للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّائِرُ لِقُبُورِ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَقْبِلًا وَجْهَ الْمَيِّتِ قَائِلًا مَا عَلَّمَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ إذَا خَرَجُوا لِلْمَقَابِرِ: «السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدَّارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ أَسْأَلُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ» أَوْ «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَزَادَ أَبُو دَاوُد «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ» لَكِنْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَقَوْلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِلتَّبَرُّكِ، وَيَقْرَأُ عِنْدَهُمْ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ فِي مَحِلِّ الْقِرَاءَةِ وَالْمَيِّتُ كَحَاضِرٍ تُرْجَى لَهُ الرَّحْمَةُ وَيَدْعُو لَهُ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَهُوَ عَقِبُ الْقِرَاءَةِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ، وَأَنْ يَقْرُبَ زَائِرَهُ مِنْهُ كَقُرْبِهِ مِنْهُ فِي زِيَارَتِهِ حَيًّا احْتِرَامًا لَهُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ. وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الزِّيَارَةِ وَأَنْ يُكْثِرَ الْوُقُوفَ عِنْدَ قُبُورِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالْفَضْلِ

(وَلَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَمِنْ ثَمَّ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ إلَى أَنَّ الْهِجْرَةَ إلَيْهِ مَيِّتًا كَهِيَ إلَيْهِ حَيًّا وَأَخَذَ مِنْهُ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ يُسَنُّ زِيَارَتُهُ حَتَّى لِلنِّسَاءِ وَإِنْ كَانَتْ زِيَارَةُ الْقُبُورِ لَهُنَّ مَكْرُوهَةً، وَأَطَالَ فِي إبْطَالِ مَا زَعَمَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ حُرْمَةِ السَّفَرِ لِزِيَارَتِهِ حَتَّى عَلَى الرِّجَالِ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ.

قَوْلُهُ: (وَالشُّهَدَاءِ) عَطْفُ خَاصٍّ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الصُّلَحَاءِ وَمِثْلُهُمْ الْعُلَمَاءُ.

قَوْلُهُ: (السَّلَامُ) بَدَلٌ مِنْ " مَا ".

قَوْلُهُ: (الْعَافِيَةُ) أَيْ مِنْ الْعَذَابِ.

قَوْلُهُ: (دَارَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ أَفْصَحُ، أَوْ النِّدَاءِ وَبِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ " كَمْ " شَوْبَرِيُّ.

قَوْلُهُ: (لِلتَّبَرُّكِ) فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ مَا فَائِدَةُ الْمَشِيئَةِ مَعَ أَنَّ اللُّحُوقَ مَقْطُوعٌ بِهِ وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَشِيئَةَ لِلُّحُوقِ فِي الْوَفَاةِ عَلَى الْإِيمَانِ أَوْ لِلُّحُوقِ فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ حَجّ.

قَوْلُهُ: (وَيَقْرَأُ عِنْدَهُمْ مَا تَيَسَّرَ) وَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْإِخْلَاص إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ أَهْدَى ثَوَابَهَا لِأَهْلِ مَقْبَرَةٍ غُفِرَ لَهُ ذُنُوبٌ بِعَدَدِهِمْ. اهـ. ق ل وَقَدْ نَقَلَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ أَنَّ جُمْهُورَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةَ الثَّلَاثَةَ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ، لَكِنْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ عَدَمُ الْوُصُولِ وَفِي الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ وَحَوَاشِيه: وَيَنْفَعُهُ أَيْ الْمَيِّتَ مِنْ وَارِثٍ وَغَيْرِهِ صَدَقَةٌ وَدُعَاءٌ بِالْإِجْمَاعِ وَغَيْرَهُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] فَعَامٌّ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ أَيْ بِالْإِجْمَاعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ مَنْسُوخٌ؛ وَالَأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهُ شَرْعُ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى} [النجم: ٣٦] {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: ٣٧] إلَخْ وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا، وَكَمَا يَنْتَفِعُ الْمَيِّتُ بِذَلِكَ يَنْتَفِعُ الْمُتَصَدِّقُ وَالدَّاعِي وَيَحْصُلُ لَهُ أَيْ الْمَيِّتِ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ إذَا نَوَاهُ أَوْ قَرَأَ عِنْدَهُ أَوْ دَعَا لَهُ عَقِبَهَا اهـ ثُمَّ إنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَمْ يُخْرِجْهُ مَخْرَجَ الدُّعَاءِ، كَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ قِرَاءَتِي لِفُلَانٍ، وَإِلَّا كَانَ لَهُ إجْمَاعًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَدْخَلِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَهَا أَوْ جُزْءًا مِنْهَا لِغَيْرِهِ، فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمَجْعُولِ لَهُ شَيْءٌ وَعِبَارَةُ الْخَازِنِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا مَنْسُوخُ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: ٢١] فَأُدْخِلَ الْأَبْنَاءُ الْجَنَّةَ بِصَلَاحِ الْآبَاءِ؛ وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ لِقَوْمِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأَمَّا هَذِهِ الْأُمَّةُ فَلَهَا مَا سَعَوْا وَمَا سَعَى لَهُمْ غَيْرُهُمْ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ «امْرَأَةً رَفَعَتْ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْهُ: أَنَّ «رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ: إنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ أَيَنْفَعُهَا إنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ» اهـ.

قَوْلُهُ: (كَحَاضِرٍ) أَيْ كَحَيٍّ حَاضِرٍ، وَإِلَّا فَهُوَ حَاضِرٌ لَكِنْ لَيْسَ كَحُضُورِ الْحَيِّ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا نَوَى ثَوَابَ قِرَاءَةٍ لَهُ أَوْ دَعَا عَقِبَهَا بِحُصُولِ ثَوَابِهَا لَهُ أَوْ قَرَأَ عِنْدَ قَبْرِهِ حَصَلَ لَهُ مِثْلُ ثَوَابِ قِرَاءَتِهِ وَحَصَلَ لِلْقَارِئِ أَيْضًا الثَّوَابُ، فَلَوْ سَقَطَ ثَوَابُ الْقَارِئِ لَسَقَطَ كَأَنْ غَلَبَ الْبَاعِثُ الدُّنْيَوِيُّ كَقِرَاءَتِهِ بِأُجْرَةٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ مِثْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ؛ وَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ وَلَمْ يَنْوِهِ وَلَا دَعَا لَهُ بَعْدَهَا وَلَا قَرَأَ عِنْدَ قَبْرِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ وَاجِبِ الْإِجَارَةِ وَهَلْ يَكْفِي نِيَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِهَا وَإِنْ تَخَلَّلَ فِيهَا سُكُوتٌ؟ يَنْبَغِي نَعَمْ، إذَا عَدَّ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ مِنْ تَوَابِعِهِ، سم عَلَى حَجّ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الزِّيَارَةِ) وَلَا يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي الْمَقْبَرَةِ وَلَوْ بِالنَّعْلِ إلَّا فِي مَنْبُوشَةٍ رَطْبَةٍ فَيَحْرُمُ مِنْ غَيْرِ نَعْلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>