للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ ضِدُّ الْأَمْنِ، وَحُكْمُ صَلَاتِهِ حُكْمُ صَلَاةِ الْأَمْنِ، وَإِنَّمَا أُفْرِدَ بِفَصْلٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُ فِي الْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِيهَا عِنْدَ غَيْرِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: ١٠٢] الْآيَةُ وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ مَعَ خَبَرِ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَتَجُوزُ فِي الْحَضَرِ كَالسَّفَرِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَصَلَاةُ الْخَوْفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ) بَلْ أَرْبَعَةٍ كَمَا سَتَرَاهَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَابِعَهَا وَجَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَاخْتَارَ بَقِيَّتَهَا مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا مَذْكُورَةٍ فِي الْأَخْبَارِ وَبَعْضُهَا فِي الْقُرْآنِ: (أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ) أَوْ فِيهَا وَثَمَّ سَاتِرٌ وَهُوَ قَلِيلٌ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَخِيفَ هُجُومُهُ (فَيُفَرِّقُهُمْ الْإِمَامُ فِرْقَتَيْنِ) بِحَيْثُ تَكُونُ كُلُّ فِرْقَةٍ تُقَاوِمُ الْعَدُوَّ (فِرْقَةٌ تَقِفُ فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالنَّفَلِ غَيْرِ الْمُطْلَقِ وَالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْخَوْفُ فَزَعُ الْقَلْبِ مِنْ مَكْرُوهٍ يَنَالُهُ أَوْ مَحْبُوبٍ يَفُوتُهُ، وَسَبَبُهُ تَفَكُّرُ الْعَبْدِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ كَتَفَكُّرِهِ فِي تَقْصِيرِهِ وَإِهْمَالِهِ وَقِلَّةِ مُرَاقَبَتِهِ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَكَتَفَكُّرِهِ فِيمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِنْ إهْلَاكِ مُخَالِفِهِ وَمَا أَعَدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ وَقِيلَ: الْخَوْفُ تَوَقُّعُ مَكْرُوهٍ عَنْ أَمَارَةٍ مَظْنُونَةٍ أَوْ مَعْلُومَةٍ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (عِنْدَهُ) أَيْ الْخَوْفِ وَقَوْلُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ أَيْ الْأَمْنِ.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ. . . إلَخْ) يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ وَارِدَةً فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَوْ فِي بَطْنِ نَخْلٍ، فَقَوْلُهُ فِيهَا: " فَإِذَا سَجَدُوا " إنْ حُمِلَ عَلَى فَرَغُوا مِنْ السُّجُودِ وَمِنْ تَمَامِ رَكْعَتِهِمْ كَانَتْ صَلَاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى صَلُّوا أَيْ فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ كَانَتْ بَطْنَ نَخْلٍ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجَلَالُ، وَذَكَرَ الرَّشِيدِيُّ أَنَّهَا وَارِدَةٌ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ وَلَا تَشْمَلُ شِدَّةَ الْخَوْفِ فَهِيَ دَلِيلٌ لَهَا فِي الْجُمْلَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف وَحَاصِلُ الصَّلَاةِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي الْخَوْفِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا مُؤَقَّتًا تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ جَازَ فِي الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ كَانَ نَفْلًا مُؤَقَّتًا لَا تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ جَازَ فِي الرَّابِعِ وَهُوَ شِدَّةُ الْخَوْفِ، وَأَمَّا النَّفَلُ الْمُطْلَقُ فَلَا يُفْعَلُ أَصْلًا، وَأَمَّا ذُو السَّبَبِ فَيُفْعَلُ مِنْهُ الْخُسُوفُ وَالْكُسُوفُ فِي الرَّابِعِ فَقَطْ؛ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْأَدَاءِ، أَمَّا الْقَضَاءُ فَإِنْ كَانَ فَائِتًا بِعُذْرٍ فَلَا يَفْعَلُ إلَّا إنْ خَافَ الْمَوْتَ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَ فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا.

قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ إلَخْ) إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الرَّابِعَ وَهُوَ بَطْنُ نَخْلٍ يَجُوزُ فِي الْخَوْفِ وَالْأَمْنِ.

قَوْلُهُ: (ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ اخْتَصَّ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ، لَكِنْ يَحْتَاجُ بَقِيَّةُ الْأَئِمَّةِ لِلْجَوَابِ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: ٢٣٩] الدَّالُ عَلَى الرَّابِعِ الَّذِي لَمْ يَذْكُرُوهُ وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالرَّابِعِ فُرَادَى لَا جَمَاعَةً، فَيَكُونُ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ الشَّافِعِيُّ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ جَمَاعَةً؛ وَقَوْلُهُ " رَابِعُهَا " أَيْ رَابِعُهَا فِي كَلَامِ غَيْرِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ، إذْ الرَّابِعُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ صَلَاةُ بَطْنِ نَخْلٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا بِالرَّابِعِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَهُوَ ثَالِثٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَعَلَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ سَرَتْ لِلشَّارِحِ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (وَجَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ) أَيْ صَرِيحًا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ جَاءَ بِذَاتِ الرِّقَاعِ أَوْ بَطْنِ نَخْلٍ لِكَوْنِهِ لَيْسَ نَصَّا فِي أَحَدِهِمَا، فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ ق ل بِقَوْلِهِ الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدَ وَبَعْضُهَا فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَهُ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَابِعَهَا وَجَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ بِغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (وَاخْتَارَ بَقِيَّتَهَا) أَيْ لِقِلَّةِ أَفْعَالِهَا قَوْلُهُ: (مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ) تَنَازَعَ فِيهِ ذَكَرَ وَاخْتَارَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الرَّابِعُ الْمُخْتَارَ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ السِّتَّةِ عَشَرَ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّهَا سَبْعَةَ عَشَرَ وَأَنَّ الرَّابِعَ زَائِدٌ عَلَى السِّتَّةَ عَشَرَ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ إلَخْ) أَيْ الصَّلَاةُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ " أَنْ يَكُونَ إلَخْ " وَإِلَّا فَقَوْلُهُ " أَنْ يَكُونَ إلَخْ " لَيْسَ صَلَاةً اُنْظُرْ م ر.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْعَدُوُّ قَلِيلٌ قَوْلُهُ: (وَفِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ) الْمُرَادُ بِالْكَثْرَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَهُمْ فِي الْعَدَدِ بِأَنْ يَكُونُوا مِائَتَيْنِ وَالْكُفَّارُ مِائَتَيْنِ مَثَلًا، فَإِذَا صَلَّى بِطَائِفَةٍ وَهِيَ مِائَةٌ يَبْقَى مِائَةٌ فِي مُقَابَلَةِ مِائَتَيْ الْعَدُوِّ، وَهَذِهِ أَقَلُّ دَرَجَاتِ الْكَثْرَةِ، اهـ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (فَيُفَرِّقُهُمْ الْإِمَامُ) وَلَوْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَإِنْ رُجِيَ زَوَالُ الْخَوْفِ، وَقَوْلُهُ: " الْإِمَامُ " لَيْسَ بِقَيْدٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>