للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَبْرِ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا بَارِدًا، وَخَرَجَ بِالْمَاءِ مَاءُ الْوَرْدِ فَالرَّشُّ بِهِ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: لَا بَأْسَ بِيَسِيرٍ مِنْهُ إنْ قَصَدَ بِهِ حُضُورَ الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّهَا تُحِبُّ الرَّائِحَةَ الطَّيِّبَةَ انْتَهَى. وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَانِعُ مِنْ حُرْمَةِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَعَذَابِهِ وَهُوَ أَنَّ الْفِتْنَةَ تَكُونُ بِامْتِحَانِ الْمَيِّتِ بِالسُّؤَالِ وَأَمَّا الْعَذَابُ فَعَامٌّ يَكُونُ نَاشِئًا عَنْ عَدَمِ جَوَابِ السُّؤَالِ وَيَكُونُ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: يُكَرَّرُ السُّؤَالُ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَفِي بَعْضِهَا: إنَّ الْمُؤْمِنَ يُسْأَلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَالْمُنَافِقُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَيْ قَدْ يَقَعُ ذَلِكَ، وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: أَنَّ فَتَّانِي الْقَبْرِ أَرْبَعَةٌ: مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ يَكُونَانِ لِلْمُنَافِقِ، وَمُبَشِّرٌ وَبَشِيرٌ يَكُونَانِ لِلْمُؤْمِنِ وَنَقَلَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ عَنْ شَيْخِهِ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ السُّؤَالَ يَكُونُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَاسْتَغْرَبَهُ وَقَالَ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَفِي كَلَامِ الْحَافِظِ السُّيُوطِيّ لَمْ يَثْبُتْ فِي التَّلْقِينِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا حَسَنٌ بَلْ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ، وَلِهَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ إلَى أَنَّ التَّلْقِينَ بِدْعَةٌ وَآخِرُ مَنْ أَفْتَى بِذَلِكَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْإِمَامِ السُّبْكِيّ حَدِيثُ تَلْقِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِهِ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ، أَيْ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ ح ل فِي السِّيرَةِ وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ فِي الْفَتَاوَى وَنَقَلَهَا ع ش عَلَى م ر: سُئِلَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ مَا مُحَصِّلُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْأَطْفَالِ هَلْ هُمْ فِي الْجَنَّةِ خُدَّامٌ لِأَهْلِهَا ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَهَلْ تَتَفَاضَلُ دَرَجَاتُهُمْ فِي الْجَنَّةِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: أَمَّا أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ فَفِي الْجَنَّةِ قَطْعًا بَلْ إجْمَاعًا وَالْخِلَافُ فِيهِ شَاذٌّ بَلْ غَلَطٌ، وَأَمَّا أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فَفِيهِمْ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: ١٥] وَقَوْلُهُ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: ١٥] الثَّانِي: أَنَّهُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ، وَنَسَبَهُ النَّوَوِيُّ لِلْأَكْثَرِينَ لَكِنَّهُ نُوزِعَ فِيهِ الثَّالِثُ: الْوُقُوفُ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّهُمْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ الرَّابِعُ: أَنَّهُمْ يُجْمَعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتُؤَجَّجُ لَهُمْ نَارٌ يُقَالُ اُدْخُلُوهَا، فَيَدْخُلُهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ شَقِيًّا وَيُمْسِكُ عَنْهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سَعِيدًا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَلَ إلَخْ اهـ مُلَخَّصًا وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ عَنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ: هَلْ يُعَذَّبُونَ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ؟ وَهَلْ وَرَدَ أَنَّهُمْ يُسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَأَنَّ الْقَبْرَ يَضُمُّهُمْ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِذَلِكَ فَهَلْ يَتَأَلَّمُونَ بِهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ قَوْلُ الْقَائِلِ إنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ مُعَذَّبُونَ مُصِيبٌ فِيهِ أَمْ هُوَ مُخْطِئٌ؟ وَمَا الْحُكْمُ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ هَلْ هُمْ خَدَمٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ أَمْ هُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ أَمْ غَيْرُ هَذَا؟ فَأَجَابَ: لَا يُعَذَّبُونَ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَعَاصِي، إذْ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمْ وَالْعَذَابُ عَلَى ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْمُكَلَّفِينَ، وَلَا يُسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ كَمَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ؛ وَأَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَلِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ قَوْلٌ إنَّ الطِّفْلَ يُسْأَلُ، وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا لَا يَصِحُّ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَّنَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ؛ وَلَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الطِّفْلِ: «اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ مَا فِيهِ عُقُوبَةٌ وَلَا السُّؤَالُ بَلْ مُجَرَّدَ أَلَمِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْوَحْشَةِ وَالضَّغْطَةِ الَّتِي تَعُمُّ الْأَطْفَالَ وَغَيْرَهُمْ وَأَخْرَجَ عَلِيُّ بْنُ مَعِينٍ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كُنْت عِنْدَ عَائِشَةَ فَمَرَّتْ جِنَازَةُ صَبِيٍّ صَغِيرٍ، فَبَكَتْ، فَقُلْت لَهَا: مَا يُبْكِيك؟ قَالَتْ: هَذَا الصَّبِيُّ بَكَيْتُ شَفَقَةً عَلَيْهِ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ وَالْقَائِلُ الْمَذْكُورُ إنْ أَرَادَ ب يُعَذَّبُونَ بِالنَّارِ أَوْ عَلَى الْمَعَاصِي فَغَيْرُ مُصِيبٍ بَلْ هُوَ مُخْطِئٌ أَشَدَّ الْخَطَأِ لِمَا تَقَرَّرَ وَأَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ عَلَى نَحْوِ عَشْرَةِ أَقْوَالٍ، الرَّاجِحُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ خَدَمٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (بَارِدًا) وَالْمَعْنَى فِيهِ التَّفَاؤُلُ بِتَبْرِيدِ الْمُضْطَجِعِ وَحِفْظِ التُّرَابِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ السُّبْكِيُّ لَا بَأْسَ بِيَسِيرٍ مِنْهُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ بِهِ حُضُورَ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ فَلَا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا بَلْ يُسْتَحَبُّ وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ؛ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا كَانَ مُبَاحًا وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>