وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْأَهْلِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَتُنْدَبُ الْبُدَاءَةُ بِأَضْعَفِهِمْ عَنْ حَمْلِ الْمُصِيبَةِ، وَتُسَنُّ قَبْلَ دَفْنِهِ لِأَنَّهُ وَقْتَ شِدَّةِ الْجَزَعِ وَالْحُزْنِ وَلَكِنْ بَعْدَهُ أَوْلَى لِاشْتِغَالِهِمْ قَبْلَهُ بِتَجْهِيزِهِ إلَّا إنْ أَفْرَطَ حُزْنُهُمْ فَتَقْدِيمُهَا أَوْلَى لِيُصَبِّرَهُمْ. وَغَايَتُهَا (إلَى) آخِرِ (ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) تَقْرِيبًا تَمْضِي (مِنْ) وَقْتِ الْمَوْتِ لِحَاضِرٍ وَمِنْ الْقُدُومِ لِغَائِبٍ وَقِيلَ مِنْ وَقْتِ (دَفْنِهِ) وَمِثْلُ الْغَائِبِ الْمَرِيضُ وَالْمَحْبُوسُ فَتُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ بَعْدَهَا إذْ الْغَرَضُ مِنْهَا تَسْكِينُ قَلْبِ الْمُصَابِ وَالْغَالِبُ سُكُونُهُ فِيهَا فَلَا يُجَدَّدُ حُزْنُهُ. وَيُقَالُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك أَيْ جَعَلَهُ عَظِيمًا، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك أَيْ جَعَلَهُ حَسَنًا، وَغَفَرَ لِمَيِّتِك، وَيُقَالُ فِي تَعْزِيَتِهِ بِالْكَافِرِ، الذِّمِّيَّ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَصَبَّرَك وَأَخْلَفَ عَلَيْك أَوْ جَبَرَ مُصِيبَتَك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَيُقَالُ فِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ: غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَأَحْسَن عَزَاءَك، أَمَّا الْكَافِرُ غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ مِنْ حَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَلَا يُعَزَّى وَهَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ الظَّاهِرُ فِي الْمُهِمَّاتِ الْأَوَّلُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الثَّانِي وَهُوَ الظَّاهِرُ هَذَا إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ، فَإِنْ رُجِيَ اُسْتُحِبَّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ، وَأَمَّا تَعْزِيَةُ الْكَافِرِ بِالْكَافِرِ فَهِيَ غَيْرُ مَنْدُوبَةٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ، وَصِيغَتُهَا: أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك وَلَا نَقَصَ عَدَدُك لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُنَا فِي الدُّنْيَا بِكَثْرَةِ الْجِزْيَةِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالْفِدَاءِ مِنْ النَّارِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِدَوَامِ الْكُفْرِ فَالْمُخْتَارُ تَرْكُهُ، وَمَنَعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِهِ بِتَكْثِيرِ الْجِزْيَةِ
(وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ) ابْتِدَاءً (فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ) بَلْ يُفْرَدُ كُلُّ مَيِّتٍ بِقَبْرٍ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ لِلِاتِّبَاعِ، فَلَوْ جُمِعَ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ كَرَجُلَيْنِ وَامْرَأَتَيْنِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ كَالْمَالِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ م ر.
قَوْلُهُ: (تَقْرِيبًا) فَلَا يَضُرُّ الزِّيَادَةُ بِنَحْوِ نِصْفِ يَوْمٍ مَثَلًا ح ل.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْقُدُومِ لِغَائِبٍ) أَيْ قُدُومِ الْمُعَزَّى أَوْ الْمِعْزَى. اهـ. شَوْبَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَمِثْلُ الْغَائِبِ الْمَرِيضُ) أَيْ فَإِذَا شُفِيَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْحَبْسِ عُزِّيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
قَوْلُهُ: (أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك) لَا يُقَالُ إنَّ عِظَمِ الْأَجْرِ يَكُونُ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْمَصَائِبِ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ دُعَاءٌ عَلَى الْمُعَزَّى بِفَتْحِ الزَّايِ بِكَثْرَةِ مَصَائِبِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ دُعَاءٌ بِكَثْرَةِ مَصَائِبِهِ إذْ الْأَجْرُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِنُزُولِ الْمَصَائِبِ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: ٥] . اهـ. م ر.
قَوْلُهُ: (عَزَاءَك) بِالْمَدِّ أَيْ صَبْرَك.
قَوْلُهُ: (وَصَبْرَك) وَلَا يُقَالُ: وَغُفِرَ لِمَيِّتِك لِأَنَّهُ حَرَامٌ ز ي.
قَوْلُهُ: (وَأَخْلَفَ عَلَيْك) نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مِمَّنْ لَا يُخْلَفُ بَدَلُهُ كَأَبٍ فَلْيَقُلْ بَدَلَ " أَخْلَفَ عَلَيْك " " خَلَّفَ عَلَيْك " أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْك، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك) قَدَّمَ هُنَا الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ مَعَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ لِشَرَفِ الْمُسْلِمِ ح ل.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الظَّاهِرُ) مُعْتَمَدٌ، نَعَمْ لَوْ كَانَ فِيهَا تَوْقِيرُهُ حُرِّمَتْ. اهـ. م ر.
قَوْلُهُ: (وَلَا نَقَصَ) بِتَخْفِيفِ الْقَافِ وَنَصْبِ " عَدَدَ " عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَوْ رَفْعِهِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا، قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} [التوبة: ٤] .
قَوْلُهُ: (بِالْفِدَاءِ مِنْ النَّارِ) لِأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ لَهُ مَقْعَدٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَقْعَدٌ فِي النَّارِ فَإِنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ وُضِعَ كَافِرٌ مَحَلَّ مَقْعَدِهِ فِي النَّارِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ) أَيْ قَوْلُهُ وَلَا نَقَصَ عَدَدُك ظَاهِرُهُ أَنَّهُ دُعَاءٌ بِدَوَامِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِتَكْثِيرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَمِنْ لَازِمِ كَثْرَتِهِمْ امْتِدَادُ بَقَائِهِمْ وَامْتِدَادُهُ مَعَ الْكُفْرِ فِيهِ دَوَامٌ لَهُ.
قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي إلَخْ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الْعَدَدِ بَقَاؤُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " وَلَا نَقَصَ عَدَدُك " يَصْدُقُ بِإِسْلَامِهِمْ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَعْزِيَةُ مُسْلِمٍ بِمُرْتَدٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ بِخِلَافِ نَحْوِ مُحَارِبٍ أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ وَزَانٍ مُحْصَنِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَإِنْ قُتِلَ حَدًّا، وَيَنْبَغِي لِلْمُعَزَّى إجَابَةُ التَّعْزِيَةِ بِنَحْوِ: جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا، وَلَعَلَّهُمْ حَذَفُوهُ لِوُضُوحِهِ اهـ م ر
قَوْلُهُ: (وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا م ر: أَيْ يَحْرُمُ ذَلِكَ وَلَوْ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: يُكْرَهُ مُطْلَقًا وَكَلَامُ الشَّارِحِ لَا يُوَافِقُ وَاحِدًا مِنْهُمَا ق ل.
قَوْلُهُ: (ابْتِدَاءً) وَأَمَّا دَوَامًا بِأَنْ يُدْفَنَ مَيِّتٌ عَلَى مَيِّتٍ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ بِلَى الْأَوَّلِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ)