وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ، سِيَّمَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ لِمَا قِيلَ إنَّهُ يُورِثُ الْبَوَاسِيرَ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، وَهَلْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى؟ أَوْجُهٌ حَكَاهَا الدَّمِيرِيُّ وَالطَّيِّبُ النَّاشِرِيُّ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ. وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ، لِأَنَّ أَبَا ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَزَالَ بِهِ الدَّمَ الَّذِي أَدَمْته قُرَيْشٌ حِينَ رَجَمُوهُ كَمَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَغَسَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَلَدَهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - حِينَ قُتِلَ وَتَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ.
(وَ) خَامِسُهَا (مَاءُ الْعَيْنِ) الْأَرْضِيَّةِ كَالنَّابِعَةِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ جَبَلٍ، أَوْ الْحَيَوَانِيَّةِ كَالنَّابِعَةِ مِنْ الزُّلَالِ وَهُوَ شَيْءٌ يَنْعَقِدُ مِنْ الْمَاءِ. عَلَى صُورَةِ الْحَيَوَانِ، أَوْ الْإِنْسَانِيَّةِ كَالنَّابِعِ، مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَاتِهَا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ الْمِيَاهِ مُطْلَقًا. (وَ) سَادِسُهَا (مَاءُ الثَّلْجِ) بِالْمُثَلَّثَةِ (وَ) سَابِعُهَا (مَاءُ الْبَرَدِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ لِأَنَّهُمَا يَنْزِلَانِ مِنْ السَّمَاءِ ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُمَا الْجُمُودُ فِي الْهَوَاءِ كَمَا يَعْرِضُ لَهُمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ.
فَلَا يَرِدَانِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَكَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا رَشْحُ بُخَارِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ مَاءٌ حَقِيقَةً وَيَنْقُصُ بِقَدْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ نَازَعَ فِيهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَقَالُوا يُسَمُّونَهُ بُخَارًا أَوْ رَشْحًا لَا مَاءً عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَا مَاءُ الزَّرْعِ إذَا قُلْنَا بِطَهُورِيَّتِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَحَدِ الْمِيَاهِ الْمَذْكُورَةِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَحَصَلَتْ لَهَا غَيْرَةٌ فَنَقَلَهَا مِنْ عِنْدَهَا، وَبَعْدَ ذَلِكَ حَمَلَتْ سَارَةُ بِإِسْحَاقَ وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَبَلَغَ عُمُرُ إسْمَاعِيلَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَعُمُرُ إِسْحَاقَ مِائَةً وَثَمَانِينَ سَنَةً ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي إلَخْ) صَادِقٌ بِالْإِبَاحَةِ وَهُوَ لَا يُلَائِمُ مَا يَأْتِي مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُزَالَ النَّجَاسَةُ بِهِ اهـ. أَيْ فَيَكُونُ الِانْبِغَاءُ بِمَعْنَى الْوُجُوبِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَالنَّدْبِ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ. اهـ. ح ف. قَوْلُهُ: (وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ) ضَعِيفٌ بَلْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ الْمَاءُ النَّابِعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ع ش.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ أَبَا ذَرٍّ) هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ الْجَوَازِ.
قَوْلُهُ: (أَدْمَتْهُ) أَيْ أَسَالَتْهُ. وَقَوْلُهُ: رَجَمُوهُ وَإِنَّمَا صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُفْعَلُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ.
قَوْلُهُ: (قُتِلَ) أَيْ قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ وَصَلَبَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً. قَوْلُهُ: (أَوْصَالُهُ) أَيْ أَعْضَاؤُهُ. وَقَوْلُهُ: بِمَاءِ زَمْزَمَ مُتَعَلِّقٌ ب غَسَلَتْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ الْحَيَوَانِيَّةِ) أَيْ صُورَةً. قَوْلُهُ: (مِنْ الزُّلَالِ) بِوَزْنِ غُرَابٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى صُورَةِ الْحَيَوَانِ) وَلَيْسَ حَيَوَانًا لِأَنَّهُ يَنْمَاعُ إلَى الْمَاءِ عِنْدَ عُرُوضِ الْحَرَارَةِ لَهُ ق ل. قَالَ اج: وَإِنَّمَا هُوَ جَمَادٌ يُقَالُ لَهُ دُودُ الْمَاءِ وَيُسَمَّى بِالزُّلَالِ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَإِنْ تَحَقَّقَ كَوْنُهُ حَيَوَانًا كَانَ مَا فِي بَطْنِهِ نَجِسًا لِأَنَّهُ قَيْءٌ.
قَوْلُهُ: (كَالنَّابِعِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهُوَ إيجَادُ مَعْدُومٍ عَلَى الرَّاجِحِ. وَقِيلَ تَكْثِيرُ مَوْجُودٍ يَعْنِي أَنَّهُ هُوَ مِنْ ذَاتِ الْأَصَابِعِ الشَّرِيفَةِ أَوْ مِنْ خَارِجٍ. وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ إيجَادُ مَعْدُومٍ بِالنِّسْبَةِ لِلزِّيَادَةِ عَلَى مَا فِي الْإِنَاءِ وَتَكْثِيرُ مَوْجُودٍ بِالنِّسْبَةِ لَمَّا فِي الْإِنَاءِ.
قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَأَفْضَلُ الْمِيَاهِ مَاءٌ قَدْ نَبَعْ ... مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ الْمُتَّبَعْ
يَلِيه مَاءُ زَمْزَمَ فَالْكَوْثَرْ ... فَنِيلُ مِصْرَ ثُمَّ بَاقِي الْأَنْهُرْ
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُمَا الْجُمُودُ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي اتِّحَادَهُمَا، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا كِبَرُ حَبَّاتِ الْأَوَّلِ وَصِغَرُ حَبَّاتِ الثَّانِي، وَفِي حَاشِيَةِ الَأُجْهُورِيُّ مَا نَصُّهُ: وَكَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمَاءَ يَنْزِلُ مَائِعًا ابْتِدَاءً، لَكِنَّ الثَّلْجَ يَعْرِضُ لَهُ الْجُمُودُ وَيَسْتَمِرُّ، وَالْبَرَدُ يَعْرِضُ لَهُ الْجُمُودُ وَيَنْمَاعُ أَيْ عَقِبَ وُقُوعِهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَرِدَانِ عَلَى الْمُصَنِّفِ) أَيْ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذِكْرُهُمَا مَعَ دُخُولِهِمَا فِي مَاءِ السَّمَاءِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ مَا تَحَلَّلَ مِنْهُمَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ سم. وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: لَا يَرِدَانِ لِأَنَّهُ عَرَضَ لَهُمَا صِفَةٌ غَيَّرَتْهُ أَيْ الْمَاءَ عَنْ حَالَتِهِ وَهِيَ الْجُمُودُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا مَاءُ الزَّرْعِ) وَهُوَ النَّدَى وَمَا قِيلَ إنَّهُ نَفَسُ دَابَّةٍ فَمَرْدُودٌ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ)