للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ حَتَّى يَكْثُرَ الصِّيَاحُ وَالضَّجَّةُ وَالرِّقَّةُ فَيَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ، وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْحُضُورَ لِأَنَّهُمْ مُسْتَرْزَقُونَ وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ، وَقَدْ يُجِيبُهُمْ اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ وَيُكْرَهُ إخْرَاجُهُمْ لِلِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا كَانُوا سَبَبَ الْقَحْطِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا أَكْرَهُ مِنْ إخْرَاجِ صِبْيَانِهِمْ مَا أَكْرَهُ مِنْ إخْرَاجِ كِبَارِهِمْ لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ أَقَلُّ لَكِنْ يُكْرَهُ لِكُفْرِهِمْ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا يَقْتَضِي كُفْرَ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ إذَا مَاتُوا فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: إنَّهُمْ فِي النَّارِ وَطَائِفَةٌ لَا نَعْلَمُ حُكْمَهُمْ؛ وَالْمُحَقِّقُونَ إنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ وَوُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ انْتَهَى وَتَحْرِيرُ هَذَا أَنَّهُمْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا كُفَّارٌ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَا يُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي الْآخِرَةِ مُسْلِمُونَ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَيُسَنُّ لِكُلٍّ أَحَدٍ مِمَّنْ يَسْتَسْقِي أَنْ يَسْتَشْفِعَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ خَيْرٍ بِأَنْ يَذْكُرَهُ فِي نَفْسِهِ فَيَجْعَلَهُ شَافِعًا لِأَنَّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

عُمَرَ كَصُنْعِهِ مَعَ رَعِيَّتِهِ، فَمَا تَمَّ دُعَاؤُهُ حَتَّى أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ وَوَقَعَتْ بُرْمَةٌ فَانْكَسَرَتْ وَخَرَجَتْ مِنْهَا وَرَقَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا: " بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ النَّارِ " اهـ. وَسُئِلَ مَلِكٌ زَالَ عَنْهُ مُلْكُهُ: مَا سَبَبُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لِاغْتِرَارِي بِالدَّوْلَةِ وَالْقَوْمِ وَرِضَايَ بِرَأْيِي وَتَرْكِ الْمَشُورَةِ وَتَوْلِيَتِي أَصَاغِرَ الْعُمَّالِ عَلَى أَكَابِرِ الْأَعْمَالِ وَتَشَاغُلِي عَنْ قَضَاءِ حَوَائِجِ الرَّعِيَّةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَالرِّقَّةُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ رِقَّةُ الْقُلُوبِ، وَفِي نُسْخَةٍ: " وَالرَّأْفَةُ " بَدَلَ " وَالرِّقَّةِ ".

قَوْلُهُ: (وَلَا يَمْنَعُ) أَيْ الْإِمَامُ وَقَوْلُهُ أَهْلَ الذِّمَّةِ أَيْ وَلَا أَهْلَ الْعَهْدِ، لَكِنْ لَا يَخْتَلِطُونَ بِنَا وَلَا يَخْرُجُونَ مَعَنَا فِي يَوْمِنَا بَلْ يَخْرُجُونَ فِي يَوْمٍ آخَرَ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ. لَا يُقَالُ فِي خُرُوجِهِمْ وَحْدَهُمْ مَظِنَّةَ مَفْسَدَةٍ وَهُوَ مُصَادَفَةُ الْإِجَابَةِ فَيَظُنُّ ضُعَفَاءُ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ خَيْرًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ خُرُوجُهُمْ مَعَنَا مَفْسَدَةٌ مُحَقَّقَةٌ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ، قَالَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. م ر قَوْلُهُ: (وَقَدْ يُجِيبُهُمْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ دُعَاءَ الْكَافِرِ يُجَابُ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: ١٤] فَالْمُرَادُ بِهِ الْعِبَادَةُ شَوْبَرِيٌّ. فَرْعٌ: فِي اسْتِجَابَةِ دُعَاءِ الْكَافِرِ خِلَافٌ، قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَمَّنَ عَلَى دُعَائِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: ١٤] وَقَالَ آخَرُونَ: إنَّهُ مُسْتَجَابٌ وَقَدْ اُسْتُجِيبَتْ دَعْوَةُ إبْلِيسَ فِي قَوْلِهِ: {أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الأعراف: ١٤] . وَوَاضِحٌ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الِاسْتِجَابَةِ بِمَعْنَى إيتَاءِ الْمَسْئُولِ، وَحِينَئِذٍ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قَدْ يُعْطَى سُؤَالُهُ اسْتِدْرَاجًا، وَمِنْهُ مَا وَقَعَ لِإِبْلِيسَ. أَمَّا الِاسْتِجَابَةُ بِمَعْنَى، الْإِثَابَةِ عَلَيْهِ فَهِيَ مَنْفِيَّةٌ جَزْمًا، وَهَذَا مَحْمَلُ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْإِيعَابِ.

وَلَوْ قِيلَ فِي وَجْهِ الْحُرْمَةِ: إنَّ فِي التَّأْمِينِ عَلَى دُعَائِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَغْرِيرًا لَهُ وَلِلْعَامَّةِ بِحُسْنِ طَرِيقَتِهِ لَكَانَ حَسَنًا. وَيَحْرُمُ الدُّعَاءُ لِلْكَافِرِ بِالْمَغْفِرَةِ، نَعَمْ إنْ أَرَادَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ إنْ أَسْلَمَ أَوْ أَرَادَ بِالدُّعَاءِ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ سَبَبُهَا وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَلَا يُتَّجَهُ إلَّا الْجَوَازُ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ إخْرَاجُهُمْ) أَيْ أَمْرُهُمْ بِالْخُرُوجِ وَيُكْرَهُ أَيْضًا خُرُوجُهُمْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ) أَيْ الصِّبْيَانِ أَقَلُّ أَيْ ذُنُوبَهُمْ صُورَةً؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا ذَنْبَ لَهُ قَوْلُهُ: (وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ) أَيْ اسْتِقْلَالًا عَلَى الرَّاجِحِ لَا خَدَمًا كَمَا قِيلَ، وَالْمُرَادُ بِالْخَدَمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ أَنَّهُمْ فِي مَرْتَبَةِ الْخَدَمِ إذْ الْجَنَّةُ لَا خِدْمَةَ فِيهَا مِنْ بَنِي آدَمَ، فَلَا يَرِدُ الْوِلْدَانُ؛ إذْ هُنَاكَ مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ اهـ أج. وَظَاهِرُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ جَارٍ فِي أَطْفَالِ كُفَّارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَغَيْرِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِي أَطْفَالِ كُفَّارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَقَطْ أَمَّا أَطْفَالُ كُفَّارِ غَيْرِهَا فَفِي النَّارِ كَمَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ عَنْ مُعِينِ الدِّينِ الصَّفَوِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَتَحْرِيرُ هَذَا) أَيْ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى الصَّحِيحِ قَوْلُهُ: (وَفِي الْآخِرَةِ مُسْلِمُونَ) أَيْ فِي حُكْمِهِمْ لِمَا قَالُوهُ إنَّ الْإِسْلَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>