كُرِهَ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَحُرِّمَ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: وَعِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ، وَنَازَعَ فِي التَّحْرِيمِ السُّبْكِيُّ وَسَيَأْتِي مَا يُقَوِّي التَّحْرِيمَ (إلَّا لِحَاجَةٍ) أَيْ لِضَرُورَةٍ كَمَا فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَأَنْ كَثُرَ الْمَوْتَى وَعَسُرَ إفْرَادُ كُلِّ مَيِّتٍ بِقَبْرٍ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْأَكْثَرِ فِي قَبْرٍ بِحَسَبِ الضَّرُورَةِ وَكَذَا فِي ثَوْبٍ لِلِاتِّبَاعِ فِي قَتْلَى أُحُدٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَيُقَدَّمُ حِينَئِذٍ أَفْضَلُهُمَا نَدْبًا وَهُوَ الْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ إلَى جِدَارِ الْقَبْرِ الْقِبْلِيِّ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْأَلُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ عَنْ أَكْثَرِهِمْ قُرْآنًا فَيُقَدِّمُهُ إلَى اللَّحْدِ» لَكِنْ لَا يُقَدَّمُ فَرْعٌ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَإِنْ عَلَا حَتَّى يُقَدَّمَ الْجَدُّ وَلَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَكَذَا الْجَدَّةُ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، فَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ، وَتُقَدَّمُ الْأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْهَا، أَمَّا الِابْنُ مَعَ الْأُمِّ فَيُقَدَّمُ لِفَضِيلَةِ الذُّكُورَةِ، وَيُقَدَّمُ الرَّجُلُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالصَّبِيُّ عَلَى الْخُنْثَى وَالْخُنْثَى عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَا يُجْمَعُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيَحْرُمُ عِنْدَ عَدَمِهَا كَمَا فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَلَوْ كَانَ لِلْقَبْرِ لَحْدَانِ مَثَلًا وَنُبِشَ لِلدَّفْنِ فِي لَحْدٍ آخَرَ جَازَ إنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَيِّتِ الْأَوَّلِ رَائِحَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، فَإِنْ حُفِرَ قَبْرٌ فَوُجِدَ فِيهِ عَظْمُ مَيِّتٍ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ فَرَاغِ الْحَفْرِ أَعَادَهُ وَلَمْ يُتِمَّ الْحَفْرَ وَإِنْ ظَهَرَ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِهِ جَعَلَهُ فِي جَانِبٍ مَحْفُورٍ وَدُفِنَ الْمَيِّتُ بِجَانِبٍ آخَرَ ز ي وح ل.
قَوْلُهُ: (وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ) أَيْ أَوْ اخْتَلَفَ وَكَانَ نَحْوَ مَحْرَمِيَّةٍ كَمَا يُشِيرُ لَهُ كَلَامُهُ؛ وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّحَادُ الْجِنْسِ أَوْ الْمَحْرَمِيَّةِ أَوْ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ عَدَمِ بُلُوغِ حَدِّ الشَّهْوَةِ كَالرَّجُلِ مَعَ الْبِنْتِ الْأَجْنَبِيَّةِ الصَّغِيرَةِ جِدًّا، وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ الْكَبِيرَيْنِ فَحَرَامٌ بِاتِّفَاقٍ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ أَيْ لَحْدٍ أَوْ شِقٍّ فَيَحْرُمُ عِنْدَ م ر وَلَوْ مَعَ مَحْرَمِيَّةٍ كَأُمٍّ وَابْنِهَا وَاتِّفَاقِ جِنْسٍ كَأَبٍ وَابْنِهِ، وَيُكْرَهُ عِنْدَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وَاخْتَلَفَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ؛ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ التَّمَاسَّ كَتُرَابٍ وَنَحْوِهِ وَمَا اُعْتِيدَ مِنْ الدَّفْنِ فِي الْفَسَاقِيِ الْمَعْرُوفَةِ فَحَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إدْخَالِ مَيِّتٍ عَلَى مَيِّتٍ آخَرَ، وَيَحْرُمُ جَمْعُ عِظَامِهِمْ لِدَفْنِ غَيْرِهِمْ، وَكَذَا وَضْعُهُ فَوْقَ عِظَامِهِمْ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَحُرِّمَ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ) لَكِنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلَا بِنَحْوِ مَحْرَمِيَّةٍ بَلْ هُوَ حَرَامٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوْ اخْتَلَفَ، وَسَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ لَا قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَإِنْ رُجِيَتْ حَيَاةُ جَنِينِ مَيِّتَةٍ شُقَّ جَوْفُهَا وُجُوبًا قَبْلَ إدْخَالِهَا الْقَبْرَ وَفِي الْقَبْرِ نَدْبًا فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، وَأُخْرِجَ مِنْهُ ذَلِكَ
لِأَنَّ مَصْلَحَةَ إخْرَاجِهِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) لَكِنَّ الْحَجْزَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ وَاجِبٌ.
قَوْلُهُ: (لِلِاتِّبَاعِ فِي قَتْلَى أُحُدٍ) أَيْ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ» شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ أَيْ وَكَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَقْتَ عَجْزٍ عَنْ الثِّيَابِ وَحِينَئِذٍ فَبَعْضُ الثِّيَابِ الَّتِي وُجِدَتْ كَانَ فِيهِ سَعَةٌ بِحَيْثُ يَسَعُ اثْنَيْنِ يُدْرَجَانِ فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَمَاسُّ عَوْرَتَيْهِمَا لِإِمْكَانِ أَنْ يَحْجِزَ بَيْنَهُمَا بِإِذْخِرٍ وَنَحْوِهِ، شَرْحُ الْمِشْكَاةِ شَوْبَرِيٌّ فَقَوْلُهُ: " وَكَذَا فِي ثَوْبٍ " أَيْ يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي ثَوْبٍ لِلضَّرُورَةِ قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي السِّيرَةِ: وَدُفِنَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَدُفِنَ النُّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ بْنُ الْخَشْخَاشِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَرُبَّمَا دُفِنُوا ثَلَاثَةً فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَصَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَعْمِقُوا وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: اُنْظُرُوا أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ جَمْعًا أَيْ حِفْظًا لِلْقُرْآنِ فَقَدِّمُوهُ فِي الْقَبْرِ» أَيْ اللَّحْدِ، وَاحْتَمَلَ نَاسٌ مِنْ الْمَدِينَةِ قَتْلَاهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ فَرَدَّهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُدْفَنُوا حَيْثُ قُتِلُوا وَبِذَلِكَ اسْتَدَلَّ أَئِمَّتُنَا عَلَى حُرْمَةِ نَقْلِ الْمَيِّتِ قَبْلَ دَفْنِهِ فِي مَحِلِّ مَوْتِهِ إلَى مَحِلٍّ أَبْعَدَ مِنْ مَقْبَرَتِهِ، وَفِيهِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الشَّهِيدِ، أَمَّا هُوَ فَالْأَفْضَلُ دَفْنُهُ بِمَحِلِّ مَوْتِهِ وَلَوْ بِقُرْبِ مَا ذَكَرَ؛ بَحَثَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَشَهِدَ لَهُ مَا هُنَا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْجَدَّةُ) أَيْ تُقَدَّمُ عَلَى الْبِنْتِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ) أَيْ الِابْنُ وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَيْ الْبِنْتُ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا الِابْنُ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَهَلْ يُقَدَّمُ الْخُنْثَى عَلَى أُمِّهِ احْتِيَاطًا أَوْ هِيَ؟ قَالَ الشَّيْخُ: فِيهِ نَظَرٌ أَقُولُ: وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا لِأَنَّ جِهَةَ تَقْدِيمِهَا مُحَقَّقَةٌ بِخِلَافِ الْخُنْثَى شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الصَّبِيِّ) وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْمَعُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ) أَيْ