْخُسُوفِ (سُنَّةٌ) لِلدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ وَغَيْرُهُ مُؤَكَّدَةٌ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهَا لِكُسُوفِ الشَّمْسِ» كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلِخُسُوفِ الْقَمَرِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ عَنْ الثِّقَاتِ وَوَاظَبَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ أَيْ الْخَمْسِ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» وَلِأَنَّهَا ذَاتُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ لَا أَذَانَ لَهَا كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ: لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا فَمَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةٍ لِتَأَكُّدِهَا لِيُوَافِقَ كَلَامَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، وَالْمَكْرُوهُ قَدْ يُوصَفُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

السَّوَادِ الَّذِي فِيهِ وَجَدْتَهُ حُرُوفًا أَوَّلُهَا الْجِيمُ وَثَانِيهَا الْمِيمُ وَثَالِثُهَا الْيَاءُ وَاللَّامُ وَالْأَلِفُ آخِرُ الْكُلِّ أَيْ جَمِيلًا، وَقَدْ شَاهَدْت ذَلِكَ وَقَرَأْتُهُ مِرَارًا اهـ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْحِفْنِيِّ نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ. قَوْلُهُ: (أَلْبَتَّةَ) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَالنَّصْبِ دَائِمًا ق ل.

قَوْلُهُ: {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: ٣٧] أَيْ صَلُّوا. قَوْلُهُ: (آيَتَانِ) تَثْنِيَةُ آيَةٍ وَهِيَ الْعَلَامَةُ الْمَخْلُوقَةُ لِلَّهِ الدَّالَّةُ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ وَعِظَمِ قُدْرَتِهِ، أَوْ عَلَى تَخْوِيفِ عِبَادِهِ مِنْ بَأْسِهِ وَسَطْوَتِهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَوْتِ وَلَدِهِ مِنْ مَارِيَةِ الْقِبْطِيَّةِ وَهُوَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِأَنَّ كُسُوفَهَا لِأَجْلِ مَوْتِهِ؛ وَكَانَ مَوْتُهُ عَاشِرَ رَبِيعِ الْأَوَّلِ وَعَاشَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ سَنَةً وَعَشَرَةَ أَشْهُرٍ وَسِتَّةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ عَاشَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا؛ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَئِذٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَا لِحَيَاتِهِ) اُسْتُشْكِلَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لِأَنَّ السِّيَاقَ إنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ مَنْ ظَنَّ الْكُسُوفَ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْحَيَاةَ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ فَائِدَةَ ذِكْرِ الْحَيَاةِ دَفْعُ تَوَهُّمِ مَنْ يَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْفَقْدِ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْإِيجَادِ فَعَمَّمَ الشَّارِعُ الْمَنْفِيَّ لِدَفْعِ هَذَا التَّوَهُّمِ شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " وَلَا لِحَيَاتِهِ " لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ كَمَا تَكُونُ بِمَوْتِ الشَّخْصِ تَكُونُ بِحَيَاتِهِ كَالْيَزِيدِ وَالْحَجَّاجِ.

قَوْلُهُ: (فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ) أَيْ شَيْئًا مِنْهُ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا عَادَةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (فَصَلُّوا) أَيْ الصَّلَاةَ الْمَعْرُوفَةَ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُجْمَلِ الْمُبَيَّنِ بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ق ل.

قَوْلُهُ: (وَادْعُوَا) نَدْبًا وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالدُّعَاءِ لِأَنَّ النُّفُوسَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْخَارِقِ تُعْرِضُ عَنْ الدُّنْيَا وَتَتَوَجَّهُ لِلْحَضْرَةِ الْعَلِيَّا فَيَكُونُ حِينَئِذٍ أَقْرَبَ لِلْإِجَابَةِ. لَا يُقَالُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى تَكَرُّرِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ إذَا لَمْ تَنْجَلِ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ وَقَدْ يُرَادُ صَلَاةُ الْكُسُوفِ وَتَكُونُ الْغَايَةُ لِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ بِأَنْ يَمْتَدَّ الدُّعَاءُ إلَى الِانْجِلَاءِ. وَفِيهِ أَنَّهُ يُسَنُّ عِنْدَ الْكُسُوفِ الدُّعَاءُ بِكَشْفِهِ وَصَلَاةٍ تَخُصُّهُ، وَأَنَّهَا تُسَنُّ جَمَاعَةً، وَأَنَّ الْكَوَاكِبَ لَا فِعْلَ لَهَا وَلَا تَأْثِيرَ اسْتِقْلَالًا بَلْ بِأَمْرِ اللَّهِ؛ وَلَمَّا خَسَفَ الْقَمَرُ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ جَعَلَتْ الْيَهُودُ يَرْمُونَهُ بِالسَّهْمِ وَيَضْرِبُونَ بِالطَّاسِ أَيْ بِالنُّحَاسِ وَيَقُولُونَ سُحِرَ الْقَمَرُ، فَصَلَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَاةَ الْخُسُوفِ، فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ الضَّرْبَ عَلَى الطَّاسِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ خُسُوفِ الْقَمَرِ فِعْلُ الْيَهُودِ فَيُنْكَرُ حِينَئِذٍ لِعُمُومِ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ اهـ عَنَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (مَا بِكُمْ) أَيْ الَّذِي حَلَّ بِكُمْ مِنْ الْخَوْفِ بِسَبَبِ تَغَيُّرِ تِلْكَ الْآيَةِ وَهُوَ لَا يَزُولُ إلَّا بِانْجِلَائِهَا. قَوْلُهُ: (وَوَاظَبَ عَلَيْهَا) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ كُسُوفُهُمَا فِي زَمَنِهِ فَمَا مَعْنَى الْمُوَاظَبَةِ تَأَمَّلْ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ وَاظَبَ لَوْ وَقَعَ أَوْ الْمُرَادُ أَمَرَ بِذَلِكَ وَوَاظَبَ النَّاسُ عَلَيْهَا بَعْدَهُ ق ل. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ أَنَّ الَّذِي فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَنَّ خُسُوفَ الْقَمَرِ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُسُوفَ الشَّمْسِ لَمْ يَقَعْ فِي زَمَنِهِ إلَّا مَرَّةً، فَالْمُرَادُ الْمُوَاظَبَةُ فِي الْجُمْلَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهَا إلَخْ) أَصْلُ الْكَلَامِ: وَلِأَنَّهَا كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي أَنَّهَا ذَاتُ رُكُوعٍ إلَخْ، فَقَوْلُهُ " ذَاتُ رُكُوعٍ " بَيَانٌ لِلْجَامِعِ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَأَشَارَ بِهَذَا التَّعْلِيلِ لِرَدِّ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ بَقِيَّةُ كَلَامِهِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ) وَلَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>