للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَيْهَا (بِالتَّوْبَةِ) مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى بِشُرُوطِهَا الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ: النَّدَمُ وَالْإِقْلَاعُ وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ (وَ) بِالْإِكْثَارِ (مِنْ الصَّدَقَةِ) عَلَى الْمَحَاوِيجِ (وَ) بِالتَّوْبَةِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَهِيَ الْمُبَادَرَةُ إلَى (الْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ) الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمْ مِنْ دَمٍ أَوْ عِرْضٍ أَوْ مَالٍ مُضَافًا ذَلِكَ إلَى الشُّرُوطِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

النَّاسُ مُحَافَظَةً عَلَى السُّنَّةِ، لَكِنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إلَى الصَّحْرَاءِ إذَا كَانَ الْوَالِي بِالْبَلَدِ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُمْ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ اهـ. وَأَمْرُ الْإِمَامِ بِهَا تَأْكِيدٌ لِوُجُوبِهَا الشَّرْعِيِّ فَلَا يُشْكِلُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَلَوْ مِنْ صَغِيرَةٍ وَإِنْ فَعَلَ مَا يُكَفِّرُهَا لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ. قَوْلُهُ: (الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ) لَوْ سَكَتَ عَنْ هَذَا لَكَانَ مُسْتَقِيمًا؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ عَامَّةٌ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (بِشُرُوطِهَا الثَّلَاثَةِ) وَشَرْطُ صِحَّتِهَا صُدُورُهَا قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالْحَقُّ أَنَّ مِنْ يَوْمِ الطُّلُوعِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ أَحَدٍ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «فَمِنْ يَوْمِئِذٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ» أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ؛ قَالَهُ الْحَافِظُ حَجّ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ.

قَوْلُهُ: (النَّدَمُ) وَهُوَ رُكْنُهَا الْأَعْظَمُ، لِأَنَّهُ الَّذِي يَطَّرِدُ فِي كُلِّ تَوْبَةٍ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ غَيْرُهُ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ، أَمَّا الْعَزْمُ أَنْ لَا يَعُودَ فَيُغْنِي عَنْهُ النَّدَمُ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ كَمَا عُرِفَ مِنْ تَعْرِيفِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ لِلنَّدَمِ حَيْثُ عَرَّفَهُ بِأَنَّهُ تَحَزُّنٌ وَتَوَجُّعٌ لِمَا فَعَلَهُ وَتَمَنِّي كَوْنِهِ لَمْ يُفْعَلْ. وَلَا يَجِبُ عِنْدَنَا اسْتِدَامَةُ النَّدَمِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ بَلْ يَكْفِي اسْتِصْحَابُ النَّدَمِ حُكْمًا، وَأَمَّا الْإِقْلَاعُ فَإِنَّمَا يَتَأَتَّى إذَا كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ بَاقِيَةً، وَأَمَّا رَدُّ الْمَظَالِمِ فَيَسْقُطُ إنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِمَوْتِ الْمُسْتَحِقِّ وَلَا وَارِثَ لَهُ أَوْ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ مَثَلًا؛ فَالْمُطَّرِدُ مِنْ أَرْكَانِ التَّوْبَةِ هُوَ النَّدَمُ لَا غَيْرُ، وَتَحَقُّقُ التَّوْبَةِ بِمَا ذُكِرَ مَحَلُّهُ فِي التَّوْبَةِ بَاطِنًا أَمَّا فِي الظَّاهِرِ لِتُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَتَعُودَ وِلَايَتُهُ فَلَا بُدَّ فِي تَحَقُّقِهَا مَعَ ذَلِكَ فِي الْمَعْصِيَةِ الْقَوْلِيَّةِ مِنْ الْقَوْلِ، كَقَوْلِهِ فِي الْقَذْفِ: قَذْفِي بَاطِلٌ وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهِ وَلَا أَعُودُ إلَيْهِ وَلَا بُدَّ فِي الْفِعْلِيَّةِ كَالزِّنَا مِنْ اسْتِبْرَائِهِ سَنَةً، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِبْرَائِهِ سَنَةً فِي الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مَعَ شَرْحِهَا لِلْمَحَلِّيِّ: وَهِيَ، أَيْ التَّوْبَةُ، النَّدَمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَعْصِيَةٌ، فَالنَّدَمُ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ لِإِضْرَارِهِ بِالْبَدَنِ لَيْسَ بِتَوْبَةٍ وَتَتَحَقَّقُ بِالْإِقْلَاعِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَعَزْمِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا، وَتَدَارُكُ مُمْكِنِ التَّدَارُكِ مِنْ الْحَقِّ النَّاشِئِ كَحَقِّ الْقَذْفِ فَيَتَدَارَكُهُ بِتَمْكِينِ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ الْمَقْذُوفِ أَوْ؛ وَارِثِهِ لِيَسْتَوْفِيَهُ أَوْ يَبْرَأَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَدَارُكُ الْحَقِّ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقُّهُ مَوْجُودًا سَقَطَ هَذَا الشَّرْطُ كَمَا يَسْقُطُ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ لَا يَنْشَأُ عَنْهَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، وَكَذَا يَسْقُطُ شَرْطُ الْإِقْلَاعِ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا كَشُرْبِ خَمْرٍ؛ فَالْمُرَادُ بِتَحَقُّقِ التَّوْبَةِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ فِيمَا يَتَحَقَّقُ بِهَا عَنْهَا لَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي كُلِّ تَوْبَةٍ اهـ بِحُرُوفِهِ.

وَقَوْلُهُ: " وَتَتَحَقَّقُ بِالْإِقْلَاعِ " فِيهِ بَحْثٌ إذْ قَدْ تُوجَدُ هَذِهِ الْأُمُورُ وَلَا يُوجَدُ النَّدَمُ، فَمَا مَعْنَى تَحَقُّقِهَا بِهَذِهِ الْأُمُورِ إلَّا أَنْ يُرَادَ تَحَقُّقُ اعْتِبَارِهَا وَالِاعْتِدَادُ بِهَا كَمَا فِي الشَّعْرَانِيِّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ. قَوْلُهُ: (وَالْإِقْلَاعُ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْ التَّلَبُّسِ بِهَا، فَلَوْ تَابَ مِنْ الزِّنَا وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ الْإِقْلَاعِ، وَالْإِقْلَاعُ يَتَعَلَّقُ بِالْحَالِ وَالنَّدَمُ بِالْمَاضِي وَالْعَزْمُ بِالْمُسْتَقْبَلِ ز ي. قَوْلُهُ (وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ) إلَيْهَا أَيْ إلَى الْمَعْصِيَةِ أَيْ إنْ تَيَسَّرَ مِنْهُ وَإِلَّا كَمَجْبُوبٍ بَعْدَ زِنَاهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَتَصِحُّ مِنْ سَكْرَانٍ حَالَ سُكْرِهِ إنْ تَأَتَّى مِنْهُ الشُّرُوطُ الَّتِي مِنْهَا النَّدَمُ كَإِسْلَامِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (وَبِالتَّوْبَةِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ) اقْتَضَى صَنِيعُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ عَلَى التَّوْزِيعِ أَيْ بِالتَّوْبَةِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَبِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، مَعَ أَنَّ التَّوْبَةَ بِمَعْنَى النَّدَمِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ. وَمِمَّا يُقَوِّي الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ مُضَافًا ذَلِكَ إلَى الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ الْمُبَادَرَةُ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ هِيَ التَّوْبَةَ وَلَا حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ وَلَا الشَّرْطَ الرَّابِعَ لِلتَّوْبَةِ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُ اسْمِ الْإِشَارَةِ بَعْدَهُ إلَيْهَا، فَلَوْ قَالَ: وَيَأْمُرُهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ مُضَافًا إلَخْ، لَوَفَّى بِالْمُرَادِ ق ل. وَعِبَارَةُ حَجّ فِي شَرْحِ الزَّوَاجِرِ: قَالَ الزَّرْكَشِيّ: ثُمَّ رَأَيْت فِي مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ لِلْغَزَالِيِّ أَنَّ الذُّنُوبَ الَّتِي بَيْنَ الْعِبَادِ إمَّا فِي الْمَالِ فَيَجِبُ رَدُّهُ عِنْدَ الْمُكْنَةِ. فَإِنْ عَجَزَ لِفَقْرٍ اسْتَحْلَلَهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِحْلَالِهِ لِغَيْبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ وَأَمْكَنَ التَّصَدُّقُ عَنْهُ فَعَلَهُ، وَإِلَّا فَلْيُكْثِرْ مِنْ الْحَسَنَاتِ وَيَرْجِعْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَضَرَّعْ إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>