أَعْطَاهُ الْمُقَوْقَسُ فِيهَا مَالًا جَزِيلًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا تُرْبَةُ الْجَنَّةِ فَكَاتَبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ إنِّي لَا أَعْرِفُ تُرْبَةَ الْجَنَّةِ إلَّا لِأَجْسَادِ الْمُؤْمِنِينَ فَاجْعَلُوهَا لِمَوْتَاكُمْ. وَيُنْدَبُ أَنْ يُرَشَّ الْقَبْرُ بِمَاءٍ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مُحِيطَةٍ بِالْقَبْرِ كَمَا فِي حَجّ، قَالَ سم: إلَّا إذَا كَانَتْ الْأَحْجَارُ الْمَذْكُورَةُ لِحِفْظِهِ مِنْ النَّبْشِ وَالدَّفْنِ عَلَيْهِ وَمِنْ الْمُحَرَّمِ زَرْعُ شَيْءٍ فِيهَا وَإِنْ تُيُقِّنَ بِلَى مَنْ بِهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِغَيْرِ الدَّفْنِ فَيُقْلَعُ وُجُوبًا، وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي يَجُوزُ بَعْدَ الْبِلَى مَحْمُولٌ عَلَى الْمَمْلُوكَةِ. اهـ. حَجّ أج.
قَوْلُهُ: (أَعْطَاهُ الْمُقَوْقَسُ) وَكَانَ كَافِرًا، وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ مِصْرَ.
قَوْلُهُ: (فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ) أَيْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ.
قَوْلُهُ: (تُرْبَةُ الْجَنَّةِ) أَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَوْلُهُ: (أَنْ يَرُشَّ) أَيْ عَقِبَ الدَّفْنِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَطَرَ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِنَا لِأَدَاءِ السُّنَّةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر خِلَافًا لحج بَابِلِيٍّ.
قَوْلُهُ: (بِمَاءٍ) طَهُورٍ أَيْ طَاهِرٍ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ فِيهِ إزْرَاءٌ بِالْمَيِّتِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ بِقَبْرِ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ) وَمَاتَ إبْرَاهِيمُ وَلَدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ عَشْرٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَاخْتُلِفَ فِي سِنِّهِ، فَقِيلَ: سَنَةٌ وَعَشْرَةُ أَشْهُرٍ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ، وَقِيلَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مَاتَ عِنْدَ ظِئْرِهِ أُمُّ بُرْدَةَ، وَلَعَلَّهَا كَانَتْ مُرْضِعَتَهُ، وَغَسَّلَتْهُ وَحَمَلَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهَا عَلَى سَرِيرٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: غَسَّلَهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَرِيرٍ؛ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْأَثِيرِ: قِيلَ إنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - غَسَّلَ إبْرَاهِيمَ وَنَزَلَ فِي قَبْرِهِ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ، قَالَ الزُّبَيْرُ: وَرَشَّ عَلَى قَبْرِهِ مَاءً، وَعَلَّمَ عَلَى قَبْرِهِ بِعَلَامَةٍ، وَهُوَ أَوَّلُ قَبْرٍ رُشَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ؛ وَفِيهِ أَنَّهُ رَشَّ عَلَى قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ بِالْمَاءِ وَهُوَ سَابِقٌ عَلَى سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ وَصَلَّى عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَبَّرَ أَرْبَعًا وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ، وَلَقَّنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ غَرِيبٌ؛ وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ تَلْقِينِ الطِّفْلِ؛ قَالَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَئِمَّتِنَا: وَالْأَصْلُ فِي التَّلْقِينِ مَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَفَنَ إبْرَاهِيمَ قَالَ: قُلْ اللَّهُ رَبِّي وَرَسُولُ اللَّهِ أَبِي وَالْإِسْلَامُ دِينِي فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْتَ تُلَقِّنُهُ فَمَنْ يُلَقِّنُنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: ٢٧] » أَيْ وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَفَنَ وَلَدَهُ إبْرَاهِيمَ وَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ وَقَالَ: يَا بُنَيَّ إنَّ الْقَلْبَ يَحْزَنُ وَالْعَيْنَ تَدْمَعُ وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ، إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، يَا بُنَيَّ قُلْ اللَّهُ رَبِّي وَالْإِسْلَامُ دِينِي وَرَسُولُ اللَّهِ أَبِي فَبَكَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمِنْهُمْ عُمَرُ حَتَّى ارْتَفَعَ صَوْتُهُ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا يُبْكِيك يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا وَلَدُك وَمَا بَلَغَ الْحُلُمَ وَلَا جَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ وَيَحْتَاجُ إلَى تَلْقِينِ مِثْلِك تُلَقِّنُهُ التَّوْحِيدَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ، فَمَا حَالُ عُمَرَ وَقَدْ بَلَغَ الْحُلُمَ وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ وَلَيْسَ لَهُ مُلَقِّنٌ مِثْلُك؟ فَبَكَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَكَتْ الصَّحَابَةُ مَعَهُ، وَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: ٢٧] » يُرِيدُ بِذَلِكَ وَقْتَ الْمَوْتِ، أَيْ وَعِنْدَ وُجُودِ الْفَتَّانِينَ وَعِنْدَ السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ، فَتَلَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْآيَةَ فَطَابَتْ الْأَنْفُسُ وَسَكَنَتْ الْقُلُوبُ وَشَكَرُوا اللَّهَ " وَفِيهِ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُلَقِّنْ أَحَدًا قَبْلَ وَلَدِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ اسْتَنَدَ إلَيْهِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْأَطْفَالَ يُسْأَلُونَ فِي الْقَبْرِ فَيُسَنُّ تَلْقِينُهُمْ وَذَهَبَ جَمْعٌ إلَى أَنَّهُمْ لَا يُسْأَلُونَ وَأَنَّ السُّؤَالَ خَاصٌّ بِالْمُكَلَّفِ، وَبِهِ أَفْتَى الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ: الَّذِي يَظْهَرُ اخْتِصَاصُ السُّؤَالِ بِمِنْ يَكُونُ مُكَلَّفًا، يُوَافِقُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ: التَّلْقِينُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ الْمُكَلَّفِ أَمَّا الصَّبِيُّ وَنَحْوُهُ فَلَا يُلَقَّنُ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَوَاهِرُ الْأَخْبَارِ أَنَّ الْأَطْفَالَ يُسْأَلُونَ وَأَنَّ الْعَقْلَ يُكَمَّلُ لَهُمْ، وَذَكَرَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ مُصَرِّحَةٌ بِسُؤَالِ الْكَافِرِ، وَيُخَالِفُهُ قَوْلُهُمْ حِكْمَةُ السُّؤَالِ تَمْيِيزُ الْمُؤْمِنِ مِنْ الْمُنَافِقِ الَّذِي كَانَ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْجَاحِدُ الْكَافِرُ فَلَا يُسْأَلُ، قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يُسْأَلُونَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ إنَّمَا يَمُوتُونَ عِنْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى، أَيْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ السُّؤَالُ، وَأَمَّا عَذَابُ الْقَبْرِ فَعَامٌّ لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ فَعُلِمَ الْفَرْقُ بَيْنَ فِتْنَةِ الْقَبْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute