ذَلِكَ لَائِقٌ بِالشَّدَائِدِ كَمَا فِي خَبَرِ الَّذِينَ أَوَوْا فِي الْغَارِ، وَأَنْ يَسْتَشْفِعَ بِأَهْلِ الصَّلَاحِ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ لَا سِيَّمَا أَقَارِبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اسْتَشْفَعَ عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا قَحَطْنَا، نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِنَبِيِّنَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
خَاصٌّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ أج.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَسْتَشْفِعَ) أَيْ يَتَوَسَّلَ قَوْلُهُ: كَمَا فِي خَبَرِ «الَّذِينَ أَوَوْا فِي الْغَارِ وَهُمْ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خَرَجُوا يَرْتَادُونَ لِأَهْلِهِمْ فَبَيْنَمَا هُمْ يَمْشُونَ إذْ أَصَابَهُمْ حَرُّ الشَّمْسِ فَأَوَوْا إلَى الْكَهْفِ فَسَقَطَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ بَابَ الْغَارِ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: اُذْكُرُوا أَيَّكُمْ عَمِلَ حَسَنَةً لَعَلَّ اللَّهَ يُفَرِّجُ عَنَّا، فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: قَدْ عَمِلْت حَسَنَةً مِنْ وَاحِدٍ؛ كَانَ لِي أُجَرَاءُ يَعْمَلُونَ عَمَلًا اسْتَأْجَرْت كُلَّ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَطَ النَّهَارِ رَجُلٌ فَاسْتَأْجَرْتُهُ بِشَطْرِ أَصْحَابِهِ فَعَمِلَ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ كَمَا عَمِلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فِي طُولِ نَهَارِهِ فَرَأَيْت أَنْ لَا أُنْقِصَهُ مِمَّا اسْتَأْجَرْت بِهِ أَصْحَابَهُ لِاجْتِهَادِهِ فِي عَمَلِهِ فَقَالَ رَجُلٌ: أَتُعْطِي هَذَا مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَنِي؟ وَلَمْ يَعْمَلْ إلَّا نِصْفَ النَّهَارِ، فَقُلْت: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَمْ أُنْقِصْك مِنْ أُجْرَتِك شَيْئًا وَإِنَّمَا هُوَ مَالِي أَحْكُمُ فِيهِ بِمَا أَشَاءُ، فَغَضِبَ الرَّجُلُ وَذَهَبَ وَتَرَكَ أُجْرَتَهُ، فَوَضَعْت حَقَّهُ فِي جَانِبٍ مِنْ الْبَيْتِ. ثُمَّ مَرَّتْ بِي بَعْدَ ذَلِكَ بَقَرٌ فَاشْتَرَيْت لَهُ فَصِيلَةٌ بِأُجْرَتِهِ فَبَلَغَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَصِرْت أَزْرَعُ لَهُ بِأُجْرَتِهِ وَأَشْتَرِي لَهُ مِنْ رِيعِ الزَّرْعِ عِجْلَةً وَعَنْزًا وَسَخْلَةً وَتَرْعَى فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ، فَزَادَتْ وَنَمَتْ. ثُمَّ مَرَّ بِي بَعْدَ حِينٍ شَيْخٌ ضَعِيفٌ لَا أَعْرِفُهُ فَقَالَ: إنَّ لِي عِنْدَك حَقًّا، ثُمَّ ذَكَرَهُ حَتَّى عَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: هَذِهِ الْبَهَائِمُ حَقُّكَ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْخَرْ بِي إنْ لَمْ تَتَصَدَّقْ عَلَيَّ فَأَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْت لَهُ: وَاَللَّهِ مَا أَسْخَرُ بِك وَإِنَّمَا هِيَ حَقُّك وَلَيْسَ لِي فِيهَا شَيْءٌ. فَدَفَعْت جَمِيعَ ذَلِكَ لَهُ؛ اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءً لِوَجْهِك فَافْرِجْ عَنَّا، فَانْفَرَجَ مِنْهَا ثُلُثُهَا. وَقَالَ الْآخَرُ: قَدْ عَمِلْت حَسَنَةً، كَانَ لِي مَالٌ وَرِزْقٌ رَزَقَنِي اللَّهُ بِهِ فَأَصَابَ النَّاسَ شِدَّةٌ فَجَاءَتْنِي امْرَأَةٌ تَطْلُبُ مِنِّي إحْسَانًا، فَقُلْت لَهَا: بِشَرْطِ أَنْ تُمَكِّنِينِي مِنْ نَفْسِك، فَأَبَتْ وَذَهَبَتْ، ثُمَّ رَجَعَتْ ثَانِيًا وَطَلَبَتْ مِنِّي إحْسَانًا، فَقُلْت لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَبَتْ وَذَهَبَتْ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا فَقَالَ لَهَا: مَكِّنِيهِ مِنْ نَفْسِك وَأَحْيِي أَوْلَادَك لِئَلَّا يَمُوتُوا جُوعًا، فَرَجَعَتْ إلَيَّ وَأَنْشَدَتْنِي بِاَللَّهِ أَنْ أُعْطِيَهَا، فَأَبَيْتُ عَلَيْهَا إلَّا بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ؛ فَسَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَيَّ، فَلَمَّا كَشَفْت عَوْرَتَهَا وَقَعَدْت مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنْ زَوْجَتِهِ ارْتَعَدَتْ فَقُلْت: مَا شَأْنُك؟ فَقَالَتْ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَقُلْت لَهَا: خِفْتِ فِي الشِّدَّةِ وَلَمْ أَخَفْهُ أَنَا فِي الرَّخَاءِ؟ فَتَرَكْتُهَا وَأَعْطَيْتُهَا مَا يَحِقُّ عَلَيَّ بِمَا كَشَفْتُهَا. اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْت ذَلِكَ ابْتِغَاءً لِوَجْهِك فَافْرِجْ عَنَّا، فَانْفَرَجَ ثُلُثُهَا الثَّانِي وَتَبَيَّنَ لَهُمْ الضَّوْءُ. ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنِّي عَمِلْت حَسَنَةً، كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَكَانَ لِي غَنَمٌ فَكُنْت أُطْعِمُ أَبَوَيَّ وَأَسْقِيهِمَا ثُمَّ أَرْجِعُ إلَى غَنَمِي، فَجَاءَ غَيْثٌ فَحَبَسَنِي فَأَتَيْت إلَى أَبَوَيَّ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا فَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَ غَنَمِي، فَدُمْت وَاقِفًا عَلَى رَأْسِهِمَا وَمِحْلَبِي عَلَى يَدِي حَتَّى أَيْقَظَهُمَا الصُّبْحُ، فَسَقَيْتُهُمَا. اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْت ذَلِكَ ابْتِغَاءً لِوَجْهِك فَافْرِجْ عَنَّا، فَانْفَرَجَتْ كُلُّهَا فَخَرَجُوا» .
وَلَوْ أَخْبَرَ مَعْصُومٌ بِالْقَطْعِ بِاسْتِجَابَةِ دُعَاءِ شَخْصٍ فِي الْحَالِ وَاضْطُرَّ النَّاسُ لِلسُّقْيَا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ بِالسُّقْيَا؟ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسْتَشْفِعَ بِأَهْلِ الصَّلَاحِ) أَيْ يَتَوَسَّلَ بِهِمْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: " وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك إلَخْ " وَالتَّوَسُّلُ بِهِمْ بِأَنْ يُخْرِجَهُمْ لِلِاسْتِسْقَاءِ لِأَجْلِ دُعَائِهِمْ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، خُصُوصًا عُمَّارَ الْمَسَاجِدِ لِمَا وَرَدَ: «إنَّ اللَّهَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُنْزِلَ بِقَرْيَةٍ عَذَابًا نَظَرَ إلَى أَهْلِ الْمَسَاجِدِ فَصَرَفَ عَنْهَا» قَوْلُهُ: (لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي عَامٍ شَدِيدِ الْقَحْطِ، فَخَرَجَ النَّاسُ يَسْتَسْقُونَ وَخَرَجْت مَعَهُمْ، إذْ أَقْبَلَ عَلَيْنَا غُلَامٌ أَسْوَدُ عَلَيْهِ قِطْعَتَا خَيْشٍ قَدْ اتَّزَرَ بِإِحْدَاهُمَا وَوَضَعَ الْأُخْرَى عَلَى عَاتِقِهِ، فَجَلَسَ إلَى جَنْبِي فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: إلَهِي اخْتَلَفَتْ الْوُجُوهُ بِكَثْرَةِ الذُّنُوبِ وَالْمَسَاوِئِ وَقَدْ حَبَسْت عَنَّا غَيْثَ السَّمَاءِ لِتُؤَدِّبَ عِبَادَك، فَأَسْأَلُك يَا حَلِيمًا ذَا أَنَاةٍ يَا مَنْ لَا يَعْرِفُ عِبَادُهُ مِنْهُ إلَّا الْجَمِيلَ أَنْ تُسْقِيَهُمْ السَّاعَةَ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ السَّاعَةَ السَّاعَةَ حَتَّى اكْتَسَتْ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَأَقْبَلَ الْمَطَرُ مِنْ كُلِّ مَكَان. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: فَجِئْت إلَى الْفُضَيْلِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ لِي: أَرَاك كَئِيبًا، فَقُلْت: قَدْ سَبَقَنَا إلَيْهِ غَيْرُنَا وَتَوَلَّاهُ دُونَنَا؛ وَقَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَصَاحَ الْفُضَيْلُ وَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ اهـ أج قَوْلُهُ: (كَمَا اسْتَشْفَعَ عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ) .
وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute