للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَصِحُّ مِنْ بَحْرٍ مِلْحٍ وَهُوَ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ. قَالَ الشَّاعِرُ:

فَلَوْ تَفَلَتْ فِي الْبَحْرِ وَالْبَحْرُ مَالِحٌ ... لَأَصْبَحَ مَاءُ الْبَحْرِ مِنْ رِيقِهَا عَذْبَا

وَلَكِنَّ فَهْمَهُ السَّقِيمَ أَدَّاهُ إلَى ذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ:

وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا ... وَآفَتُهُ مِنْ الْفَهْمِ السَّقِيمِ

(وَ) ثَالِثُهَا (مَاءُ النَّهْرِ) أَيْ الْعَذْبُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَقَالَهَا الْمُزَنِيّ بَعْدَهُ، وَالْمُعْتَرِضُ هُوَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ عَلَى الشَّافِعِيِّ مُخْطِئٌ فِي اعْتِرَاضِهِ، وَذِكْرُ الْبَيْتِ مِنْ الشَّارِحِ اسْتِشْهَادٌ عَلَى خَطَئِهِ وَقَرَعَهُ أَيْ وَبَّخَهُ بِسَقَمِ فَهْمِهِ وَرَدَاءَتِهِ ق ل.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ تَفَلَتْ إلَخْ) وَقَبْلَهُ:

وَلَوْ ظَهَرَتْ فِي الْغَرْبِ يَوْمًا لِرَاهِبٍ ... لَخَلَّى سَبِيلَ الشَّرْقِ وَاتَّبَعَ الْغَرْبَا

وَلَوْ أَنَّهَا لِلْمُشْرِكِينَ تَعَرَّضَتْ ... لَاتَّخَذُوهَا بَيْنَ أَصْنَامِهِمْ رَبَّا

فَلَوْ تَفَلَتْ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ إلَخْ) وَبَعْدَهُ:

وَلَكِنْ تَأْخُذُ الْآذَانُ مِنْهُ ... عَلَى قَدْرِ الْقَرِيحَةِ وَالْفُهُومِ

قَوْلُهُ: (أَيْ الْعَذْبُ) بِالرَّفْعِ نَعْتٌ لِمَاءٍ فَإِنَّ النَّهْرَ مَجْرَى الْمَاءِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.

قَوْلُهُ: (كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ) هُمَا مَعَ سَيْحَانَ وَجَيْحَانَ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ. وَمِنْ عَجَائِبِ النِّيلِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَمْتَدُّ فِي أَيَّامِ الزِّيَادَةِ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَى شِرَاءِ جَارِيَةٍ وَيُزَيِّنُوهَا وَيُلْبِسُونَهَا حُلَلًا وَيَطْرَحُونَهَا فِي مَكَان مَخْصُوصٍ مِنْ النِّيلِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أُخْبِرَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ عُمَرُ كِتَابًا يَقُولُ فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنْ كُنْت أَيُّهَا النِّيلُ لَا تَمْتَدُّ إلَّا بِقَتْلِ نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيك، وَإِنْ كُنْت تَمْتَدُّ بِأَمْرِ اللَّهِ فَافْعَلْ، وَأَمَرَ بِطَرْحِ الْكِتَابِ فِيهِ، فَلَمَّا طَرَحُوهُ امْتَدَّ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ. ذَكَرَهُ فِي عَجَائِبِ الْمَلَكُوتِ، وَقَدْ كَانُوا أَقَامُوا بَئُونَةَ وَأَبِيبَ وَمِسْرَى لَا يَجْرِي لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، فَلَمَّا أَلْقَوْا كِتَابَ عُمَرَ أَصْبَحُوا وَقَدْ أَجْرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى سِتَّةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَطَعَ اللَّهُ تِلْكَ السُّنَّةَ السَّيِّئَةَ عَنْ أَهْلِ مِصْرَ إلَى الْيَوْمِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: نِيلُ مِصْرَ سَيِّدُ الْأَنْهَارِ فَسَخَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ كُلَّ نَهْرٍ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَذَلَّلَهُ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُجْرِيَ نِيلَ مِصْرَ أَمَرَ كُلَّ نَهْرٍ يَمُدُّهُ فَتَمُدُّهُ الْأَنْهَارُ بِمَائِهَا وَيُفَجِّرُ اللَّهُ لَهُ الْأَرْضَ عُيُونًا، فَإِذَا انْتَهَى جَرَيَانُهُ إلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إلَى كُلِّ مَاءٍ أَنْ يَرْجِعَ إلَى عُنْصُرِهِ أَيْ أَصْلِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ زُولَاقٍ فِي تَارِيخِ مِصْرَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ: أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنْ الْجَنَّةِ وَضَعَهَا اللَّهُ فِي الدُّنْيَا فَنَهْرُ مِصْرَ نَهْرُ الْعَسَلِ فِي الْجَنَّةِ، وَالْفُرَاتُ نَهْرُ الْخَمْرِ، وَسَيْحَانُ نَهْرُ الْمَاءِ، وَجَيْحَانُ نَهْرُ اللَّبَنِ، وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ النِّيلَ يَجْرِي مِنْ تَحْتِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى حَالَ نُزُولِهِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ النِّيلَ يَخْرُجُ مِنْ الْجَنَّةِ وَلَوْ أَنَّكُمْ الْتَمَسْتُمْ فِيهِ إذْ مَدَدْتُمْ أَيْدِيَكُمْ لَوَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ» وَلِذَلِكَ نُدِبَ أَكْلُ الْبُلْطِيِّ مِنْ السَّمَكِ لِأَنَّهُ يَتَتَبَّعُ أَوْرَاقَ الْجَنَّةِ فَيَرْعَاهَا. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ الْأَقْفَهْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالْخَيْرُومِ فَإِنَّهُ يَرْعَى مِنْ حَشِيشِ الْجَنَّةِ» وَذَكَرَ السُّيُوطِيّ أَنَّهُ كَانَ عَلَى نِيلِ مِصْرَ لِحَفْرِ خُلْجَانِهَا وَإِقَامَةِ جُسُورِهَا وَبِنَاءِ قَنَاطِرِهَا وَقَطْعِ جَزَائِرِهَا مِائَةُ أَلْفٍ وَعِشْرُونَ أَلْفَ فَاعِلٍ، مَعَهُمْ الْأَغْلَاقُ وَالْمَسَاحِي يَتَعَهَّدُونَ ذَلِكَ وَلَا يَدَعُونَهُ صَيْفًا وَلَا شِتَاءً، وَأُجْرَتُهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.

فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ إيَاسٍ فِي كِتَابِهِ نَشْقُ الْأَزْهَارِ مَا نَصُّهُ: قَالَ السُّدِّيُّ: وَجَدْت رُمَّانَةً عَلَى بَعْضِ شُطُوطِ الْفُرَاتِ جَاءَ بِهَا الْمَاءُ وَهِيَ خِلْقَةٌ عَظِيمَةٌ، وَكَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَتَوْا بِهَا إلَيْهِ فَوَزَنُوهَا فَوَجَدُوهَا ثَلَاثَةَ قَنَاطِيرَ عِرَاقِيَّةً فَقَسَّمَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا مِنْ رُمَّانِ الْجَنَّةِ اهـ اج. وَقَالَ الزَّرْقَانِيُّ عَلَى الْمَوَاهِبِ: الْبِحَارُ سَبْعَةٌ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَهْبٍ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مَسِيرَةَ الْأَرْضِ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، بُحُورُهَا مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>