(وَ) الثَّانِي (تَكْفِينُهُ) بَعْدَ غُسْلِهِ بِمَا لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا مِنْ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ، وَكُرِهَ مُغَالَاةٌ فِيهِ وَكُرِهَ لِأُنْثَى نَحْوُ مُعَصْفَرٍ مِنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يُسْتَحَبُّ قَصْدُ كَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ نَعْيِ الْجَاهِلِيَّةِ) هُوَ بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ مَصْدَرُ نَعَاهُ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (مَآثِرَهُ) الْمَآثِرُ مَا تَتَعَلَّقُ بِصِفَاتِ نَفْسِ الْمَيِّتِ وَالْمَفَاخِرُ مَا تَتَعَلَّقُ بِنَسَبِهِ، وَالنَّعْيُ مَكْرُوهٌ وَفِي الْمُخْتَارِ: مَآثِرُهُ جَمْعُ مَأْثُرَةٍ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَضَمِّهَا: الْمَكْرُمَةُ، لِأَنَّهَا تُؤْثِرُ أَيْ تُذْكَرُ قَرْنًا عَنْ قَرْنٍ
قَوْلُهُ: (مِنْ حَرِيرٍ) وَيَحْرُمُ الْحَرِيرُ وَالْمُزَعْفَرُ فِي الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى وَيُكْرَهُ الْمُعَصْفَرُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فِي حَقِّهِمَا أَيْضًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ ز ي فَقَوْلُهُ " وَكُرِهَ لِأُنْثَى " لَيْسَ بِقَيْدٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعَصْفَرِ وَمَحِلُّ حُرْمَةِ تَكْفِينِ الرَّجُلِ بِالْحَرِيرِ إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَاسْتَثْنَى فِي الْمَطْلَبِ قَتِيلَ الْمَعْرَكَةِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَالَ الْحَرْبِ ثَوْبُ حَرِيرٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُتْرَكُ إذَا لُطِّخَ بِدَمِهِ وَهَلْ الصَّبِيُّ كَالْبَالِغِ أَوْ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي حَيَاتِهِ؟ وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ، وَعِبَارَةُ أج: فَيَجُوزُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ فِي الْحَرِيرِ وَالْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الْخُنْثَى وَالْبَالِغِ فَيَمْتَنِعُ تَكْفِينُهُمَا فِي الْمُزَعْفَرِ وَالْحَرِيرِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِمَا إلَّا الْمُعَصْفَرَ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ تَكْفِينُ قَرِيبِهِ الذِّمِّيِّ فِيمَا يَمْتَنِعُ تَكْفِينُ الْمُسْلِمِ فِيهِ اهـ شَرْحُ م ر وَوَقَعَ فِي حَاشِيَةِ ز ي نَقْلًا عَنْ الْأَذْرَعِيِّ مَنْعُ تَكْفِينِ الصَّبِيِّ فِي الْحَرِيرِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا تَقَدَّمَ اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الثَّوْبُ غَيْرُ الْحَرِيرِ، فَإِنْ فُقِدَ فَالْحَرِيرُ فَالْجِلْدُ فَالْحَشِيشُ فَالتَّطْيِينُ حَجّ؛ قَالَ سم: وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ تَعْمِيمِهِ بِنَحْوِ الطِّينِ لِوُجُوبِ التَّعْمِيمِ فِي الْكَفَنِ، وَإِذَا كُفِّنَ فِي الْحَرِيرِ اُقْتُصِرَ عَلَى ثَوْبٍ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ كَمَا قَالَهُ م ر اهـ أج قَالَ ع ش: وَفِيهِ وَقْفَةٌ، وَالْأَقْرَبُ وُجُوبُ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْحَرِيرَ يَجُوزُ فِي الْحَيِّ لِأَدْنَى حَاجَةٍ كَالْجَرَبِ وَالْحَكَّةِ وَدَفْعِ الْقُمَّلِ وَمَا هُنَا أَوْلَى اهـ.
قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ مُغَالَاةٌ فِيهِ) لِخَبَرِ: «لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يَبْلَى سَرِيعًا» وَمَحِلُّ كَرَاهَةِ الْمُغَالَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْضُ الْوَرَثَةِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ غَائِبًا أَوْ الْمَيِّتُ مُفْلِسًا، وَإِلَّا حُرِّمَتْ؛ قَالَهُ م ر وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «حَسِّنُوا أَكْفَانَ مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمَوْتَى تَتَبَاهَى بِأَكْفَانِهِمْ» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَبْلَى سَرِيعًا وَلَا يُسْلَبُ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُبَاهَاةَ إمَّا قَبْلَ الْبَلَاءِ أَوْ بَعْدَ إعَادَتِهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ وَيُكَفَّنُ بِالنَّجِسِ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَارِيًّا إنْ لَمْ يُوجَدْ نَحْوُ طِينٍ وَسَتْرُ التَّابُوتِ كَالتَّكْفِينِ كَمَا قَالَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَعِبَارَةُ خ ض: وَجَمَعَ ع ش بَيْنَ مُقْتَضَاهُ مِنْ كَوْنِهِ يَبْلَى وَبَيْنَ مُقْتَضَى خَبَرِ: «حَسِّنُوا أَكْفَانَ مَوْتَاكُمْ فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِي قُبُورِهِمْ» مِنْ أَنَّ الْكَفَنَ يَسْتَمِرُّ حَالَ التَّزَاوُرِ وَبِأَنَّهُ يُسْلَبُ سَرِيعًا بِاعْتِبَارِ الْحَالَةِ الَّتِي نُشَاهِدُهَا كَتَغَيُّرِ الْمَيِّتِ، وَإِذَا تَزَاوَرُوا يَكُونُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي يُدْفَنُ بِهَا، وَأُمُورُ الْآخِرَةِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا؛ وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ خَبَرِ أَبِي دَاوُد أَيْضًا: «إنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا» قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: أَيْ قَبْلَ مَا يُحْشَرُ عُرْيَانًا حَافِيًا جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَفَنَ يَبْلَى فِي الْقَبْرِ كَمَا تَبْلَى الْأَجْسَادُ، فَإِذَا أُعِيدَتْ الْأَجْسَادُ عَادَتْ الْأَكْفَانُ وَعِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْقُبُورِ وَالذَّهَابِ إلَى الْمَحْشَرِ يَحْصُلُ التَّبَاهِي بِالْأَكْفَانِ، فَإِذَا وَصَلُوا إلَى الْمَحْشَرِ تَسَاقَطَتْ الْأَكْفَانُ وَحُشِرُوا حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا أَيْ غَيْرَ مَخْتُونِينَ ثُمَّ عِنْدَ السَّوْقِ إلَى الْجَنَّةِ يُكْسَوْنَ بِحُلَلِ الْجَنَّةِ، وَأَوَّلُ مِنْ يُكْسَى إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اهـ وَلَوْ كَفَّنَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مِنْ التَّرِكَةِ وَأَسْرَفَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ غُرِّمَ حِصَّةَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، فَلَوْ قَالَ: أَخْرِجُوا الْمَيِّتَ وَخُذُوهُ، لَمْ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُمْ نَبْشُ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ الْكَفَنُ مُرْتَفِعَ الْقِيمَةِ، وَإِنْ زَادَ فِي الْعَدَدِ فَلَهُمْ النَّبْشُ وَإِخْرَاجُ الزَّائِدِ؛ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مُرْتَفِعِ الْقِيمَةِ وَالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ حَتَّى جَازَ النَّبْشُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ؟ قُلْت: الزِّيَادَةُ فِي الثَّانِي مُتَمَيِّزَةٌ فِي نَفْسِهَا بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهَا تَابِعَةٌ وَغَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ وَاحْتُرِزَ بِالْمُغَالَاةِ عَنْ تَحْسِينِهِ فِي بَيَاضِهِ وَنَظَافَتِهِ وَسُبُوغَتِهِ فَإِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ سُلْطَانٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ وَدَفْنُهَا فِي ثِيَابِهَا الْمُثَمَّنَةِ وَلَوْ بِمَا يُسَاوِي أُلُوفًا مِنْ الذَّهَبِ كَالْبِشْتِ الْمُزَرْكَشِ بِالذَّهَبِ، وَفِي صِيغَتِهَا كَذَلِكَ؛ وَلَا يَحْرُمُ مِنْ جِهَةِ إضَاعَةِ الْمَالِ لِأَنَّ مَحِلَّ الْحُرْمَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ لِغَرَضٍ، وَهُوَ هُنَا إكْرَامُ الْمَيِّتِ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمَوْتَى تَتَبَاهَى بِأَكْفَانِهِمْ وَأَيْضًا فِي هَذَا تَسْكِينٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute