حَرِيرٍ وَمُزَعْفَرٍ، وَأَقَلُّ الْكَفَنِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِهِ هَلْ هُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ أَوْ جَمِيعَ الْبَدَنِ إلَّا رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَوَجْهَ الْمُحْرِمَةِ؟ وَجْهَانِ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْأَوَّلَ، فَيَخْتَلِفُ قَدْرُهُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، لَا بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ. وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ الثَّانِيَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ كَالْأَذْرَعِيِّ تَبَعًا لِجُمْهُورِ الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي رَوْضِهِ فَقَالَ: وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ يَعُمُّ الْبَدَنَ، وَالْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَحَمَلَ الْأَوَّلَ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ حَقُّ الْمَيِّتِ وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَكَذَا عَلَى الثَّانِي، فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ التَّقْرِيبِ وَالْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ أَيْ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ فَقَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ: يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ وَبَعْضُهُمْ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ كُفِّنَ بِثَوْبٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَيْ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ.
وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ وَبَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ كُفِّنَ بِهَا لِمَا مَرَّ وَقِيلَ بِثَوْبٍ، وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى ثَوْبٍ فَفِي التَّهْذِيبِ يَجُوزُ وَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ أَقْيَسُ أَيْ فَيَجِبُ أَنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِلْحُزْنِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَثَلًا إذَا رَأَتْ مَتَاعَ بِنْتِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا يَشْتَدُّ حُزْنُهَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْوَرَثَةِ قَاصِرٌ، وَأَنْ تَتَّفِقَ الْوَرَثَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهَا دَيْنٌ مُسْتَغْرَقٌ اهـ وَفِيهِ أَنَّ الْحُلِيَّ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْكَفَنِ.
قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ لِأُنْثَى إلَخْ) وَيُكْرَهُ الْمُعَصْفَرُ لِلرَّجُلِ أَيْضًا، وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَفَنِ شَيْءٌ مِمَّا يُخَالِفُ لَوْنَ الْبَيَاضِ، وَمِنْهُ صِبَاغُ طَرَفَيْهِ بِالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (إلَّا رَأْسَ الْمُحْرِمِ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: " جَمِيعُ الْبَدَنِ ".
قَوْلُهُ: (صَحَّحَ) أَيْ النَّوَوِيُّ.
قَوْلُهُ: (لَا بِالرِّقِّ) لِانْقِطَاعِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ قَوْلُهُ: (وَجَمَعَ) أَيْ ابْنُ الْمُقْرِي بَيْنَهُمَا، أَيْ ذَكَرَهُمَا فِي رَوْضِهِ بِلَا تَرْجِيحٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " فَقَالَ إلَخْ " لَا أَنَّهُ جَمَعَ، وَقَالَ: الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ؛ فَمَعْنَى " وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا " أَيْ فِي الْعِبَارَةِ لَا فِي الْحُكْمِ، إذْ لَمْ يَقَعُ مِنْهُ حَمْلٌ فِي الْحُكْمِ؛ وَحِينَئِذٍ فَيَقْرَأُ فَحُمِلَ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْ غَيْرِهِ لَا مِنْهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (يَعُمُّ الْبَدَنَ) هَذَا بِالنَّظَرِ لِحَقِّ الْمَيِّتِ؛ وَقَوْلُهُ " فَالْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ " هَذَا بِالنَّظَرِ لِمَحْضِ حَقِّ اللَّهِ، فَهَذَا هُوَ الْجَمْعُ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا اهـ قَوْلُهُ: (فَحَمَلَ الْأَوَّلَ) أَيْ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ لِأَنَّهُ أَوَّلٌ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِهِ هَلْ هُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ إلَخْ، فَمُرَادُهُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ) أَيْ مَحْضُ حَقِّهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ) أَيْ مَا زَادَ عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ عَلَى الْأَوَّلِ، أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَكَذَا عَلَى الثَّانِي أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي؛ فَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي هُنَا غَيْرُهُمَا فِيمَا سَبْقِ قَوْلِهِ: (أَيْ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ) يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ نُفُوذِهَا بِإِسْقَاطِ الزَّائِدِ عَلَى الْعَوْرَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ جَمِيعُ الْبَدَنِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَكَانَ مُقْتَضَاهُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ بِإِسْقَاطِ مَا زَادَ لَكِنْ مُنِعَتْ صِحَّتُهَا مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ الْآخَرِ وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ قَالَ سم: وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ هُنَا ثَلَاثَ وَاجِبَاتٍ: وَاجِبٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَوَاجِبٌ لِحَقِّ الْمَيِّتِ وَحَقِّ اللَّهِ وَهُوَ سَاتِرُ الْبَدَنِ، وَوَاجِبٌ لِحَقِّ الْمَيِّتِ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى سَاتِرِ كُلِّ الْبَدَنِ مِنْ الثَّوْبِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ؛ وَأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَوَّلَ لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ بِوَصِيَّةٍ وَلَا مَنْعِ وَارِثٍ وَلَا غَرِيمٍ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ الثَّانِي كَذَلِكَ نَظَرًا لِشَائِبَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ مَكْرُوهٌ؛ فَالْوَصِيَّةُ بِهِ وَصِيَّةٌ بِمَكْرُوهٍ وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَكْرُوهِ غَيْرُ نَافِذَةٍ؛ وَأَنَّ الْوَاجِبَ الثَّالِثَ يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ بِالْوَصِيَّةِ وَمَنْعُ الْغَرِيمِ وَلَا يَسْقُطُ بِمَنْعِ الْوَارِثِ اهـ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ حَقٌّ وَجَبَ لِلْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَّا إنْ أَوْصَى بِتَرْكِهِ أَوْ مَنَعَ الْغُرَمَاءَ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ لَمْ يُوصِ) شُرُوعٌ فِي فُرُوعٍ سِتَّةٍ.
قَوْلُهُ: (وَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ) أَيْ جَوَازَ الثَّوْبِ وَقَوْلُهُ عَلَى الْخِلَافِ، أَيْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: " وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ " فَإِنَّهُ قِيلَ فِيهَا: يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةٍ،