للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاتِّسَاعِهِ.

تَنْبِيهٌ: حَيْثُ أُطْلِقَ الْبَحْرُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَالِحُ غَالِبًا، وَيَقِلُّ فِي الْعَذْبِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ.

فَائِدَةٌ: اعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: كُلُّ مَاءٍ مِنْ بَحْرٍ عَذْبٍ أَوْ مَالِحٍ فَالتَّطْهِيرُ بِهِ جَائِزٌ بِأَنَّهُ لَحْنٌ، وَإِنَّمَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (الْمَالِحُ إلَخْ) بِالرَّفْعِ نَعْتٌ لِمَاءٍ وَبِالْجَرِّ نَعْتٌ لِلْبَحْرِ، فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ أَوْ الْمِلْحِ فَقَطْ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَكَانُ الْمَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَهُوَ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ كَمَا فِي ق ل.

قَوْلُهُ: (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ إلَخْ) أَوَّلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَالطَّهُورُ هُنَا بِفَتْحِ الطَّاءِ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ، وَالطُّهُورُ بِضَمِّ الطَّاءِ اسْمٌ لِفِعْلِ التَّطَهُّرِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْحِلُّ بِمَعْنَى الْحَلَالِ كَالْحُرْمِ بِمَعْنَى الْحَرَامِ، وَالْمَيْتَةُ هُنَا بِفَتْحِ الْمِيمِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْعَيْنُ الْمَيْتَةُ، وَأَمَّا الْمِيتَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ فَهِيَ هَيْئَةُ الْمَوْتِ، وَلَا مَعْنَى لَهَا هُنَا إلَّا بِتَكَلُّفٍ، وَالْمَيِّتَةُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ، وَفَصَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا. وَفِي إعْرَابِ الْحَدِيثِ أَوْجُهٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ هُوَ مُبْتَدَأً، وَالطَّهُورُ مُبْتَدَأً ثَانِيًا خَبَرُهُ مَاؤُهُ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ هَذَا الْمُبْتَدَأِ الثَّانِي وَخَبَرِهِ خَبَرُ الْأَوَّلِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُون هُوَ مُبْتَدَأً، وَالطَّهُورُ خَبَرَهُ، وَمَاؤُهُ بَدَلَ اشْتِمَالٍ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ بَحْثٌ دَقِيقٌ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ هُوَ ضَمِيرَ الشَّأْنِ، وَالطَّهُورُ مَاؤُهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ خَبَرَهُ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا تَقَدُّمُ ذِكْرِ الْبَحْرِ فِي السُّؤَالِ لِأَنَّهُ إذَا قُصِدَ الِاسْتِئْنَافُ وَعَدَمُ إعَادَةِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ هُوَ عَلَى الْبَحْرِ صَحَّ هَذَا الْوَجْهُ، وَهَذَا كَمَا قَالُوا فِي هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إنَّهُ ضَمِيرُ شَأْنٍ مَعَ مَا رُوِيَ مِنْ تَقَدُّمِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي سُؤَالِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ قَالُوا اُنْسُبْ لَنَا رَبَّك. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ هُوَ مُبْتَدَأً، وَالطَّهُورُ خَبَرَهُ، وَمَاؤُهُ فَاعِلٌ لِأَنَّهُ قَدْ اعْتَمَدَ عَامِلَهُ لِكَوْنِهِ خَبَرًا.

فَإِنْ قُلْت: مَاءُ الْبَحْرِ هَلْ خُلِقَ مِلْحًا أَوْ كَانَ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ عَذْبًا ثُمَّ صَارَ مِلْحًا لِئَلَّا يَتَعَفَّنَ؟ قُلْت: نَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِيَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّ جَمِيعَ الْمِيَاهِ مِنْ السَّمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} [الزمر: ٢١] وَإِنَّمَا قَسَّمَهَا الْفُقَهَاءُ عَلَى مَا يُشَاهَدُ عَادَةً وَالْمَاءُ الْمُنَزَّلُ مِنْ السَّمَاءِ عَذْبٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ: أَنَّ قَابِيلَ لَمَّا قَتَلَ هَابِيلَ وَآدَمُ حِينَئِذٍ بِمَكَّةَ اشْتَاكَ الشَّجَرُ وَتَغَيَّرَتْ الْأَطْعِمَةُ وَحَمُضَتْ الْفَوَاكِهُ وَمُرَّ الْمَاءُ وَاغْبَرَّتْ الْأَرْضُ. وَعَنْ عَلِيٍّ تَغَيَّرَتْ الْأَرْضُ يَوْمَئِذٍ وَطُعُومُ الثِّمَارِ وَضَوْءُ الشَّمْسِ وَنُورُ الْقَمَرِ وَرِيحُ الرَّيَاحِينِ وَعُذُوبَةُ الْمَاءِ وَنَبَتَ الْعَوْسَجُ.

وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ النَّجْمُ الْغَيْطِيُّ عَنْ مَاءِ الطُّوفَانِ: هَلْ كَانَ عَذْبًا أَوْ مِلْحًا وَهُوَ الَّذِي أَغْرَقَ اللَّهُ بِهِ قَوْمَ نُوحٍ، وَهَلْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ أَمْ لَا وَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ الْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ عَلِّمْنِي مِنْ لَدُنْك عِلْمًا كَانَ حَالَ الْإِغْرَاقِ عَذْبًا، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ لَهُ الْمُلُوحَةُ بَعْدُ وَالْبِحَارُ الْمَلْحَةُ الْآنَ مِنْ بَقَايَا ذَلِكَ، وَاسْتَشْهَدَ بِأَحَادِيثَ لِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ وَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْأَوْحَدُ أَبُو الْحَسَنِ الصِّدِّيقِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ تَسْهِيلِ السَّبِيلِ: إنَّ مَاءَ الطُّوفَانِ كَانَ عَذْبًا وَرَدَ التَّصْرِيحُ فِيهِ فِي الْآثَارِ، وَقِيلَ كَانَ كُلُّهُ مِنْ السَّمَاءِ، وَأَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى مَحَلِّهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنْتَ رِجْسٌ وَغَضَبٌ فَعَادَ مِلْحًا، وَقِيلَ إنَّ الْأَرْضَ بَلَعَتْ الْحُلْوَ وَمَا اسْتَعْصَى عَلَيْهَا صَارَ مِلْحًا، وَقَدْ تَضَافَرَ عَلَى مَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ كَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى الشَّافِعِيِّ) وَعَنْ بَعْضِهِمْ عَلَى الْمُزَنِيِّ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَهَا ابْتِدَاءً فِي تَقْرِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>