غَائِبٍ عَنْ الْبَلَدِ وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ وَالْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ مِمَّنْ كَانَ أَهْلَ فَرْضِهَا وَقْتَ مَوْتِهِ، قَالُوا: لِأَنَّ غَيْرَهُ مُتَنَفِّلٌ وَهَذِهِ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا. وَنَازَعَ الْإِسْنَوِيُّ فِي اعْتِبَارِ وَقْتِ الْمَوْتِ قَالَ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْغُسْلِ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ بَلْ لَوْ زَالَ بَعْدَ الْغُسْلِ أَوْ الصَّلَاةِ وَأَدْرَكَ زَمَنًا يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا فِيهِ فَكَذَلِكَ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَالتَّعْبِيرُ بِالْمَوْتِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. وَالْأَوْلَى بِإِمَامَةِ صَلَاةِ الْمَيِّتِ أَبٌ وَإِنْ أَوْصَى بِهَا لِغَيْرِهِ، فَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، فَابْنٌ فَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، فَبَاقِي الْعَصَبَةِ بِتَرْتِيبِ الْإِرْثِ، فَذُو رَحِمٍ. وَيُقَدَّمُ حُرٌّ عَدْلٌ عَلَى عَبْدٍ أَقْرَبَ مِنْهُ وَلَوْ أَفْقَهَ وَأَسَنَّ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ فَلَا حَقَّ فِيهَا لِلزَّوْجِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ لَكِنَّ مَحِلَّهُ إذَا وُجِدَ مَعَ الزَّوْجِ غَيْرُ الْأَجَانِبِ وَمَعَ الْمَرْأَةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
النَّصَارَى مُشْكِلٌ لِأَنَّ نَبِيَّهُمْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ تُقْبَضْ رُوحُهُ؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ لَهُمْ أَنْبِيَاءً بِزَعْمِهِمْ كَالْحَوَارِيِّينَ وَمَرْيَمَ أَوْ الْمُرَادُ بِالْأَنْبِيَاءِ مَا يَشْمَلُ الصُّلَحَاءَ.
قَوْلُهُ: (عَنْ الْبَلَدِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمُرَادُ بِالْغَائِبِ مِنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْحُضُورُ وَلَوْ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ ق ل وسم.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَالْمُصَلِّي مُسْتَقْبِلُهَا، لَكِنَّهَا لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْ الْحَاضِرِينَ عِنْدَ الْمَيِّتِ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا بِصَلَاةِ غَيْرِهِمْ مَرْحُومِيٌّ وَلَوْ صَلَّى عَلَى مَنْ مَاتَ فِي يَوْمِهِ أَوْ سَنَتِهِ وَظَهَرَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ جَازَتْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهُمْ، بَلْ يُسَنُّ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزَةٌ وَتَعْيِينُهُ غَيْرُ شَرْطٍ أَوْ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي الدُّعَاءِ لَهُمْ: اللَّهُمَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، دُونَ أَنْ يَقُولَ " اللَّهُمَّ إنْ كَانُوا مُحْسِنِينَ إلَخْ " لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا كُلُّهُمْ مُحْسِنِينَ وَلَا مُسِيئِينَ اهـ شَرْحُ م ر وع ش عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (قَالُوا: لِأَنَّ غَيْرَهُ إلَخْ) يُمْكِنُ أَنَّ وَجْهَ التَّبَرِّي أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ صِحَّتُهَا مِنْ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَالنِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَسُقُوطُ الْفَرْضِ بِفِعْلِهِمْ، شَوْبَرِيُّ وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَعْنَى " لَا يَتَنَفَّلُ بِهَا " أَيْ لَا يُؤْتَى بِهَا ابْتِدَاءً عَلَى صُورَةِ النَّفْلِيَّةِ، أَيْ مِنْ غَيْرِ جِنَازَةٍ بِأَنْ يُصَلِّيَهَا بِلَا سَبَبٍ، أَوْ الْمَعْنَى: لَا يَطْلُبُ تَكْرَارَهَا مِمَّنْ فَعَلَهَا أَوَّلًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " قَالُوا لِأَنَّ غَيْرَهُ إلَخْ " أَيْ لِأَنَّ غَيْرَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِفَرْضِهَا وَقْتَ الْمَوْتِ، وَالْغَيْرُ هُوَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ؛ وَوَجْهُ التَّبَرِّي أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ لَا يَصِحُّ إلَّا لَوْ صَلَّاهَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فِي حَالِ صِبَاهُ أَوْ جُنُونِهِ، وَالْمُدَّعَى أَنَّهُ مَتَى كَانَ وَقْتَ الْمَوْتِ صَبِيًّا مَثَلًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ سَوَاءً صَلَّى حَالَةَ الصِّبَا أَوْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَهُوَ بَعْدَ الْبُلُوغِ غَيْرُ مُتَنَفِّلٍ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يُؤْثَرْ) أَيْ فِي الصِّحَّةِ، أَيْ لَا يَكُونُ هَذَا مُقْتَضِيًا لِلصِّحَّةِ.
قَوْلُهُ: (بَلْ لَوْ زَالَ) أَيْ الْمَانِعُ كَالصِّبَا وَالْجُنُونِ بَعْدَ الْغُسْلِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (فَكَذَلِكَ) أَيْ تَصِحُّ، فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا قَبْلَ الدَّفْنِ بِزَمَنٍ يُمْكِنُ فِعْلُهَا فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ حِينَئِذٍ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا طَاهِرًا مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ. اهـ. ق ل فَخَرَجَتْ النِّسَاءُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا عِنْدَ فَقْدِ الذُّكُورِ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ، فَالْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ " طَاهِرًا " لِأَنَّ النِّسَاءَ يَصْدُقُ عَلَيْهِنَّ أَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا عِنْدَ فَقْدِ الذُّكُورِ وَلَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى بِإِمَامَةٍ إلَخْ) هَذِهِ أَوْلَوِيَّةُ نَدْبٍ، فَلَوْ تَقَدَّمَ لِلْإِمَامَةِ غَيْرُ مَنْ هِيَ حَقُّهُ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا صَحَّتْ الصَّلَاةُ وَلَا يَحْرُمُ، وَلَوْ أَنَابَ مَنْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلتَّقَدُّمِ غَيْرَهُ فَنَائِبُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبْعَدِ؛ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَوْصَى) أَيْ الْمَيِّتُ بِهَا لِغَيْرِهَا، أَيْ لِغَيْرِ الْأَبِ، فَلَا عِبْرَةَ بِوَصِيَّتِهِ؛ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَنْفِيذُهَا وَفَاءً لِغَرَضِ الْمَيِّتِ وَهَذِهِ الْغَايَةُ تَجْرِي فِي الْجَمِيعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (فَبَاقِي الْعَصَبَةِ) أَيْ مِنْ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ.
قَوْلُهُ: (فَذُو رَحِمٍ) وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْأَخَ لِلْأُمِّ، فَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ أَبُو الْأُمِّ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأُمِّ ثُمَّ الْخَالُ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأُمِّ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (حُرٌّ عَدْلٌ) أَيْ قَرِيبٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ أَقْرَبُ مِنْهُ قَوْلُهُ: (فَلَا حَقَّ فِيهَا) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ " وَالْأَوْلَى بِإِمَامَةِ صَلَاةِ الْمَيِّتِ إلَخْ " أَيْ فَعُلِمَ مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهَا لِلزَّوْجِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (لِلزَّوْجِ) أَيْ غَيْرِ الْقَرِيبِ، أَمَّا هُوَ كَابْنِ الْعَمِّ فَلَهُ حَقٌّ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا لِلْمَرْأَةِ) أَيْ مُطْلَقًا مِنْ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَةِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي وَلَك أَنْ تَخُصَّ الْمَرْأَةَ بِالْأُنْثَى مِنْ الْأَقَارِبِ وَتُعَمِّمَ فِي الزَّوْجِ أَيْ الشَّامِلِ لِلْأُنْثَى وَتُعَمِّمَ فِي قَوْلِهِ " مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَجَانِبِ " أَيْ مِنْ الذُّكُورِ