للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُنْدَبُ زِيَارَةُ الْقُبُورِ الَّتِي فِيهَا الْمُسْلِمُونَ لِلرِّجَالِ بِالْإِجْمَاعِ وَكَانَتْ زِيَارَتُهَا مَنْهِيًّا عَنْهَا ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» وَيُكْرَهُ زِيَارَتُهَا لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِطَلَبِ بُكَائِهِنَّ وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ، نَعَمْ يُنْدَبُ لَهُنَّ زِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالشُّهَدَاءِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُسَلِّمَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

يُغَسِّلُك يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَنْتَ يَا عَلِيُّ تُغَسِّلُنِي وَابْنُ عَبَّاسٍ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيَّ وَجِبْرِيلُ يَأْتِيك بِحَنُوطٍ مِنْ الْجَنَّةِ» قَالَ: ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُوِّلَ فِرَاشُهُ وَحُفِرَ لَهُ وَدُفِنَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَفَّاهُ اللَّهُ فِيهِ، وَكَانَ دَفْنُهُ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ مِنْ وَسَطِ اللَّيْلِ وَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ.

قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهَا مِنْ الْوَحْشَةِ) يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُقَيَّدَةٌ بِأَمْرَيْنِ أَنْ لَا يَكُونَ بِهَا سَكَنٌ وَأَنْ يَبِيتَ وَحْدَهُ لَا مَعَ جَمَاعَةٍ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ لِانْتِفَاءِ الْوَحْشَةِ م د

قَوْلُهُ: (وَيُنْدَبُ زِيَارَةُ الْقُبُورِ) فَرْعٌ: رُوحُ الْمُؤْمِنِ لَهَا ارْتِبَاطٌ بِقَبْرِهِ لَا تُفَارِقُهُ أَبَدًا، لَكِنَّهَا أَشَدُّ ارْتِبَاطًا بِهِ مِنْ عَصْرِ الْخَمِيسِ إلَى شَمْسِ السَّبْتِ؛ وَلِذَلِكَ اعْتَادَ النَّاسُ الزِّيَارَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَفِي عَصْرِ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَأَمَّا زِيَارَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِشُهَدَاءَ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ فَلِضِيقِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَمَّا يُطْلَبُ فِيهِ مِنْ الْأَعْمَالِ مَعَ بُعْدِهِمْ عَنْ الْمَدِينَةِ. اهـ. ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْتُونَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَيَقِفُونَ بِحِذَاءِ بُيُوتِهِمْ وَيُنَادِي كُلُّ وَاحِدٍ بِصَوْتٍ حَزِينٍ أَلْفَ مَرَّةٍ يَا أَهْلِي وَأَقَارِبِي وَوَلَدِي يَا مَنْ سَكَنُوا بُيُوتَنَا وَلَبِسُوا ثِيَابَنَا وَاقْتَسَمُوا أَمْوَالَنَا هَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَذْكُرُنَا وَيُفَكِّرُنَا فِي غُرْبَتِنَا وَنَحْنُ فِي سِجْنٍ طَوِيلٍ وَحِصْنٍ شَدِيدٍ؟ فَارْحَمُونَا يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ وَلَا تَبْخَلُوا عَلَيْنَا قَبْلَ أَنْ تَصِيرُوا مِثْلنَا يَا عِبَادَ اللَّهِ إنَّ الْفَضْلَ الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ كَانَ فِي أَيْدِينَا وَكُنَّا لَا نُنْفِقُ مِنْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَحِسَابُهُ وَوَبَالُهُ عَلَيْنَا وَالْمَنْفَعَةُ لِغَيْرِنَا؛ فَإِنْ لَمْ تَنْصَرِفْ أَيْ الْأَرْوَاحُ بِشَيْءٍ فَيَنْصَرِفُونَ بِالْحَسْرَةِ وَالْحِرْمَانِ» اهـ مِنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.

قَوْلُهُ: (الَّتِي فِيهَا الْمُسْلِمُونَ) أَمَّا زِيَارَةُ قُبُورِ الْكُفَّارِ فَمُبَاحَةٌ، وَقِيلَ مُحَرَّمَةٌ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الزِّيَارَةُ بِقَصْدِ الِاعْتِبَارِ وَتَذَكُّرِ الْمَوْتِ كَانَتْ مَنْدُوبَةً مُطْلَقًا إطْفِيحِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَتْ زِيَارَتُهَا مَنْهِيًّا عَنْهَا إلَخْ) فَقَوْلُهُ: " نَهَيْتُكُمْ " خُطَّابٌ لِلرِّجَالِ، فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، فَلَا يُنْدَبُ لَهُنَّ زِيَارَتُهَا بَلْ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ إنْ اشْتَمَلَتْ زِيَارَتُهُنَّ عَلَى تَعْدِيدٍ وَبُكَاءٍ وَنَوْحٍ زِيَادَةً عَلَى عَادَتِهِنَّ، وَإِلَّا فَكَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَيُسْتَثْنَى قُبُورُ الْأَنْبِيَاءِ، فَتُسَنُّ لَهُنَّ زِيَارَتُهَا، وَأُلْحِقَ بِهِمْ قُبُورُ الْأَوْلِيَاءِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَتِهَا لِحَدَثَانِ عَهْدِكُمْ بِالْكُفْرِ، وَأَمَّا الْآنَ فَحَيْثُ انْمَحَتْ آثَارُ الْجَاهِلِيَّةِ وَاسْتَحْكَمَ الْإِسْلَامُ وَصِرْتُمْ أَهْلَ يَقِينٍ وَتَقْوَى فَزُورُوهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْتَرِنَ بِذَلِكَ تَمْسِيحٌ بِقَبْرٍ أَوْ تَقْبِيلُهُ أَوْ سُجُودٌ عَلَيْهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ دَأْبُ النَّصَارَى؛ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ قَالَ السُّبْكِيُّ: فِعْلُ ذَلِكَ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ إنَّمَا يَفْعَلُهَا الْجُهَّالُ وَقَدْ رَوَى الْحَكِيمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: «مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَكَانَ بَارًّا بِوَالِدِيهِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ كُلَّ جُمُعَةٍ أَوْ أَحَدِهِمَا فَقَرَأَ عِنْدَهُ يَس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ غُفِرَ لَهُ بِعَدَدِ ذَلِكَ آيَةً وَحَرْفًا» وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ كَحَجَّةٍ» وَرُوِيَ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَمُوتُ وَالِدَاهُ وَهُوَ عَاقٌّ لَهُمَا فَيَدْعُو اللَّهَ لَهُمَا مِنْ بَعْدِهِمَا فَيَكْتُبُهُ اللَّهُ مِنْ الْبَارِّينَ» فَأَفَادَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ أَنَّ مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبَوَيْهِ كَانَ بَارًّا لَهُمَا غَيْرَ عَاقٍّ وَلَا مُضَيَّعَ حَقِّهِمَا قَالَ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ: وَالزِّيَارَةُ لِأَدَاءِ الْحَقِّ كَزِيَارَةِ قَبْرِ الْوَالِدَيْنِ يُسَنُّ شَدُّ الرَّحَّالِ إلَيْهَا تَأْدِيَةً لِهَذَا الْحَقِّ، وَكَانَ ابْنُ وَاسِعٍ يَزُورُ الْقُبُورَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ بِزُوَّارِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمًا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (لِطَلَبِ بُكَائِهِنَّ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ " لِبُكَائِهِنَّ " وَيَحْذِفُ " لِطَلَبِ ".

قَوْلُهُ: (نَعَمْ يُنْدَبُ لَهُنَّ زِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ فِي الْخَصَائِصِ: وَلَا يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ زِيَارَةُ قَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا يُكْرَهُ لَهُنَّ زِيَارَةُ سَائِرِ الْقُبُورِ أَيْ بَاقِيهَا، بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ زِيَارَةُ قَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِخَبَرِ: «مَنْ حَجَّ وَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَّاتِي»

<<  <  ج: ص:  >  >>