للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفَقَتُهُ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ.

(وَ) الثَّالِثُ (الصَّلَاةُ عَلَيْهِ) وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ. قَالَ: كَذَا الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ. وَشَرَطَ لِصِحَّتِهَا شُرُوطَ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَتَقَدَّمَ طُهْرُ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَوْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

النَّوْبَةِ؛ فَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ مَوْتُهُ فِي أَيْ نَوْبَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلًّا مُهَايَأَةً، فَعَلَى سَيِّدِهِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ وَالْبَاقِي مِنْ تَرِكَتِهِ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ) فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْتُ الْمَالِ فَعَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ يَمْلِكُ زِيَادَةً عَلَى كِفَايَةِ سَنَةٍ لِمُمَوَّنِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَيَاسِيرِ أَنَّهُمْ فِي الْأَوَّلِ عَبَّرُوا فِيهِ بِالْغِنَى وَفِي الثَّانِي بِالْيَسَارِ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فَرْعٌ: يَحْرُمُ كِتَابَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى الْكَفَنِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ صَدِيدِ الْمَوْتَى، وَمِثْلُهُ كُلُّ اسْمٍ مُعَظَّمٍ وَاِتِّخَاذُ الْكَفَنِ مَكْرُوهٌ إلَّا مِنْ حِلٍّ أَوْ مِنْ أَثَرِ صَالِحٍ، وَلِلْوَارِثِ إبْدَالُهُ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ لَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَكْفِينُهُ فِيهِ؛ كَمَا يَجُوزُ لَهُ نَزْعُ ثِيَابِ الشَّهِيدِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ وَتَكْفِينُهُ فِي غَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَثَرُ الْعِبَادَةِ الشَّاهِدَةِ لَهُ بِالشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ الْقَبْرِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ اتِّخَاذُهُ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَا يُنْدَبُ أَنْ يُعِدَّ لِنَفْسِهِ كَفَنًا لِئَلَّا يُحَاسَبَ عَلَى اتِّخَاذِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ حِلٍّ وَأَثَرٍ ذِي صَلَاحٍ فَحَسَنٌ إعْدَادُهُ، لَكِنْ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ فِيهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ بَلْ لِلْوَرَثَةِ إبْدَالُهُ؛ لَكِنَّ قَضِيَّةَ بِنَاءِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ ذَلِكَ عَلَى مَا لَوْ قَالَ: اقْضُوا دَيْنِي مِنْ هَذَا الْمَالِ الْوُجُوبُ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُومِئُ إلَيْهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَالْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَثِيَابِ الشَّهِيدِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ لَهُ نَزْعُهَا وَإِبْدَالُهَا؛ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ فِي الْمَبْنِيِّ وَالْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ثِيَابِ الشَّهِيدِ وَاضِحٌ إذْ لَيْسَ فِيهَا مُخَالَفَةُ أَمْرِ الْمُوَرِّثِ بِخِلَافِهِ فِيهِمَا. اهـ.

قَوْلُهُ: (وَالثَّالِثُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ) وَشُرِعَتْ بِالْمَدِينَةِ لَا بِمَكَّةَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ وَذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، لَكِنْ ذَكَرَ مَا يُخَالِفُهُ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ قَالَ: وَرُوِيَ أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا تُوُفِّيَ أُتِيَ لَهُ بِحَنُوطٍ وَكَفَنٍ مِنْ الْجَنَّةِ وَنَزَلَتْ الْمَلَائِكَةُ فَغَسَّلَتْهُ وَكَفَّنَتْهُ فِي وِتْرٍ مِنْ الثِّيَابِ وَحَنَّطُوهُ، وَتَقَدَّمَ مَلَكٌ مِنْهُمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَصَلَّتْ الْمَلَائِكَةُ خَلْفَهُ، ثُمَّ أَقْبَرُوهُ وَأَلْحَدُوهُ وَنَصَبُوا اللَّبِنَ عَلَيْهِ وَابْنُهُ شِيثٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الَّذِي هُوَ وَصِيُّهُ مَعَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغُوا قَالُوا لَهُ: هَكَذَا فَاصْنَعْ بِوَلَدِك وَإِخْوَتِك فَإِنَّهَا سُنَّتُكُمْ، هَذَا كَلَامُهُ، أَيْ وَيَبْعُدُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَهُ أَيْ يَبْعُدُ عَدَمُ الْفِعْلِ بَلْ فَعَلَ؛ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ مُجَرَّدُ الدُّعَاءِ لَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الْمَعْرُوفَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى التَّكْبِيرِ لَكِنْ يُبْعِدُهُ مَا فِي الْعَرَائِسِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: " أَنَّ آدَمَ لَمَّا مَاتَ قَالَ وَلَدُهُ شِيثٌ لِجِبْرِيلَ: صَلِّ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَنْتَ مُقَدَّمٌ فَصَلِّ عَلَى أَبِيك، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَكَبَّرَ ثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً " وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ التَّكْفِينَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ وَالدَّفْنَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التَّكْبِيرِ لَا مُجَرَّدِ الدُّعَاءِ.

وَحِينَئِذٍ لَا يَحْسُنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ أَنْ تَكُونَ مَعْرُوفَةً لِقُرَيْشٍ، إذْ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَفَعَلُوا ذَلِكَ؛ وَسَيَأْتِي عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَأَيْضًا لَوْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً لَهُمْ لَصَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَمَنْ مَاتَ قَبْلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَالسَّكْرَانِ ابْنِ عَمِّ سَوْدَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الَّذِي هُوَ زَوْجُهَا، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْبَرَاءَ بْنَ مَعْرُورٍ قَدْ مَاتَ فَذَهَبَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ وَأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صُلِّيَتْ فِي الْمَدِينَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَمَعْرُورٌ مَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ مَقْصُودٌ لَا يُقَالُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ مُجَرَّدَ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ جَاءَ أَنَّهُ كَبَّرَ فِي صَلَاتِهِ أَرْبَعًا، وَقَدْ رَوَى هَذِهِ الصَّلَاةَ تِسْعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُمْ السُّهَيْلِيُّ وَبِمَا ذَكَرَ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمَدَابِغِيِّ فِي الْحَاشِيَةِ مِنْ قَوْلِهِ " وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ " أَيْ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى آدَمَ دُعَاءٌ فَلَا تُرَدُّ اهـ.

قَوْلُهُ: (شُرُوطُ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ) أَيْ مِمَّا يَتَأَتَّى مَجِيئُهُ هُنَا، بِخِلَافِ دُخُولِ الْوَقْتِ الشَّرْعِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَتَقَدُّمٌ) بِضَمِّ الدَّالِ وَالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى " شُرُوطُ " وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ حَاضِرًا وَلَوْ فِي قَبْرٍ، وَأَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>