للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ أَثَرًا فِي إجَابَةِ الدُّعَاءِ قَالَ تَعَالَى {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [هود: ٥٢] وَقَدْ يَكُونُ مَنْعُ الْغَيْثِ بِتَرْكِ ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ: «وَلَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إلَّا حُبِسَ عَنْهُمْ الْمَطَرُ» وَفِي خَبَرِ التِّرْمِذِيِّ «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالْمَظْلُومُ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ «دَعْوَةُ الصَّائِمِ وَالْوَالِدِ وَالْمُسَافِرِ» وَإِذَا أَمَرَهُمْ الْإِمَامُ بِالصَّوْمِ لَزِمَهُمْ امْتِثَالُ أَمْرِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ} [النساء: ٥٩] الْآيَةُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْقِيَاسُ طَرْدُهُ فِي جَمِيعِ الْمَأْمُورِ بِهِ هُنَا انْتَهَى وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مَا لَمْ يُخَالِفْ حُكْمَ الشَّرْعِ وَاخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَنْوِ نَهَارًا لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ لَوْ فَاتَ إذْ وُجُوبُهُ لَيْسَ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِعَارِضٍ، وَهُوَ أَمْرُ الْإِمَامِ وَالْقَصْدُ مِنْهُ الْفِعْلُ فِي الْوَقْتِ لَا مُطْلَقًا؛ نَعَمْ إنْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِالْقَضَاءِ وَجَبَ.

قَوْلُهُ: (فَوْقَ ثَلَاثٍ) وَأَمَّا إذَا كَانَ الْهِجْرَانُ لِلَّهِ بِأَنْ كَانَ لِأَمْرٍ دِينِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

يَاهَا جَرَى فَوْقَ الثَّلَاثِ بِلَا سَبَبْ ... خَالَفْت قَوْلَ نَبِيِّنَا أَزْكَى الْعَرَبْ

هَجْرُ الْفَتَى فَوْقَ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ ... مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ لِمَوْلَانَا غَضَبْ

قَوْلُهُ: (وَيَصُومُ مَعَهُمْ) أَيْ نَدْبًا عِنْدَ م ر وَوُجُوبًا عِنْدَ حَجّ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: وَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْإِمَامِ الْآمِرِ بِهِ لِبُعْدِ إيجَابِ الشَّخْصِ شَيْئًا عَلَى نَفْسِهِ. وَخَالَفَ حَجّ فِيهِ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ وُجُوبِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنْهُ أَوْ الْإِخْبَارِ؛ وَإِنْ قُلْنَا الْمُتَكَلِّمُ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ لِأَنَّا إنَّمَا أَوْجَبْنَا الصَّوْمَ عَلَى غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ بَذْلًا لِطَاعَتِهِ. وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بَذْلُ طَاعَةِ الشَّخْصِ لِنَفْسِهِ اهـ. وَلَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ أَوْلِيَاءَ الصِّبْيَانِ الْمُطِيقِينَ أَنْ يَأْمُرُوهُمْ فَالْمُتَّجَهُ الْوُجُوبُ سم أج قَوْلُهُ: (لِأَنَّ لِكُلِّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ أَثَرًا إلَخْ) وَأَيْضًا فَالصَّوْمُ لَهُ أَثَرٌ فِي اسْتِقَامَةِ الْقَلْبِ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الْقُشَيْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ: اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِقَامَةَ تُوجِبُ اسْتِدَامَةَ الْكَرَامَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: ١٦] وَلَمْ يَقُلْ " سَقَيْنَاهُمْ " بَلْ " أَسْقَيْنَاهُمْ " إشَارَةً إلَى الدَّوَامِ.

قَوْلُهُ: (بِتَرْكِ ذَلِكَ) أَيْ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ قَوْلُهُ: (وَالْمَظْلُومُ) وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ:

لَا تَظْلِمَنَّ إذَا مَا كُنْت مُقْتَدِرًا ... فَالظُّلْمُ آخِرُهُ يَأْتِيك بِالنَّدَمِ

نَامَتْ جُفُونُك وَالْمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ ... يَدْعُو عَلَيْك وَعَيْنُ اللَّهِ لَمْ تَنَمْ

وَلِلشَّيْخِ حَسَنِ الْبَدْرِيِّ:

وَسَبْعَةٌ لَا يَرُدُّ اللَّهُ دَعْوَتَهُمْ ... مَظْلُومٌ وَالِدٌ ذُو صَوْمٍ وَذُو مَرَضِ

وَدَعْوَةٌ لِأَخٍ بِالْغَيْبِ ثُمَّ نَبِيٌّ ... لِأُمَّةٍ ثُمَّ ذُو حَجٍّ بِذَاكَ قُضِيَ

قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَمَرَهُمْ الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ مِنْهُ الْقَاضِيَ الْعَامَّ الْوِلَايَةَ لَا نَحْوَ وَالِي الشَّوْكَةِ، وَأَنَّ الْبِلَادَ الَّتِي لَا إمَامَ فِيهَا يُعْتَبَرُ ذُو الشَّوْكَةِ الْمُطَاعُ فِيهَا، شَوْبَرِيٌّ. وَأَمْرُهُ بِذَلِكَ يَعُمُّ مَنْ حَضَرَ وَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ وَصَحَّحَهُ م ر قَوْلُهُ: (لَزِمَهُمْ امْتِثَالُ أَمْرِهِ) وَلَوْ مُسَافِرِينَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ شَعْبَانَ لِأَنَّهُ لِسَبَبِ أج. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَ بِوَاجِبٍ تَأَكَّدَ وُجُوبُهُ، وَإِنْ أَمَرَ بِمَنْدُوبٍ وَجَبَ، وَإِنْ أَمَرَ بِمُبَاحٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ كَتَرْكِ شُرْبِ الدُّخَانِ وَجَبَ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ بِمُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَوْ مُبَاحٍ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ عَامَّةً م د قَوْلُهُ: (وَالْقِيَاسُ طَرْدُهُ) أَيْ تَعْمِيمُهُ أَيْ الْإِيجَابِ وَشُمُولُهُ لِلْجَمِيعِ إلَخْ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُ: (تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ) اعْتَمَدَهُ م ر.

<<  <  ج: ص:  >  >>