للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُقَالُ لَهَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِدُخُولِ الْفِطْرِ وَيُقَالُ أَيْضًا زَكَاةُ الْفِطْرَةِ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالتَّاءِ فِي آخِرِهَا كَأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ الْخِلْقَةُ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠] قَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ: زَكَاةُ الْفِطْرِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسَجْدَةِ السَّهْوِ لِلصَّلَاةِ تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلَاةِ.

وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَقْتُ الْوُجُوبِ، وَوَقْتُ الْأَدَاءِ، وَصِفَةُ الْمُؤَدَّى عَنْهُ، وَصِفَةُ الْمُؤَدِّي، وَقَدْرُ الْمُخْرَجِ، وَجِنْسُهُ.

قَوْلُهُ: (سُمِّيَتْ) أَيْ مَدْلُولُهَا الَّذِي هُوَ الْقَدْرُ الْمُخْرَجُ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِدُخُولِ الْفِطْرِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الْفِطْرَ أَحَدُ جُزْأَيْ سَبَبِهَا الْمُرَكَّبِ مِنْ شَيْئَيْنِ: إدْرَاكُ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ وَجُزْءٍ مِنْ شَوَّالٍ.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْوُجُوبَ لَمَّا كَانَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِإِدْرَاكِ الْجُزْءِ الثَّانِي أُضِيفَتْ إلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (كَأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ إلَخْ) لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ اتِّحَادُ الْمَأْخُوذِ وَالْمَأْخُوذِ مِنْهُ لِاخْتِلَافِهِمَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ الْأُولَى بِمَعْنَى الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ، وَاَلَّتِي فِي الْمَأْخُوذِ مِنْهُ بِمَعْنَى الْخِلْقَةِ، فَلَمْ يَتَّحِدْ الْمَأْخُوذُ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ. وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهُمَا الِارْتِبَاطُ مِنْ جِهَةِ التَّطْهِيرِ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ يُطَهِّرُ الْخِلْقَةَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (الَّتِي هِيَ الْخِلْقَةُ) وَالْمَعْنَى أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْخِلْقَةِ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ، أَيْ تَطْهِيرًا لَهَا وَتَنْمِيَةً لِعَمَلِهَا، شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (فِطْرَةَ اللَّهِ) أَيْ أُلْزِمَ فِطْرَةَ اللَّهِ أَيْ خِلْقَتَهُ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا أَيْ خَلَقَهُمْ عَلَيْهَا وَهِيَ قَبُولُهُمْ الْحَقَّ وَتَمَكُّنُهُمْ مِنْ إدْرَاكِهِ، وَقِيلَ: الْفِطْرَةُ هِيَ الْإِسْلَامُ، وَقِيلَ: الْبُدَاءَةُ الَّتِي ابْتَدَأَهُمْ بِهَا مِنْ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، وَقِيلَ: الْفَقْرُ وَالْفَاقَةُ، وَقِيلَ: الْعَهْدُ الْمَأْخُوذُ عَلَى آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ وَقَرَّرَهُمْ بِأَنَّهُ الرَّبُّ وَأَنَّهُمْ الرَّبِيبُ وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ وَكَتَبَ ذَلِكَ فِي رِقٍّ وَقَالَ لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ: افْتَحْ فَاك، فَفَتَحَهُ، فَأَلْقَمَهُ ذَلِكَ الرِّقَّ وَقَالَ لَهُ: اشْهَدْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَنْ وَافَاك بِالْوَفَاءِ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلَ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ وَلَهُ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ وَشَفَتَانِ يَشْهَدُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْوَفَاءِ وَعَلَى الْكَافِرِينَ بِالْجُحُودِ، وَإِنَّهُ لِيَشْهَدَ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ أَوْ قَبَّلَهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ عَلَى الْغَزِّيِّ.

قَوْلُهُ: (قَالَ وَكِيعٌ) شَيْخُ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -:

شَكَوْت إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي ... فَأَرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي

وَأَخْبَرَنِي بِأَنَّ الْعِلْمَ نُورٌ ... وَنُورُ اللَّهِ لَا يُهْدَى لِعَاصِي

قَوْلُهُ: (تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يَصُومُ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ " تَجْبُرُ " إلَى الْجَامِعِ بَيْنَهُمَا.

قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا إلَخْ) وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى خِلَافِ ابْنِ اللَّبَّانِ الْقَائِلِ بِسُنِّيَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَغَيْرُ مَشْهُورٍ ز ي. وَالْمَشْهُورُ فَرْضُهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ عَامَ الصَّوْمِ. اهـ. سم، أَيْ قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ فَوَّضَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فَرْضَهَا أَيْ لِمَا فِي فَرْضِهَا مِنْ الْمَصْلَحَةِ، فَإِنَّهَا جَابِرَةٌ لِخَلَلِ الصَّوْمِ، وَسَبَبٌ لِقَبُولِهِ. أَوْ الْمُرَادُ فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ الْمُرَادُ بَلَّغَ فَرْضَهَا إلَخْ. فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ الَّذِي فَرَضَ وَأَوْجَبَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ أَنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُ فِي ذَلِكَ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِالسُّنَّةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقِيلَ: وَجَبَتْ بِالْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: ١٤] الْآيَةَ. وَإِنَّمَا حَكَاهُ بِقِيلِ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا. وَأَيْضًا لَمْ يَقُلْ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّى.

وَأَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ تَزَكَّى بَعِيدٌ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: هِيَ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَالسُّنَّةُ بَيَّنَتْ الْكِتَابَ وَوُجُوبُهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَلَا نَظَرَ لِمُخَالَفَةِ ابْنِ اللَّبَّانِ حَيْثُ قَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ جَحَدَهَا إنْسَانٌ فَلَا يُكَفَّرُ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا لَكِنَّهَا مِمَّا يَخْفَى فَلَا يُكَفَّرُ جَاحِدُهَا لِخَفَائِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>