للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِغُسْلِهِ فَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنَّا إلَّا بِفِعْلِنَا، وَأَكْمَلُهُ أَنْ يُغَسَّلَ فِي خِلْوَةٍ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا الْغَاسِلُ وَمَنْ يُعِينُهُ وَالْوَلِيُّ، وَفِي قَمِيصٍ بَالٍ أَوْ سَخِيفٍ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ، عَلَى مُرْتَفِعٍ كَلَوْحٍ لِئَلَّا يُصِيبُهُ الرَّشَّاشُ بِمَاءٍ بَارِدِ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْبَدَنَ إلَّا لِحَاجَةٍ إلَى الْمُسَخَّنِ كَوَسَخٍ أَوْ بَرْدٍ، وَأَنْ يُجْلِسَهُ الْغَاسِلُ عَلَى الْمُرْتَفِعِ بِرِفْقٍ مَائِلًا إلَى وَرَائِهِ، وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ وَإِبْهَامَهُ فِي نَقْرَةِ قَفَاهُ لِئَلَّا تَمِيلَ رَأْسُهُ، وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ بِرُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَيُمِرُّ يَسَارَهُ عَلَى بَطْنِهِ بِمُبَالَغَةٍ لِيُخْرِجَ مَا فِيهِ مِنْ الْفَضَلَاتِ، ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ وَيَغْسِلُ بِخِرْقَةٍ مَلْفُوفَةٍ عَلَى يَسَارِهِ سَوْأَتَيْهِ، ثُمَّ يُلْقِيهَا وَيَلُفُّ خِرْقَةً أُخْرَى عَلَى الْيَدِ وَيُنَظِّفُ أَسْنَانَهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِوُجُوبِهَا وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْغُسْلِ النَّظَافَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِلَا نِيَّةٍ، وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْغَاسِلَ نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ فِي هَذِهِ الطَّهَارَةِ؛ وَلَوْ قُلْنَا إنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا النَّظَافَةُ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فَلَا يَكُونُ عَمَلٌ صَالِحٌ إلَّا بِنِيَّةٍ.

قَوْلُهُ: (غُسْلُ كَافِرٍ) وَإِنْ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ كَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ م د.

قَوْلُهُ: (لَا غَرَقٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى " غُسْلٌ " أَيْ لَا يَكْفِي غَرَقٌ عَنْ الْغُسْلِ وَهَذَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ " تَعْمِيمٌ " الَّذِي هُوَ فِعْلٌ وَالْغَرَقُ لَا فِعْلَ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّا مَأْمُورُونَ) أَيْ مُعَاشِرَ الْمُكَلَّفِينَ قَوْلُهُ: (إلَّا بِفِعْلِنَا) أَيْ جِنْسِ الْمُكَلَّفِينَ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَمَجْنُونٍ، وَيَكْفِي غُسْلُ الْجِنِّ وَتَغْسِيلُ الْمَيِّتِ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ كَرَامَةً لَا تَغْسِيلُ الْمَلَائِكَةِ فَلَا يَكْفِي أَيْ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ هُوَ الثَّقَلَانِ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَلَوْ شَاهَدْنَا الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنَّا بِخِلَافِ التَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا السَّتْرُ وَالْمُوَارَاةُ بِخِلَافِ الْغُسْلِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّعَبُّدُ أَيْ الطَّلَبُ عَلَى وَجْهِ التَّكْلِيفِ؛ وَلِهَذَا يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ لَا لِلتَّكْفِينِ وَالصَّلَاةُ كَالْغُسْلِ وَلَا يَرِدُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِتَغْسِيلِ الْمَيِّتِ نَفْسَهُ كَرَامَةَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ غَيْرُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا خُوطِبَ غَيْرُهُ لِعَجْزِهِ أَيْ الْمَيِّتِ فَإِذَا أَتَى بِهِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ اُكْتُفِيَ بِهِ إذْ الْمَدَارُ عَلَى وُجُودِهِ مِنْ جِنْسِ الْمُكَلَّفِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سَيِّدَتَنَا فَاطِمَةَ لَمَّا عَلِمَتْ بِنُورِ الْكَشْفِ أَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ غَسَلَتْ نَفْسَهَا وَتَطَيَّبَتْ وَتَجَمَّلَتْ بِأَحْسَنِ ثِيَابِهَا وَقَالَتْ: فَلَا تَغْسِلُونِي فَإِنِّي مَقْبُوضَةٌ الْآنَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنَّا لِأَنَّ قَوْلَهَا " لَا تَغْسِلُونِي " مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ وَحُكِيَ أَنَّ سَيِّدَنَا عَبْدَ اللَّهِ الْمَنُوفِيَّ غَسَلَ نَفْسَهُ كَرَامَةً، كَمَا نُقِلَ عَنْ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْبَدْوِيِّ نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَالَ سم: وَلَوْ مَاتَ مَوْتًا حَقِيقِيًّا ثُمَّ جُهِّزَ ثُمَّ أُحْيِيَ حَيَاةً حَقِيقِيَّةً ثُمَّ مَاتَ فَالْوَجْهُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ لَهُ تَجْهِيزٌ آخَرُ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهُّمَ.

١ -

قَوْلُهُ: (وَالْوَلِيُّ) قَيَّدَهُ الزَّرْكَشِيّ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ وَإِلَّا فَكَالْأَجْنَبِيِّ، وَمُرَادُهُ بِالْوَلِيِّ أَقْرَبُ الْوَرَثَةِ اهـ شَرْحُ م ر وَعَلَيْهِ فَهَلْ يُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ أَوْ الْجَدُّ عَلَى الْعَمِّ أَوْ يَسْتَوِيَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَدْلَى بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَمِنْ الْأَقْرَبِ هُنَا مَنْ أَدْلَى بِجِهَتَيْنِ كَالْأَخِ الشَّقِيقِ فَيُقَدَّمُ عَلَى مَنْ أَدْلَى بِجِهَةٍ ع ش.

قَوْلُهُ: (وَفِي قَمِيصٍ) أَيْ وَلَمَّا صَحَّ أَنَّهُ لَمَّا أَخَذُوا فِي غُسْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَادَاهُمْ مُنَادٍ قِبَلَ دَاخِلِ الْبَيْتِ: لَا تَنْزِعُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَمِيصَهُ، وَادِّعَاءُ الْخُصُوصِيَّةِ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ ثُمَّ إنْ اتَّسَعَ كُمُّهُ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِلَّا فَتَقَ دَخَارِيصَهُ، فَإِنْ فَقَدَ الْقَمِيصَ وَجَبَ سَتْرُ عَوْرَتِهِ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (أَوْ سَخِيفٍ) أَيْ مُهَلْهَلِ النَّسْجِ بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْقَوِيَّ يَحْبِسُ الْمَاءَ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ) وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ سَقْفٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَطَّى وَجْهُهُ بِخِرْقَةٍ أَوَّلَ وَضْعِهِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ اهـ شَرْحُ م ر اهـ.

قَوْلُهُ: (عَلَى مُرْتَفَعٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " يُغْسَلُ فِي خَلْوَةٍ " وَكَذَا قَوْلُهُ " بِمَاءٍ بَارِدٍ ".

قَوْلُهُ: (بَارِدٍ) أَيْ مَالِحٍ لَا عَذْبٍ.

قَوْلُهُ: (أَوْ بَرَدٍ) أَيْ بِالْغَاسِلِ، وَيُمْكِنُ رُجُوعُهُ إلَيْهِمَا إذَا فُرِضَ أَنَّ الْمَاءَ يُؤْذِيهِ لِشِدَّةِ بَرْدِهِ اهـ ز ي؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ يَتَأَذَّى بِمَا يَتَأَذَّى بِهِ الْحَيُّ، وَيُكْرَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَيِّتِ.

قَوْلُهُ: (مَائِلًا) لِيَسْهُلَ خُرُوجُ مَا فِي بَطْنِهِ أَيْ لِأَنَّ اعْتِدَالَهُ قَدْ يَحْبِسُ مَا فِي بَطْنِهِ.

قَوْلُهُ: (وَيَضَعُ) أَيْ الْغَاسِلُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ أَيْ الْمَيِّتِ.

قَوْلُهُ: (بِمُبَالَغَةٍ) أَيْ بِتَكْرَارٍ لَا بِشِدَّةِ اعْتِمَادٍ ق ل.

قَوْلُهُ: (مَا فِيهِ) أَيْ بَطْنِ الْمَيِّتِ، لِأَنَّ الْبَطْنَ مُذَكَّرٌ كَكُلِّ عُضْوٍ مُفْرَدٍ كَالرَّأْسِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُضْجِعُهُ) أَيْ مُسْتَلْقِيًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ " لِقَفَاهُ " بِمَعْنَى " عَلَى ".

قَوْلُهُ: (مَلْفُوفَةٍ) أَيْ وُجُوبًا فِي غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ لِجَوَازِ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ فِيهِمَا ق ل، فَيَحْرُمُ فِي غَيْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>