للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ (وَ) بِالْمُبَادَرَةِ إلَى (مُصَالَحَةِ الْأَعْدَاءِ) الْمُتَشَاحِنِينَ لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَلِحَظِّ نَفْسٍ لِتَحْرِيمِ الْهِجْرَانِ حِينَئِذٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ (وَ) بِالْمُبَادَرَةِ إلَى (صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) مُتَتَابِعَةٍ وَيَصُومُ مَعَهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ مِيعَادِ يَوْمِ الْخُرُوجِ فَهِيَ بِهِ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّ لِكُلٍّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فِي أَنْ يُرْضِيَهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَإِمَّا فِي النَّفْسِ فَيُمَكِّنُهُ أَوْ وَلِيَّهُ مِنْ الْقَوَدِ، فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إرْضَائِهِ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِمَّا فِي الْعِرْضِ فَإِنْ اغْتَبْتَهُ أَوْ شَتَمْتَهُ أَوْ امْتَهَنْتَهُ فَحَقُّك أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَك بَيْنَ يَدَيْ مَنْ فَعَلْت ذَلِكَ مَعَهُ إنْ أَمْكَنَك بِأَنْ لَمْ تَخْشَ زِيَادَةَ غَيْظٍ وَهِيَاجَ فِتْنَةٍ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ، فَإِنْ خَشِيت ذَلِكَ فَالرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ لِيُرْضِيَهُ عَنْك؛ وَأَمَّا فِي حُرَمِهِ فَإِنْ خُنْتَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِحْلَالِ وَالْإِظْهَارِ لِأَنَّهُ يُوَلِّدُ فِتْنَةً وَغَيْظًا بَلْ يَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِيُرْضِيَهُ وَيَجْعَلَ لَهُ خَيْرًا كَثِيرًا فِي مُقَابَلَتِهِ، فَإِنْ أَمِنَتْ الْفِتْنَةَ وَالْهِيَاجَ وَهُوَ نَادِرٌ فَتَسْتَحِلّ مِنْهُ؛ وَإِمَّا فِي الدِّينِ فَإِنْ كَفَّرْتَهُ أَوْ بَدَّعْتَهُ أَوْ ضَلَّلْتَهُ فَهُوَ أَصْعَبُ الْأَمْرِ فَتَحْتَاجُ إلَى تَكْذِيبِ نَفْسِك بَيْنَ يَدَيْ مَنْ قُلْت لَهُ ذَلِكَ، وَتَسْتَحِلُّ مِنْ صَاحِبِك إنْ أَمْكَنَك وَإِلَّا فَالِابْتِهَالُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى جِدًّا وَالنَّدَمِ عَلَى ذَلِكَ لِيُرْضِيَهُ عَنْك اهـ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ. وَقَضِيَّةُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحُرَمِ الشَّامِلِ لِلزَّوْجَةِ وَالْمَحَارِمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ الزِّنَا وَاللِّوَاطَ فِيهِمَا حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ، فَتَتَوَقَّفُ التَّوْبَةُ مِنْهُمَا عَلَى اسْتِحْلَالِ أَقَارِبِ الْمَزْنِيِّ بِهَا أَوْ الْمَلُوطِ بِهِ وَعَلَى اسْتِحْلَالِ زَوْجِ الْمَزْنِيِّ بِهَا. هَذَا إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً، وَإِلَّا فَلْيَتَضَرَّعْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى: فِي إرْضَائِهِمْ عَنْهُ. وَيُوَجَّهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ فِي الزِّنَا وَاللِّوَاطِ إلْحَاقَ عَارٍ أَيِّ عَارٍ بِالْأَقَارِبِ وَتَلْطِيخِ فِرَاشِ الزَّوْجِ فَوَجَبَ اسْتِحْلَالُهُمْ حَيْثُ لَا عُذْرَ اهـ. وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ وَلَا قَبُولِهَا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فَشَرَطَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: ٧٠] {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: ٧١] وَوَرَدَ فِي الْخَبَرِ: «إنَّ لِلَّهِ مَلَكًا لَهُ جَنَاحَانِ، جَنَاحٌ بِالْمَغْرِبِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَجَنَاحٌ بِالْمَشْرِقِ مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ مُكَلَّلَةٍ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالْمَرْجَانِ، وَرَأْسُهُ تَحْتَ الْعَرْشِ وَقَدَمَاهُ فِي تُخُومِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ يُنَادِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ: هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى سُؤَالَهُ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَيُتَابُ عَلَيْهِ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَيُغْفَرُ لَهُ؟ حَتَّى يَطْلَعَ الْفَجْرُ» اهـ.

قَوْلُهُ: (وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ) فِيهِ تَغْيِيرُ الْعَامِلِ وَمَعْنَاهُ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى التَّوْبَةِ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ.

قَوْلُهُ: (مُضَافًا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْإِقْلَاعَ شَامِلٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ تَدَبَّرْ قَوْلُهُ: (الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ) وَيُزَادُ شَرْطَانِ: أَنْ لَا تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَعَدَمُ وُصُولِهِ لِلْغَرْغَرَةِ أَوْ حَالَةٌ يُقْطَعُ بِمَوْتِهِ فِيهَا. فَفِي حَالِ الْغَرْغَرَةِ وَهِيَ حَالَةُ النَّزْعِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةٌ وَلَا غَيْرُهَا، كَمَا أَنَّ الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا أُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ وَامْتَنَعَتْ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ تَابَ قَبْلَ ذَلِكَ؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} [الأنعام: ١٥٨] هَذَا عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ عَدَمِ الْغَرْغَرَةِ فِي الْكَافِرِ دُونَ الْمُؤْمِنِ الْعَاصِي عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَوْلُهُ: (إلَى صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَلَوْ صَامَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمَأْمُورِ بِهَا عَنْ نَذْرٍ عَلَيْهِ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ وَمِثْلُهُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسُ اُكْتُفِيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ صَوْمٍ فِيهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ م ر ز ي. وَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْفِطْرُ لِمُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى ق ل، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ وَيَجِبُ فِيهَا التَّبْيِيتُ كَمَا يَأْتِي وَلَكِنْ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا ح ل.

وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ بِهَا، وَلَوْ أَمَرَهُمْ بِالصَّوْمِ ثُمَّ سُقُوا قَبْلَ إتْمَامِهِ قَالَ م ر يَلْزَمُهُمْ بَقِيَّةُ الْأَيَّامِ؛ وَوَجَّهَهُ سم بِأَنَّ هُنَا الصَّوْمَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَأَفْتَى الزِّيَادِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُمْ بِالصَّوْمِ ثُمَّ رَجَعَ بِأَنَّهُ يَجِبُ الصَّوْمُ وَوَافَقَهُ أَهْلُ عَصْرِهِ اهـ أج. فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوْ بَعْدَهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ حَتَّى يَمْتَنِعَ عَلَى الْإِمَامِ الرُّجُوعُ عَنْهُ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ بِأَمْرِهِ فَيَجِبُ فِيهِ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ وَالتَّعْيِينِ، وَإِذَا لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ وَنَوَى نَهَارًا وَقَعَ نَفْلًا مُطْلَقًا وَأَجْزَأَ عَنْ الصَّوْمِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَتَبْيِيتُ النِّيَّةِ لِدَفْعِ الْحُرْمَةِ؛ وَإِذَا لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>