مَسْنُونَةٌ) مُؤَكَّدَةٌ لِمَا مَرَّ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ لِخَبَرِ: «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا» وَيَنْقَسِمُ أَيْ الِاسْتِسْقَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: أَدْنَاهَا يَكُونُ بِالدُّعَاءِ مُطْلَقًا عَمَّا يَأْتِي فُرَادَى أَوْ مُجْتَمِعِينَ، وَأَوْسَطُهَا يَكُونُ بِالدُّعَاءِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ فَرْضُهَا كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَنَفْلُهَا كَمَا فِي الْبَيَانِ وَفِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بِالصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَيَأْتِي بَيَانُهُمَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُقِيمِ وَلَوْ بِقَرْيَةٍ أَوْ بَادِيَةٍ، وَالْمُسَافِرِ وَلَوْ سَفَرَ قَصْرٍ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي الْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا تُصَلَّى لِحَاجَةٍ مِنْ انْقِطَاعِ الْمَاءِ أَوْ قِلَّتِهِ بِحَيْثُ لَا يَكْفِي أَوْ مُلُوحَتِهِ وَلِاسْتِزَادَةٍ بِهَا نَفْعٌ بِخِلَافِ مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا نَفْعَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَشَمِلَ مَا ذُكِرَ مَا لَوْ انْقَطَعَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتَاجَتْ إلَيْهِ فَيُسَنُّ لِغَيْرِهِمْ أَيْضًا أَنْ يَسْتَسْقُوا لَهُمْ وَيَسْأَلُوا الزِّيَادَةَ النَّافِعَةَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَتُكَرَّرُ الصَّلَاةُ مَعَ الْخُطْبَتَيْنِ حَتَّى يُسْقَوْا، فَإِنْ سُقُوا قَبْلَهَا اجْتَمَعُوا لِشُكْرٍ وَدُعَاءٍ وَصَلَّوْا وَخَطَبَ بِهِمْ الْإِمَامُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَطَلَبًا لِلْمَزِيدِ قَالَ تَعَالَى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: ٧] وَإِذَا أَرَادُوا الْخُرُوجَ لِلصَّلَاةِ (فَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ)
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَسَكَتَ الشَّيْخُ عَنْ إعَادَةِ الْخُطْبَةِ وَصَرَّحَ فِي الْحِكَايَةِ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَأْنَسُ) لَمْ يَقُلْ وَيُسْتَدَلُّ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْعُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ أَيْ دَلِيلٌ يُوَافِقُهُ، وَاَلَّذِي مِنْ خَصَائِصِنَا كَوْنُهَا بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءَ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ.
قَوْلُهُ: (مَسْنُونَةٌ) أَيْ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهَا الْإِمَامُ وَإِلَّا وَجَبَتْ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الِاتِّبَاعِ، وَهُوَ دَلِيلٌ لِلسُّنَّةِ لَا لِلتَّأْكِيدِ وَدَلِيلُهُ الْمُوَاظَبَةُ.
قَوْلُهُ: (وَيَنْقَسِمُ أَيْ الِاسْتِسْقَاءُ) رَاجِعٌ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِأَنَّهُ الْمُنْقَسِمُ إلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ رَاجَعَا لِكَلَامِ الْمَتْنِ. وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ. وَكُلُّهَا ثَابِتَةٌ بِالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ. قَوْلُهُ: (وَنَفْلُهَا كَمَا فِي الْبَيَانِ) أَيْ وَغَيْرُهُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَهْجَةِ بِقَوْلِهِ:
سُنَّ لِلِاسْتِسْقَاءِ إكْثَارُ الدُّعَا ... وَبَعْدَ مَا صَلَّى وَلَوْ تَطَوُّعًا
وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: إنَّهَا بِدْعَةٌ. وَكَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ تَبْلُغْهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُهَا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهَا فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ وَصَلَّى عَامَ الرَّمَادَةِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ.
قَوْلُهُ: (وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَخُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا تُصَلَّى لِحَاجَةٍ) مُرْتَبِطٌ بِكَلَامِ الْمَتْنِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ انْقِطَاعِ) مِنْ تَعْلِيلِيَّةٍ أَيْ مِنْ أَجْلِ انْقِطَاعِ إلَخْ لَا بَيَانِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ لَيْسَ نَفْسَ الْحَاجَةِ وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبُهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَلِاسْتِزَادَةٍ) عَطْفٌ عَلَى لِحَاجَةٍ مَعَ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَتِهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ.
قَوْلُهُ: (وَشَمِلَ مَا ذُكِرَ) أَيْ قَوْلُهُ لِحَاجَةٍ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ حَاجَةَ الْمُسْتَسْقِي وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (عَنْ طَائِفَةٍ) أَيْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ بِدْعَةٍ أَوْ بَغْيٍ، وَإِلَّا لَمْ يُسَنَّ لِئَلَّا يُظَنَّ حُسْنُ طَرِيقَتِهِمْ اهـ ح ل.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) وَمِثْلُهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ إذَا سَأَلُونَا عَنْ السُّقْيَا لَهُمْ وَفَاءً بِذِمَّتِهِمْ، وَلَا يُتَوَهَّمُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِعْلَنَا ذَلِكَ لِحُسْنِ حَالِهِمْ لِأَنَّ كُفْرَهُمْ مُحَقَّقٌ ع ش بِاخْتِصَارٍ.
قَوْلُهُ: (وَتُكَرَّرُ الصَّلَاةُ) أَيْ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَأَكْثَرَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى: يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ، وَالْمَرَّةُ الْأُولَى آكَدُ فِي الِاسْتِحْبَابِ، ثُمَّ إذَا عَادُوا مِنْ الْغَدِ أَوْ بَعْدِهِ فَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونُوا صَائِمِينَ. فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَتَوَقَّفُ خُرُوجُهُمْ ثَانِيًا عَلَى صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَهُ أَوْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْت: قَالَ م ر: لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصَّانِ، فَنَصَّ مَرَّةً عَلَى تَقَدُّمِ صَوْمِ الثَّلَاثِ وَمَرَّةً أُخْرَى عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ، وَلَا خِلَافَ لِأَنَّهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ مُنَزَّلَانِ عَلَى حَالَيْنِ: الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا اقْتَضَى الْحَالُ التَّأْخِيرَ فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ، وَالثَّانِي: عَلَى خِلَافِهِ؛ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (وَدُعَاءٍ) أَيْ بِالزِّيَادَةِ حَيْثُ لَمْ يَتَضَرَّرُوا بِهَا م ر.
قَوْلُهُ: (وَصَلَّوْا) أَيْ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ شُكْرًا اهـ. أَيْ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ تُفْعَلُ شُكْرًا لِلَّهِ.
قَوْلُهُ: (فَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ) أَيْ نَدْبًا أج. قَالَ فِي الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ: وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ فَعَلَهُ