للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّامُوسِيَّةِ الَّتِي وَجْهُهَا حَرِيرٌ. أَمَّا لُبْسُهُ لِلرَّجُلِ فَمُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَأَمَّا لِلْخُنْثَى فَاحْتِيَاطٌ، وَأَمَّا مَا سِوَاهُ فَلِقَوْلِ حُذَيْفَةَ: «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَعَلَّلَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْحُرْمَةَ عَلَى الرَّجُلِ بِأَنَّ فِي الْحَرِيرِ خُنُوثَةٌ لَا تَلِيقُ بِشَهَامَةِ الرِّجَالِ، أَمَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُهْلِكَيْنِ أَوْ مُضِرَّيْنِ كَالْخَوْفِ عَلَى عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ فَيَجُوزُ إزَالَةً

لِلضَّرُورَةِ

، وَيُؤْخَذُ مِنْ جَوَازِ اللُّبْسِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَخَفُّ، وَيَجُوزُ أَيْضًا لِفُجَاءَةِ حَرْبٍ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلِحَاجَةٍ كَجَرَبٍ وَدَفْعِ قُمَّلٍ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي لُبْسِهِ لِذَلِكَ وَسَتْرِ عَوْرَتِهِ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ عُيُونِ النَّاسِ وَفِي الْخَلْوَةِ إذَا أَوْجَبْنَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ الْحَرِيرِ.

(وَ) كَذَا يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ وَمِثْلُهُمْ الْخَنَاثَى (التَّخَتُّمُ بِالذَّهَبِ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ فِي يَمِينِهِ قِطْعَةَ حَرِيرٍ وَفِي شِمَالِهِ قِطْعَةَ ذَهَبٍ وَقَالَ: هَذَانِ أَيْ اسْتِعْمَالُهُمَا حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ»

ــ

[حاشية البجيرمي]

حَائِلٍ، فَإِنْ فَرَشَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ وَلَوْ خَفِيفًا مُهَلْهَلَ النَّسْجِ وَجَلَسَ فَوْقَهُ جَازَ كَمَا يَجُوزُ جُلُوسُهُ عَلَى مِخَدَّةٍ مَحْشُوَّةٍ بِهِ وَعَلَى نَجَاسَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلٌ بِحَيْثُ لَا تُلَاقِي شَيْئًا مِنْ بَدَنِ الْمُصَلِّي وَثِيَابِهِ، وَسَوَاءٌ اتَّخَذَ الْحَرِيرَ قَصْدًا وَبَسَطَ عَلَيْهِ شَيْئًا وَجَلَسَ أَوْ اتَّفَقَ لَهُ فِي دَعْوَةٍ وَنَحْوِهَا فَبَسَطَ عَلَيْهِ شَيْئًا فَجَلَسَ عَلَيْهِ، خِلَافًا لِمَنْ صَوَّرَ الْحِلَّ بِمَا إذَا اتَّفَقَ فِي دَعْوَةٍ وَنَحْوِهَا أَمَّا إذَا اتَّخَذَ لَهُ حَصِيرًا مِنْ حَرِيرٍ فَالْوَجْهُ التَّحْرِيمُ وَإِنْ بَسَطَ فَوْقَهَا شَيْئًا لِمَا فِيهِ مِنْ السَّرَفِ وَاِتِّخَاذِ الْحَرِيرِ لَا مَحَالَةَ اهـ وَبَقِيَ مَا لَوْ بَسَطَ عَلَى مَحِلِّ جُلُوسِهِ وَبَاقِي الْحَرِيرِ ظَاهِرٌ هَلْ يَحْرُمُ نَظَرًا لِعَدَمِ سَتْرِهِ كُلِّهِ أَوْ لَا يَحْرُمُ كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى مَحَلٍّ طَاهِرٍ مِنْ حَصِيرٍ وَاسِعٍ وَبَاقِيه نَجِسٌ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاسْتَقْرَبَ ع ش الثَّانِي اهـ أج.

قَوْلُهُ: (وَتَسَتَّرَ بِهِ) كَالنَّامُوسِيَّةِ الْآتِيَةِ قَوْلُهُ: (الَّتِي وَجْهُهَا حَرِيرٌ) هَذَا كُلُّهُ إذَا بَقِيَ الْحَرِيرُ عَلَى أَصْلِهِ وَلَمْ يُسْتَهْلَكْ، فَإِنْ اُسْتُهْلِكَ لَمْ يَحْرُمُ الِاسْتِعْمَالُ؛ وَلِذَا قَالَ م ر: وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ وَرِقِ الْحَرِيرِ فِي الْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِحَالَةَ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (فَاحْتِيَاطٌ) الْمُنَاسِبُ فَعَلَى الصَّحِيحِ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا مَا سِوَاهُ) أَيْ مَا سِوَى اللُّبْسِ مِنْ بَقِيَّةِ الِاسْتِعْمَالَاتِ، وَفِيهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ السِّوَى؛ نَعَمْ ذَكَر م ر مَا حَاصِلُهُ أَنَّ بَقِيَّةَ الْأَفْرَادِ ذُكِرَتْ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ تَجْلِسَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ.

قَوْلُهُ: (وَعَلَّلَ الْإِمَامُ) فِيهِ أَنَّ هَذَا

يَصْلُحُ حِكْمَةً لَا عِلَّةً

ق ل؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تُقَارِنُ الْمَعْلُولَ وُجُودًا وَعَدَمًا، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ انْتَفَى عَنْ الرِّجَالِ الشَّهَامَةُ كَبَعْضِ الرِّجَالِ لَا يَحْرُمُ أَوْ وُجِدَتْ فِي بَعْضِ النِّسَاءِ يَحْرُمُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيهِمَا فَهُوَ حِكْمَةٌ لَا عِلَّةٌ وَالْحِكْمَةُ لَا يَضُرُّ تَخَلُّفُهَا.

قَوْلُهُ: (خُنُوثَةً) أَيْ لُيُونَةً وَنُعُومَةً.

قَوْلُهُ: (بِشَهَامَةِ الرِّجَالِ) أَيْ قُوَّتِهِمْ.

قَوْلُهُ: (أَوْ مُضِرِّينَ) أَيْ ضَرَرًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ م ر.

قَوْلُهُ: (إزَالَةً لِلضَّرُورَةِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ إزَالَةً لِلضَّرَرِ، وَهِيَ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَيْضًا) هَذَا مِنْ أَفْرَادِ الضَّرُورَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (لِفُجَاءَةٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ وَبِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَيْ بَغْتَتُهَا، أَيْ مَجِيئُهَا بِلَا اسْتِعْدَادٍ لَهَا وَلَا مِيعَادٍ.

قَوْلُهُ: (يَقُومُ مَقَامَهُ) أَيْ فِي الْجِهَادِ بِأَنْ كَانَ ضِيقَ الْكُمَّيْنِ يَصْلُحُ لِلْقِتَالِ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ كَذَلِكَ أَوْ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي دَفْعِ السِّلَاحِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَمَقَامُهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ قَامَ الشَّيْءُ مَقَامَ غَيْرِهِ بِالْفَتْحِ، وَأَقَمْتُهُ مُقَامَ غَيْرِهِ بِالضَّمِّ {تَنْبِيهٌ} : خَطَرَ بِذِهْنِي أَنْ يُقَالَ: هَلَّا جَوَّزُوا التَّزَيُّنَ بِالْحَرِيرِ فِي الْحُرُوبِ غَيْظًا لِلْكُفَّارِ وَلَوْ وُجِدَ غَيْرُهُ كَتَحْلِيَةِ الْآلَةِ لِأَنَّ بَابَ الْحَرِيرِ أَوْسَعُ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّحْلِيَةَ غَيْرُ مُسْتَقِلَّةٍ وَلِأَنَّهَا فِي الْآلَةِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْ الْبَدَنِ بِخِلَافِ التَّزَيُّنِ بِالْحَرِيرِ فِيهِمَا، عَلَى أَنْ ابْنَ كَجٍّ جَوَّزَ الْقَبَاءَ وَغَيْرَهُ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْقِتَالِ مِنْ الْحَرِيرِ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ اهـ عَمِيرَةٌ.

قَوْلُهُ: (لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ) وَلِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ.

قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ لِلْجَرَبِ وَالْقُمَّلِ.

قَوْلُهُ: (وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى " جَرَبٍ "

قَوْلُهُ: (التَّخَتُّمُ بِالذَّهَبِ) وَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْحُلِيِّ، وَأَمَّا التَّخَتُّمُ بِالْفِضَّةِ فَيَجُوزُ حَيْثُ كَانَ عَلَى عَادَةِ أَمْثَالِهِ قَدْرًا وَمَحَلًّا وَصِفَةً.

قَوْلُهُ: (أَيْ اسْتِعْمَالُهُمَا) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ حَرَامٌ مُفْرَدٌ وَلَا يُخْبَرُ بِهِ عَنْ الْمُثَنَّى وَأَشَارَ بِهِ أَيْضًا إلَى أَنَّ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>