وَجُلُوسِهِمْ لِلِاتِّبَاعِ، وَيَتَنَظَّفُونَ بِالسِّوَاكِ وَقَطْعِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَبِالْغُسْلِ، وَيَخْرُجُونَ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعُونَ فِي أُخْرَى مُشَاةً فِي ذَهَابِهِمْ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِمْ لَا حُفَاةً مَكْشُوفِينَ الرُّءُوسَ، وَيَخْرُجُونَ مَعَهُمْ نَدْبًا الصِّبْيَانُ وَالشُّيُوخُ وَالْعَجَائِزُ وَمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ وَالْخُنْثَى الْقَبِيحِ الْمَنْظَرِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ إذْ الْكَبِيرُ أَرَقُّ قَلْبًا وَالصَّغِيرُ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرُوِيَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ «لَوْلَا شَبَابٌ خُشَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا» وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ:
لَوْلَا عِبَادٌ لِلْإِلَهِ رُكَّعٌ ... وَصِبْيَةٌ مِنْ الْيَتَامَى رُضَّعُ
وَمُهْمَلَاتٌ فِي الْفَلَاةِ رُتَّعٌ ... صُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ الْأَوْجَعُ
وَالْمُرَادُ بِالرُّكَّعِ الَّذِينَ انْحَنَتْ ظُهُورُهُمْ مِنْ الْكِبَرِ وَقِيلَ مِنْ الْعِبَادَةِ، وَيُسَنُّ إخْرَاجُ الْبَهَائِمِ لِأَنَّ الْجَدْبَ قَدْ أَصَابَهَا أَيْضًا وَفِي الْحَدِيثِ «إنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ خَرَجَ لِيَسْتَسْقِيَ وَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: ارْجِعُوا فَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ شَأْنِ النَّمْلَةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ هُوَ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَنَّ النَّمْلَةَ وَقَعَتْ عَلَى ظَهْرِهَا وَرَفَعَتْ يَدَيْهَا وَقَالَتْ: اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْتَنَا فَارْزُقْنَا وَإِلَّا فَأَهْلِكْنَا، قَالَ: وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ: اللَّهُمَّ إنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِك لَا غِنَى لَنَا عَنْ رِزْقِك فَلَا تُهْلِكْنَا بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ وَتَقِفُ الْبَهَائِمُ مَعْزُولَةً عَنْ النَّاسِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَكْشُوفِينَ الرُّءُوسَ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى الْأَوْجَهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ التَّوَاضُعِ، قَالَهُ الزِّيَادِيُّ وَأَ ج وَاسْتَبْعَدَهُ م ر فِي شَرْحِهِ، فَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ قَوْلُهُ: (الصِّبْيَانُ) وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزِينَ، وَهَلْ مُؤْنَةُ إخْرَاجِهِمْ فِي مَالِهِمْ أَوْ فِي مَالِ الْوَالِي؟ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا يَسْتَسْقُونَ لِأَنْفُسِهِمْ، فَالْمُؤْنَةُ فِي مَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ وَإِنْ كَانُوا يَسْتَسْقُونَ لِغَيْرِهِمْ فَمُؤْنَةُ إخْرَاجِهِمْ فِي مَالِ الْوَلِيِّ الْمُخْرِجِ لَهُمْ سم قَوْلُهُ: (وَهَلْ تُرْزَقُونَ إلَخْ) اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى النَّفْيِ أَيْ مَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ قَوْلُهُ: (لَوْلَا شَبَابٌ إلَخْ) فِي شَرْحِ م ر إسْقَاطُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْجُمَلِ الثَّلَاثِ بَعْدَهَا، فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ رِوَايَةً وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ لَفْظَ الْعِبَادِ فِي النَّظْمِ شَامِلٌ لِلشَّبَابِ وَالشُّيُوخِ فَحَصَلَتْ الْمُطَابَقَةُ اهـ.
قَوْلُهُ: (لَوْلَا عِبَادٌ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ فِي النَّظْمِ لَمْ يَسْتَوْفِ مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ إذْ فِيهِ أَرْبَعَةٌ وَفِي النَّظْمِ ثَلَاثَةٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ لَفْظَ الْعِبَادِ فِي النَّظْمِ شَامِلٌ لِلشَّبَابِ وَالشُّيُوخِ فَحَصَلَتْ الْمُطَابَقَةُ أج؛.
لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ: " وَالْمُرَادُ بِالرُّكَّعِ إلَخْ " لَكِنْ يُنَاسِبُهُ التَّفْسِيرُ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ إخْرَاجُ الْبَهَائِمِ) لَا يَبْعُدُ الشُّمُولُ لِنَحْوِ الْكِلَابِ لِأَنَّهَا مُسْتَرْزِقَةٌ عَلَيْهِ فَالْعَقُورُ مِنْهَا حَيْثُ تَأَخَّرَ قَتْلُهُ لِأَمْرٍ اقْتَضَاهُ، وَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ النَّاسُ لَا يُسَنُّ إخْرَاجُ الْبَهَائِمِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَخْرُجُ تَبَعًا سم قَوْلُهُ: (بِنَمْلَةٍ) تَاؤُهَا لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ كَتَاءِ قَمْلَةٍ وَاسْمُهَا حَرْمَلَةٌ أَوْ طَاخِيَةٌ وَكَانَتْ قَدْرَ السَّخْلَةِ. وَقَوْلُهُ " بِنَمْلَةٍ " أَيْ مُجْتَمِعٌ بِنَمْلَةٍ " وَإِذَا " فُجَائِيَّةٌ قَوْلُهُ: (وَرَفَعَتْ يَدَيْهَا) وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوَائِمِهَا فِيمَا مَرَّ قَوْلُهُ: (لَا غِنَى) بِالْقَصْرِ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْفَقْرِ، وَأَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْغِنَاءِ فَهُوَ بِالْمَدِّ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَسْقَى لِقَوْمِهِ فَلَمْ يُسْقُوا فَقَالَ: يَا رَبِّ بِأَيِّ شَيْءٍ مَنَعْتَنَا الْغَيْثَ؟ فَقَالَ: يَا مُوسَى إنَّ فِيكُمْ رَجُلًا عَاصِيًا قَدْ بَارَزَنِي أَرْبَعِينَ سَنَةً. فَطَلَعَ مُوسَى عَلَى تَلٍّ عَالٍ وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَيُّهَا الْعَاصِي قَدْ مُنِعْنَا الْغَيْثَ بِسَبَبِك فَاخْرُجْ، فَنَظَرَ الْعَاصِي يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَمْ يَرَ أَحَدًا خَرَجَ فَعَلِمَ أَنَّهُ الْمَطْلُوبُ، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: إنْ خَرَجْت افْتَضَحْت وَإِنْ قَعَدْت مُنِعُوا مِنْ أَجْلِي، إلَهِي قَدْ تُبْت إلَيْك فَاقْبَلْنِي، فَأَرْسَلَ اللَّهُ إلَيْهِمْ الْغَيْثَ وَسُقُوا حَتَّى رَوُوا. فَتَعَجَّبَ مُوسَى فَقَالَ: يَا رَبِّ سَقَيْتَنَا وَلَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْ بَيْنِنَا؟ فَقَالَ: يَا مُوسَى الَّذِي مَنَعْتُكُمْ بِهِ قَدْ تَابَ إلَيَّ وَرَجَعَ. فَقَالَ: يَا رَبِّ دُلَّنِي عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا مُوسَى أَنْهَاكُمْ عَنْ النَّمِيمَةِ وَأَكُونُ نَمَّامًا؟ اهـ ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ.
وَقَحَطَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَوَفَدَ عَلَيْهِ وَفْدٌ فَقَامَ خَطِيبُهُمْ: فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَيْنَاك عَنْ ضَرُورَةٍ قَدْ يَبِسَتْ جُلُودُنَا عَلَى أَجْسَادِنَا لِفَقْدِ الطَّعَامِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَالُ لِلَّهِ فَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ لِعِبَادِ اللَّهِ فَإِنَّا إيَّاهُمْ، وَإِنْ كَانَ لَك فَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ، فَبَكَى عُمَرُ وَأَمَرَ بِكِفَايَتِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ قَالَ لِلْخَطِيبِ: كَمَا رَفَعْت حَاجَتَك إلَيْنَا فَارْفَعْ إلَى اللَّهِ حَاجَتِي، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اصْنَعْ مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute